فيلمان مصريان قصيران: قصصٌ أهمّ من المعالجة

18 مارس 2022
خيري بشارة: أهذا يجري في المكسيك، أم أين؟ (تيم بي ويتْبي/Getty)
+ الخط -

 

يبتكر المصري خيري بشارة، في "يوم الحداد الوطني في المكسيك" (36 دقيقة)، عالماً غير موجود، بتفاصيل أساسية تعكس واقعاً ديكتاتورياً، كي يروي شيئاً عن الحبّ في عيده. تذهب المصرية ساندرا بصال إلى الريف، لتصوير سيرة بلدةٍ وأفرادٍ في يوم واحد، يحتفل فيه كثيرون بعيد الحبّ. "أخويا" (29 دقيقة)، حبّ متنوّع الأشكال والعلاقات، وحكاية مفتوحة على بساطة وصدقٍ في مشاعر أبٍ وامرأة وعاشقٍ وأخ.

الفيلمان القصيران مُنجزان في سلسلة "في الحبّ والحياة" (العنوان الإنكليزي: "حب، حياة وكلّ شيءٍ بينهما"، 2022، فكرة عزة شلبي، إنتاج مشترك بين المنصّة الأميركية "نتفليكس" و"شركة اتحاد الفنانين للسينما والفيديو")، تضمّ 8 أفلام قصيرة، يُفترض بالنواة الأساسية لقصصها أنْ ترتبط بعيد الحبّ.

عالمٌ متكامل يبنيه بشارة على استبداد سلطة "مدينة باظ الجديدة" بحقّ الحبّ وبكلّ من يحبّ، وبحقّ اللون الأحمر وبكلّ من يملكه، سارداً تفاصيل مختلفة عن مسار انقلابٍ على السلطة من أجل الحبّ وبتحريضٍ منه. بينما العالم الذي تُصوِّر فيه بصال أحداث "أخويا" جاهزٌ أصلاً، واختياره منبثقٌ (ربما) من أصالة لا تزال حاضرة في الريف، كمدخل إلى التقاط مشاعر وانفعالات، وإلى كشف نبضها، ذاك النبض الذي يُحَاكَم كل فردٍ في "باظ" عليه، إنْ يتجاوز حدّاً مقبولاً، فالتجاوز يعني نبضاً قوياً، وهذا يعني، بدوره، أنّ الفرد عاشقٌ، وهذا ممنوع.

اختراع مدينة، بجهاز أمني (هيئة منع الحب) ومؤسّسة إذاعية، يمزج السخرية بالنقد المبطّن، والحبّ بمواجهة المنع. حسن مفتاح (آسر ياسين)، أشهر مذيعي المدينة وأهمّهم، يؤدّي دوراً مطلوباً منه، يقضي بالتحريض على الحبّ، بعد وقتٍ على هيامه بليلى (ندى الشاذلي) وكتابة شعرٍ لها. التحوّل قاسٍ على ليلى، التي تُقاوم القمع والمنع، فيصدّها حسن قبل أنْ يرضخ لمشيئتها، مُعلناً في النهاية موقفه من الحالة الغريبة للمدينة.

 

 

الذهاب إلى الريف جزءٌ من سعيّ متواضع إلى إيلاء الجمال والسكينة فيه اهتماماً أكبر، من دون التغاضي عن حيويته وبساطته وأشيائه العادية. الحبّ في الريف غير مختلفٍ عن ذاك الحاضر في المدينة، لكنّه يتّخذ ـ في "أخويا" ـ مساحة أوسع وأجمل، تُتيح له أنْ يتوزّع على أشكالٍ مختلفة، بين نماذج أساسية في الاجتماع البشري: أبٌ وشابٌ وامرأة وأخ. الحبّ بين الأفراد يُقابله حبّ الأب (صلاح عبدالله) لحيواناته، الذي (الحبّ) يظهر فجأة عند معرفته بغياب إحدى بقراته (سماح) منذ وقتٍ.

بدلاً من الاحتفال بعيد الحبّ، في "مدينة باظ الجديدة"، يذكر حسن مفتاح أنّ "14 فبراير" يوم حداد وطني في المكسيك، وهذا مذكور فقط في "ويكيبيديا العربية"، كما تُنبِّه ليلى حبيبها المذيع. خيري بشارة يُمعن في السخرية المحبَّبة، بذكره أنّ "الأحداث مستوحاة مما حدث عام 1999 في مدينة باظ الجديدة، عاصمة جمهورية جنوب آسيا". حينها، "أصدرت المحكمة العليا قراراً بمنع عيد الحبّ". هذه السخرية غائبةٌ في "أخويا"، الذي يلتقط تفاصيل جانبية من الحياة اليومية في الريف، قبل أنْ تكشف النهاية كيفية "إخفاء" سماح وسببه.

مشكلة الفيلمين كامنةٌ في أنّ المعالجة السينمائية عاديةٌ للغاية، وغير محمّلة بجديدٍ بصري في مقاربة الحكايتين. جمالُ جزءٍ كبير من "يوم الحداد الوطني في المكسيك" ينتهي مع المقاطع الأخيرة، المتسرّعة والبسيطة، إذْ تُحَلّ المشكلة بإيحاءٍ يقول إنْ شعباً ثائرٌ على سلطة تمنع الحبّ، فينتصر عليها، كأنّ هناك رغبةٌ في إنهاء المسار الدرامي بسرعة. التفاصيل السابقة على النهاية تُعوِّض بساطة الأشياء المُقدَّمة قبلها، كلاماً ومواقف وتمثيلاً. لكنّ الجزء الأخير متسرّع وباهت، خاصة منذ زيارة "أندرغراوند الحبّ" عند روح (بسمة). ريف "أخويا" يبقى الأجمل من كلّ شيءٍ، لأنّ كلّ شيءٍ عاديّ إلى درجةٍ مُملّة أحياناً، مع أنّ القصّة جميلة، ولعبة إخفاء البقرة من أجل "هدفٍ نبيل" مُحبَّبة.

المساهمون