فيرا تماري والفن التشكيلي في غزة... قراءة نقدية

13 مايو 2024
فيرا تماري في الندوة (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فيرا تماري تبرز تطور الفن في غزة، مشيدة بدور جمعية الشبان المسيحية والهلال الأحمر في تأسيس الأكاديمية الصيفية للفنون البصرية، وتأثيرها في دعم الفنانين لعكس طموحات الفلسطينيين نحو التحرر.
- تسلط الضوء على البرامج والمعارض في رام الله وعمّان، والإقامات الفنية في باريس بالتعاون مع مؤسسة عبد المحسن القطان، مما ساعد فناني غزة على استكشاف أنماط بصرية جديدة وتحقيق حضور عالمي.
- تناقش تماري التنوع والجرأة في أعمال فناني غزة، مؤكدة على دور المفاهيم النضالية وكيف تعبر الأعمال عن مشاعر مثل الحزن والأمل، معتبرة الألوان البراقة تعبيرًا عن الصمود.

تشير الفنانة التشكيلية الفلسطينية فيرا تماري إلى أن تطوّر الفن في غزة مرّ بعدّة مراحل، من بينها مرحلة البدايات التي ساهمت فيها جمعية الشبان المسيحية في المدينة، إذ أنشأت أكاديمية صيفية لتعليم الفنون البصرية، ما بين رسومات وفوتوغرافيا، بإشراف الفنان عيسى سابا، وساعده فنانون كانوا شباباً في ثمانينيّات القرن الماضي، كفايز سرساوي، وتيسير البطنيجي، وباسل المقوسي، وغيرهم، إضافة إلى دور جمعية الهلال الأحمر، بإدارة الراحل فتحي عرفات، شقيق الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.

فيرا تماري: هذه نقطة التحوّل لفناني غزة

كانت الجمعية تساعد الفنانين على إنتاج أعمال تعكس مساعي الشعب الفلسطيني إلى التحرر. وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي، وحتى انتفاضة الأقصى نهاية عام 2000، كان لمركز خليل السكاكيني في مدينة رام الله، بإدارة عادلة العايدي هنية، وقتذاك، دور كبير في فتح آفاق للفنانين الشباب من قطاع غزة، عبر تنظيم معارض فردية وجماعية لهم، وطباعة ملصقات وكتيّبات عن أعمالهم، وتعريف الجمهور المحلي في الضفة الغربية بتجاربهم.
وشددت تماري، في ندوة لها حول الفن البصري في قطاع غزة، انتظمت في المتحف الفلسطيني ببلدة بيرزيت، على أهمية البرنامج الصيفي الذي نظمته دارة الفنون في عمّان، بإدارة الفنان السوري مروان قصّاب باشي، مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولثلاث أو أربع سنوات. وانخرط فيه عدد من فناني قطاع غزة مع عدد من فناني العالم العربي، الذين تأثروا ولا يزالون بطريقة قصّاب باشي. في حين رأت أن نقطة التحوّل الأكبر بالنسبة لفناني غزة، كانت تلك الإقامات الفنيّة في مدينة الفن في باريس، وهو برنامج تواصل لسنوات طويلة، ما بين مؤسسة عبد المحسن القطان والمركز الثقافي الفرنسي في فلسطين، إذ انتقلوا من اللوحة إلى أنماط بصرية جديدة، كالأعمال التركيبية، والفيديو آرت، والتصوير الفوتوغرافي، والكولاج، والفن الأدائي المُصوّر، وغير ذلك، مدللة بالمشروع الفني "مترو غزة" للفنان محمد أبو سل، الذي تحوّل عملاً مسرحياً من إنتاج مسرح الحرية في مخيم جنين، والمشروع الفني "وادي غزة" للفنانة رنا بطراوي والفنان شريف سرحان.
وأشارت فيرا تماري إلى أن تعدد المدارس والمشارب والتجارب والمرجعيّات الفنية، جعل من أعمال الفنانات والفنانين في قطاع غزة، متنوعة، من حيث الثيمات والألوان.
وفي تحليل مضامين عديد من الأعمال الفنيّة البصرية لفنانين من غزة، استُشهد بعضهم، وفقد معظمهم منازلهم ومراسمهم وأعمالهم الفنيّة في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ أكثر من سبعة شهور، وجدت تماري أن ثمة مشاعر مُوحَدة ومُوحِدة في كثير منها، كالشعور بالانقباض، والحزن، والصدمة، والذهول، والضياع.
وأوضحت تماري أن الألوان في لوحات الفنّانين الفلسطينيين من غزة، عادة ما تكون برّاقة وقويّة، رغم قتامة بعض الأعمال، وكأن هذه الألوان ورمزيّاتها تأتي تعويضاً عن صعوبة الأوضاع في القطاع المحاصر منذ قرابة العقدين، كما توحّدها عناصر الجرأة على مستوى التجريب والتجريد والمُعاصرة، وأحياناً على صعيد المضامين أيضاً، وبطبيعة الحال الأدوات المستخدمة، وهذا ما جعل للعديد من الفنانين الغزّيين حضوراً عالميّاً لافتاً، خاصة منذ مطلع الألفية الثالثة.

المفاهيم النضالية

تحضر المفاهيم النضالية في الأعمال الفنية، بخاصة تلك التي ظهرت حتى تسعينيات القرن الماضي، وهو ما يتضح، حسب تماري، في أعمال الفنانين بشير السنوار، وفتحي غبن، وتيسير بركات، وليلى الشوا، وكامل المغني، ولكن من دون ظهور واضح لصورة المُقاوم في هذه الأعمال، في حين يتمثل الإنسان في حالات عدّة، وخاصة أولئك الذين يتملكهم القلق، أو الذين يفضلون العزلة أو الانفراد.
ورأت فيرا تماري أن حضور المرأة لم يكن طاغياً في الأعمال البصرية للفنانين في قطاع غزة، على عكس أعمال الفنانين في الضفة الغربية.

ومع ذلك حضرت، ولو قليلاً، بتنويعات مختلفة، بعضها مُبتكر وجريء شكلاً مضموناً كأعمال الفنان أيمن عيسى، لافتة إلى أن بعض الأعمال التي حضرت فيها النساء، على قلّتها، جلّها لفنّانات إناث كأعمال الفنانة رقيّة اللولو، وبينها لوحة "نكبة رفح"، التي تبدو وكأنها انعكاس لواقع المرأة في حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، وأعمال الفنانتين ملك مطر، ودينا مطر.
وتوثق الأعمال الفنيّة الغزيّة يوميّات سكان القطاع، مواسم الحصاد والزراعة والعرس الفلسطيني والطبيعة، فضلاً عن توثيق المكان داخل غزة وخارجها، بخاصة القدس، بطرق تقليدية وأخرى مبتكرة، والبحر بطبيعة الحال، وإن كان ليس بالطغيان المتوقع. 

المساهمون