استمع إلى الملخص
- **حبكة "فوريوسا" وتطور الشخصيات:** تدور أحداث الفيلم في عالم ما بعد نهاية العالم، حيث تعيش فوريوسا (أنيا تايلور ـ جوي) مع عائلتها قبل أن تختطفها عصابة، مما يخلق سلسلة من مشاهد الأكشن المثيرة.
- **أسلوب ميلر في تصوير الحركة:** يتميز ميلر بقدرته على تقديم مشاهد حركة واضحة ومنظمة، مما يجعل من أفلامه تجربة سينمائية فريدة ومثيرة.
في الـ79 من عمره، ينجز جورج ميلر (1945) الأفلام كما لو أنّه أصغر بـ50 عاماً. مردّ هذا القول ليس فقط أنّه لا يبدو، في جديده "فوريوسا: ملحمة ماد ماكس" (2024)، مخرجاً رصيناً، من النوع الذي يصبح أكثر وقاراً مع تقدمّ العمر، بل لأنّ كلّ فيلم له يبدو أكثر حركية من سابقه: لا يتوقّف ثانية واحدة. لا يتباطأ. لا يحتوي على فترات راحة تقريباً، لالتقاط أنفاسه.
لا يُمكن التحدّث عن مشاهد الحركة أو التسلسلات في ملحمة "ماكس المجنون (Mad Max)"، لأنّ هذا ما هي عليه من البداية إلى النهاية. هذا صحيح. هناك لحظات قليلة يتغيّر فيها الفيلم، ويزيد من سماكة حبكته. لكنّ تلك اللحظات تحديداً تميل إلى أن تكون الأكثر إشكالية في العمل.
يُمكن حذف كلّ خطاب في "فوريوسا". كلّ تعليق صوتي توضيحي زائد عن الحاجة. هذا فيلم يدور حول الحركة والتحرّك، والبقاء على قيد الحياة، والمرور عبر ما تبقى من العالم، مُحاولاً المضي قدماً، والتغلّب على الصدمات، والانتقام. أو ببساطة: الهروب من شخصٍ يُطاردك.
بعد خمسة أفلام، ربما يكون لملحمة "ماكس المجنون" تعقيداتها بالنسبة إلى القادمين الجدد إليها. لكنْ، وفقاً لعقيدة ميلر، الماضي لا يهمّ. أو لا يهمّ كثيراً. فـ"فوريوسا" عبارة عن مقدّمة تستكشف بدقّة ماضي الشخصية، التي أدّتها تشارليز ثيرون في "ماد ماكس: طريق الغضب (Mad Max: Fury Road)" (2015)، وهذه مجرّد ذريعة لإنشاء سيرك كامل آخر من الشخصيات المتجوّلة، التي تجوب الصحراء، كـ"لورنس العرب" (1963) لديفيد لين، لكنْ بسرعة وبلا توقّف.
نحن في عالم ما بعد نهاية العالم. هناك صراعات على الموارد الطبيعية، وأطراف يتصارع بعضها مع البعض الآخر، وقضايا شخصية يجب حلّها. في "ماكس المجنون"، هذا كلّه أقلّ أهمية من المنطق المكاني ـ الزماني الذي يحكم عمل السلسلة الفيلمية. الدليل؟ فلنر كيف يُعبَّر عن كلّ ذلك في شكل عمل وحركة، وتصميم رقصات الرصاص والسيارات والدرّاجات النارية والقطارات والشاحنات، والأشخاص.
تعيش فوريوسا (أنيا تايلور ـ جوي، بعد أليلا براون مؤدّية دورها صغيرةً) مع عائلتها في قطاعٍ شاعري من هذا العالم المروّع. تختطفها عصابة رجال ملثّمين، راكبي درّاجات نارية، يأخذونها بعيداً عن موطنها الأخضر الوادع. الأمر ليس سهلاً، لأنّ فوريوسا تقاتلهم بكلّ قوتها (تبلغ من العمر 10 سنوات فقط)، والأهمّ، لأنّ والدتها تطاردهم جميعاً على درّاجة نارية أيضاً، وتتمكّن من تعقيد مهمّتهم، ما أدّى إلى تقديم أول تسلسل أكشن لافت للفيلم.
ينتهي الأمر بفوريوسا محاصرة في مجال ديمنتوس (كريس هيمسوورث، بصفته شرير "أكبر من الحياة"، يتحرّك باستمرار بين النبي والمجنون تماماً)، الذي يدير جيش راكبي الدرّاجات جميعهم. ستفعل الفتاة كل ما بوسعها للهرب من هناك. لكنّ الأمر لن يكون سهلاً. في فيلم مُقسّم إلى حلقات، تُضمّ الفتاة (طفلة) سريعاً إلى محظيات الخالد جو (لاتشي هولم)، وتدفعها تهديدات أخرى إلى الهرب من هناك. تتسارع التهديدات، ويلاحقها ميلر بأقصى سرعة، في مزيج متسارع من المكان والزمان، لا يسمح حتى لفوريوسا بإكمال الجملة. في هذا الصدّد، ربما تكون واحدة من الأبطال/البطلات الذين لديهم أقل قدر من الحوار في تاريخ السينما، باستثناء بطلات عصر السينما الصامتة.
كونها بالغة (تقدّم تايلور ـ جوي أداءً لافتاً في دورٍ غير مُخصّص للتمثيل الكلاسيكي)، تنضم إلى السائق الإمبراطوري جاك (توم بيرك)، وتُغيّر مظهرها مراراً، وتنقل أشياء ثمينة، وتُطارَد، وتلاحقها مجموعات مختلفة من البلطجية العنيفين (هناك شيء من "ساحر" ويليام فريدكن، 1977، في الملحمة). سيبقى الانتقام من ديمنتوس رفيق أيامها ولياليها، بينما الموارد شحيحة، والحروب تتصاعد، والمركبات تنتقل من جانب إلى آخر، دافعة بعضها بعضاً، كـ"سيارات التصادم"، بسرعة 300 كلم بالساعة. ورغم أنّ الألعاب النارية هنا أقلّ روعة مما كانت عليه في "طريق الغضب"، لا تزال آسرة. على العكس، إحكامها يجعلها أكثر "واقعية"، إذا كان ممكناً استخدام هذا المصطلح هنا.
الشيء الغريب في لعبة "فوريوسا"، كلّها تقريباً، أنها تعمل على عكس معظم أفلام الحركة. في الأفلام الاستعراضية المعاصرة، تُفهم الحبكات لأنّها تُشرح ألف مرة. لكنّ مشاهد الحركة عبارة عن فوضى جغرافية غير مفهومة. في أفلام ميلر، يكون الأمر على العكس: أحياناً، تصبح الحبكات مربكة، ويصعب معرفة مَن يريد ماذا. مع هذا، الحدث واضح تماماً. كلّ حركة وكلّ جسد وكلّ لقطة لها منطقها المكاني المضبوط بدقّة.
هذا يولّد تأثيراً عكسياً للسينما المعاصرة. عندما ترى مشهد حركة لا نهاية له في أحد أفلام "مارفل" مثلاً، ينتهي بك الأمر إلى الشعور بالإرهاق من مدى إرباكه، وتُفضّل أن ينتهي قريباً، وينتقل إلى شيء آخر، مهما كان. في ملحمة "ماكس المجنون"، ينعكس الحال: ليس ما تقوله الشخصيات يُجلي الأمور الغامضة، بل ما يُظهره ميلر ينظّف ويصحّح غموض الدراما. هناك مقولة لاتينية: "الخيول تُرى في الميدان"، أي أنّ المنافسة لا وجود لها إلا إذا تجسّدت في الممارسة العملية. هذا يحدث مع ميلر. لا أحد يعرف تماماً ما سرّه، لكنْ بمجرد أنْ تبدأ الأمور في الحركة، يعمل مثل بيب غوارديولا في أفلام المغامرات والحركة.