فنون العالم الرقمي... أن تُحدّق في 100 مليون دولار

01 ابريل 2021
تحولت صورة ساندرز إلى "ميم" انتشرت بشكل جنوني (كريس ديلماز/فرانس برس)
+ الخط -

ما زالت إشكالية حقوق الملكية الفكرية في العالم الرقمي محفوفة بالمخاطر، فالقرصنة و"السرقة" ما زالت تجد لنفسها أساليب للتحايل على التطور التكنولوجي والنصوص القانونيّة. لكن، مع انتشار العملات الرقميّة بل واستقلالها، قدمت لنا التكنولوجيا ما يعرف باسم NFT-non fungible token، أو الرموز غير القابلة للاستبدال، وهي شكل من أشكال الشيفرات المميزة التي تثبت ملكيّة شخص ما لشيفرة رقمية أخرى، سواء كانت عملاً فنياً، أو كلمةً أو صورة، أو مقطع فيديو. 

اشتعلت شهرة هذه التكنولوجيا مؤخراً، بالرغم من وجودها منذ قرابة عشرة أعوام، وهي أشبه بعلامة على أن هذا "المنتج الرقميّ ملك لأحدهم". لكن هذا لا يعني منعه من التداول أو الانتشار. المثير للاهتمام هو دخول هذا الأسلوب من "الملكية" إلى عالم الفن، ذاك السوق المتضخم دوماً والذي لم تنفجر فقاعته إلى الآن. 

قام مثلاً، جاك دورسي، مؤسس تويتر، ببيع أول تغريدة له على الموقع، تلك المنشورة عام 2006، ونصها just setting up my twttr، إذ قام دورسي بوسمها بعلامة NFT، وبيعت بمبلغ يفوق المليونين ونصف مليون دولار ضمن مزاد رقميّ، وأصبحت إثر ذلك "التغريدة" ملكاً لأحدهم، أو بصورة أدق، يمتلك المشتري الآن علامة تدل على حقوقه بها، لا ملكيتها بحرفيتها. 

استفاد الفنانون الرقميون من هذه التقنية؛ إذ باع الأميركي مايك وينكلمان، المعروف باسم بيبل، عدداً من أعماله الرقميّة، آخرها كان في مزاد في كريستي، وبلغت قيمة الأعمال ستة وتسعين مليون دولار، ليكون واحدا من الفنانين الذين بيعت أعمالهم بأغلى الأثمان وهم أحياء، كحالة جيف كونز ودايفيد هوكني. 

تكنولوجيا
التحديثات الحية

فتح هذا الشكل من البيع والشراء باب النقد، خصوصاً في ما يتعلق بالعملية الفنية وقيمة الجهد المبذول، إذ رأى البعض أنها شكل آخر من أشكال ابتلاع سوق الفن لما حوله. وبلغ الأمر حد دفع مبالغ خياليّة مقابل الترفيه أو السخف والابتذال. ورأى البعض الآخر، أنها جزء من اتساع مفهوم الفن بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، تلك التي تنتج نجومها وأغنياءها، فلم لا تنتج "فنانيها"؟ ما يعني المزيد مما يسمى "الحمقى" الذين يكسبون المال والشهرة بسبب ما يقومون به على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع عمليات البيع هذه، سيكون هناك "فنانون" جدد، وهم أشخاص يصبحون فجأة أغنياء ومشاهير، ويمتلكون ما يبيعونه، من دون اعتبار لـ"تاريخ الفن" الذي يدافع النقاد دوماً عن أهميته في إطلاق الأحكام الجماليّة. 

يرى البعض الآخر أن السبب هو وباء كورونا، الذي ترك التكنولوجيا تتغلغل عميقاً في حياتنا، ما جعل عالم الفن في ظل الإغلاق الشامل وتدهور القطاع الثقافي يلجأ إلى القطاع الرقميّ، لكن هذه التقنية تهدد الفنانين التقليديين وما يرتبط بهم من شكل اقتصادي. والمقصود المتاحف وصالات العرض والوكلاء الفنيون، فالفنان الرقمي بإمكانه لعب كل هذه الأدوار، والأهم جعل "فنه" متاحاً للجميع، ما دفع "حرّاس الفن" إلى شحذ اقلامهم وصالاتهم، كونهم يرون أنفسهم الآن مهددين، إذ يمكن لصورة GIF واحدة، لا يستغرق تصميمها أحياناً الساعات، أن يتجاوز ثمنها سعر أعمال فنية يقضي "الفنان" سنوات في تنفيذها. 

يبدو أننا أمام فئة فنية جديدة، تتجاوز البوب آرت، والديجتال آرت، نحو ما يمكن تسميته الفنون فائقة الشعبيّة، تلك التي ينتجها الأفراد في غرفهم وراء شاشاتهم، والتي تتداول في المنصات الشهيرة وغير الشهيرة، بل ويمكن في لحظة ما، أن يتحول "ميم" ما إلى عمل فنّي، أو شكل من أشكال التعليق السياسي والثقافي، كصورة بيرني ساندرز الشهيرة وهو يرتدي قفازين صوفيين أُثناء حفل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن. هذه الصورة التي سحبت من سياقها، يمكن النظر إليها كشكل من أشكال فن الهواة، صُنعت عبر اقتباس صورة وإنتاج صور مدموجة بصور أخرى. كل هذا يدفع الفرد للتأمل في وضعيتنا الحاليّة كبشر ومستهلكين والأهم، كـ"ذواقة".

المساهمون