بانضمام "لينكولن" التاريخيّ في مدينة الدار البيضاء إلى "راديسون كوليكشن" يكون بذلك أوّل فندقٍ في المغرب ينضم إلى المجموعة العالمية، رغم أنّ المعلم التاريخي في طور الترميم منذ سنوات طويلة، على خلفية سلسلة احتجاجات مدنية رافقت عملية ترميمه من لدن سكان الدار البيضاء، بعدما بدأت حجارته القديمة تتداعى وتتساقط على أجساد الناس في شارع محمّد الخامس.
ملف "لينكولن" كبير وجرحه لم يندمل ولم يحسم بعد، بسبب أمورٍ قانونية تتعلّق بمسألة الملكية وانتقالها قبل سنوات إلى الجماعة الحضرية، لدرجة تجعل سكان المدينة يعتبرون الفندق أشبه بـ"اللعنة" المعمارية، نظراً لتأخّر الترميم والمنظر البشع الذي أضحى عليه في شارع محمّد الخامس، ذلك أنّه على الرغم من سبقه التاريخيّ في الشارع وذاكرة المكان ككلّ، إلّا أنّ السُلطات المحلّية ما زالت تتعامل معه في هدوء وتراخٍ، مُتناسية أنّ كل دقيقة تمرّ على تداعيه تُشكّل خطراً على ذاكرة المدينة وأيضاً على حيوات الناس، إثر مصرع العديد منهم تحت حجارته التي تتساقط من حينٍ إلى آخر، لا سيما حين يشتدّ البرد وتتساقط الأمطار بكثافة في فصل الشتاء.
ثمّة أمرٌ محيّر ويدعو للقلق كلّما مررت بجانبه، إذْ صورته مهترئة ومعالمه المعمارية أصبحت بارزة، لدرجة يُخيّل إليًّ أحياناً أنّ أسلاك الحديد العارية أشبه بعظامٍ داخلية تفصل الجسد عن اللحم. إنّها مرارة الذاكرة والنّسيان، حيث يتحوّل التاريخ إلى مستنقعٍ خربٍ أمام عمارات تجارية ساطعة قريبة منه تُلامس سماء المدينة. لكنّ المعنيين بهذا التراث الثقافي من إعلامٍ وباحثين وجمعياتٍ ومجتمعٍ مدني تعبوا حقيقة من الإشارة إلى أهميّة هذه المعلم وما يعنيه للبيضاويين، على الرغم من أنّ وزارة الثقافة نفسها كانت قد أصدرت قراراً في حقّ الفندق سنة 2000، مُعتبرة إيّاه من المباني التاريخيّة المغربيّة الهامّة التي تحبل بها الدار البيضاء، والتي ينبغي الحفاظ عليها، و"لا يجوز هدمها أو إجراء أيّ تعديل أو ترميم على واجهة البناية إلّا بترخيصٍ من مفتشية المباني التاريخيّة والمواقع في الدار البيضاء".
لكنْ أين عملية ترميم الفندق من هذا القرار الوزاري الصادر منذ سنواتٍ طويلة (حوالي 20 سنة)، رغم ما يهجس به من نيّة المحافظة والتثمين؟
يقع فندق "لينكولن" المُرتقب فتحه سنة 2025 في قلب شارع محمّد الخامس، مقابل مارشي سنطرال. وقد شُيّد عام 1917 خلال الاستعمار، وذلك على يد المهندس الفرنسيّ الشهير هيبير بريد. لعب هذا الفندق دوراً بارزاً خلال الحقبة الكولونياليّة، حين كانت تلتقي فيه العديد من الشخصيات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية.
لكنْ على الرغم من أهميته التاريخيّة المحضة كفضاء، إلا أنّ مكانته ليست هامّة على مُستوى أحداثه، مقارنة بجماليّات معماره. ويستمدّ المعلم ملامحه الفنّية والجماليّة من "آرت ديكو" بكل جزئياته وحجارته وتفاصيله الزخرفية، فهذا الفنّ يعتمد على الزخرفة، باعتبارها وسيطاً جمالياً بين التراث والمعاصرة، فهو يُحوّل كل ما هو بالٍ وبسيط من أشكالٍ وأحجامٍ وزخارف واستخدامها في معمارٍ كبيرٍ وباذخ.
وعلى الرغم من بروز هذا الاتّجاه الفنّي في أواخر القرن التاسع عشر، على أساس أنّه فنّ ينتمي تاريخياً إلى جماليّاتٍ كلاسيكيّة، إلا أنّ سحره ونزوعه صوب البساطة الفنّية يجعلانه في قلب الحداثة الفنّية المعاصرة. في الوقت الذي ثارت فيه بعض النماذج من الهندسة الجماليّة في فرنسا مع مطالع القرن العشرين، وجد مهندسون فرنسيون كثر في "كازابلانكا" مختبراً لتجريب أفكارهم وجعلها تدخل حيّز التنفيذ والابتكار، فكان فندق "لينكولن" أبرز هذه المعالم الأثريّة التي لامست "آرت ديكو" وجعلته أفقاً جمالياً لواجهتها التاريخيّة.