ظاهرة غريبة بدأت تكتسح أوساط الساحة الفنية المغربيّة في الآونة الأخيرة. وهي نزوح عدد من المغنين وعارضات الأزياء صوب العمل في التلفزيون، لكن هذه المرّة ليس للعمل داخل مجالات اشتغالهم، انطلاقاً مما يُمكن أن تتيح لهم بعض المحطّات التلفزيونية من فرصة لتثمين أعمالهم، بقدر ما جاء نزوحهم هذا من أجل اقتحام التمثيل التلفزيوني، دون أيّ خبرة معرفية بالمجال ولا قدرة على أداء أدوار داخل مسلسلات درامية.
صحيح أنّ أغلب هذه الأسماء، رغم تواضع مشاريعها الفنية، قد حقّقت نجاحات مقبولة على مستوى تفاعل الجمهور معها ومع ما تُنتجه من أغان ترفيهية أو إبداع أشكال جديدة على مستوى اللباس و"الديزاين". لكن هذه الأمور رغم أهميّتها، بدت وكأنّها لم تعُد تسكن كينونة هؤلاء الفنانين ومُخيّلتهم لابتداع أغان وأشكال، خاصّة في مجال الأزياء والديكور، فهذا المجال بحكم نخبويته، يجعل المُشاهد والمُتتبّع لعروض الأزياء ينفض نحو مجالات أخرى أكثر فتنة وذيوعاً داخل وسائط بصريّة مُتنوّعة. فالمجتمع المغربي، بالرغم من مظاهر الحداثة على ملامح حياته اليومية، فإنّه يبقى أكثر اجتراراً وتقليداً في تعامله مع مُنتجات غربية على مستوى جماليّات الديكور والموضة وما يرتبط بهما من أناقة ولباس.
صار التلفزيون أشبه بقبة البرلمان حيث الكل يدافع عن مصالحه
ومع ذلك، تبقى التعويضات السخيّة هي العامل الذي يجعل هؤلاء الفنانين يهجرون مجالات اشتغالهم وتفكيرهم من أجل الحصول على أدوار داخل مسلسلات مغربيّة تعبر بالأساس عن هزالة المنتوج التلفزيوني المغربي وحرصه على أسماء لها صيتها الإعلامي. وليس بما استطاعت أن تُراكمه من أعمال وازنة داخل مجالات الموسيقى والغناء والديكور، وإنّما بوصفها "أيقونات" داخل مجتمع منكوب من خلال محاولة استغلال صورهم الإعلامية لجني أرباح مادية وتحقيق علاقات نافذة كـ"ممثلين" و"ممثلات" داخل لجان دولية ومُمارسة نوع من السطوة غير المشروعة فنياً على الأجيال الجديدة، والتي درست فنون التمثيل داخل معاهد مغربيّة وغربية، خاصّة أنّ هذه الوجوه الجديدة داخل الدراما المغربيّة، هي من باتت تتغذى عليها المحطّات التلفزيونية وبتعويضات هزيلة، لأنّها هي من يخلق الحدث داخل الأعمال الدرامية، وليست هذه الوجوه، التي أضحت مُبتذلة من فرط تكرارها وحضورها داخل قطاع الدراما وما تنتجه من نصوص ساخرة ومعطوبة في أساسها وفي طريقة حكيها وتحويل قصصها وحكاياتها إلى الشاشة الصغيرة، وعدم القدرة على تطويع مفرداتها البصرية فنياً وجمالياً.
التعويضات السخيّة هي العامل الذي يجعل الفنانين يهجرون مجالات اشتغالهم وتفكيرهم من أجل الحصول على أدوار داخل مسلسلات مغربيّة
مثل هذه السلوكيات والخروقات تجعل الكثير من الزملاء والعاملين في الصحافة الفنية والنقد السينمائي، يستغربون كيف يستطيع هؤلاء الدخول إلى "حلبة" التلفزيون المغربي ويُقدّمون أنفسهم كممثلين وممثلات دون رقيب ذاتي أولاً، أمام صعوبات جمّة، تطاول الوجوه السينمائية الجديدة، بحكم ما يعترض طريقها من صعوبات لا فنية، ترتبط بالأساس بمفهوم الـ"كاستينغ" الذي هو عبارة عن إجراء شكلي، يتم تقديمه داخل أجندات ومشاريع للحصول على الدعم لا أكثر.
إنّ رهان التلفزيون على هذه الوجوه، هو شكل من البلادة الفنية وتمريغ لكرامة الممثل على الأرض، في الوقت الذي يستعين فيه مخرج بزوجته لأداء دور البطولة أو بعارضة أزياء أو مُصمّمة فنية أو حتى مغن لأداء بعض الأدوار داخل عمل تلفزيوني. هكذا يتم السطو على نصف ميزانية العمل الدرامي، بدون أيّ شبهة وأمام أعين شركات الإنتاج والصحافة والنقد. هذا حاصل في أعمال سينمائية كثيرة. لكنّ الدرامية بشكل أكبر، لأنّ التلفزيون غدا صناعة لكل الحالمين بمستقبل أفضل وجنّة للمنكوبين فنياً ولكل شخص لم ينجح في مجال الموسيقى أو الغناء أو المسرح، فيجد الفرصة للتوغّل أكثر في استثمار صورته "الرمزية" وأداء مهنة لا علاقة تجمعه بها، خاصّة إبان شهر رمضان داخل المغرب، حين تبدأ حرب طاحنة، بين هذه الوجوه الفنية للحصول أكثر على شهرة تلفزيونية وأدوار داخل أفلام ومسلسلات درامية، فيُصبح التلفزيون أشبه بقبة البرلمان السياسي، الكل حاضر ومُستيقظ للدفاع عن مصالح حزبه وعائلته.