فنانون متضامنون... حين نقول فلسطين حرة

28 ديسمبر 2023
في تشيلي (غييرمو سالاغادو/ فرانس برس)
+ الخط -

انطلقت خلال الفترة الماضية في العالم الغربي العديد من المبادرات الفنية المتضامنة مع فلسطينيي قطاع غزة، في تحدٍ للنفوذ الصهيوني وما يتمتع به من سطوة، جعلت أي محاولة لإبداء التعاطف مع الضحية الفلسطينية أمراً غير مأمون العواقب، ليبرهن ذلك على إنسانية لم يفقد كثيرون منها الأمل.

من هذه المبادرات، حفل تقيمه "فنانون من أجل غزة والسودان"، في 21 يناير/ كانون الثاني المقبل، في مدينة نيويورك الأميركية، ويحيي الحدث الفني عددٌ من نجوم الغناء العالميين، مثل مغني الراب البريطاني ستورمزي (Stormzy)، ونجمة الهيب هوب 070 Shake، والمغنية شارلوت داي ويلسون، والموسيقي نيك حكيم، والمغني الكندي دانيال سيزر، إلى جانب الممثل الكوميدي رامي يوسف.

ينتظم الحفل ضمن مجموعة من الفعاليات، قدمها النجم المصري الأميركي رامي يوسف، إذ انتقل هذا الأخير بعرضه من فيلادلفيا إلى واشنطن، ثم سان فرانسيسكو، وتبعه ببروكلين ونيويورك، بينما خُصصت عائدات جميع الحفلات لإغاثة قطاع غزة.

من المبادرات أيضاً التي انتشرت على نطاق واسع ولاقت ترحيباً كبيراً فيديو انتشر بقوة خلال الأسبوعين الماضيين على مواقع التواصل الاجتماعي بثه الممثل الاسكتلندي المعروف بريان كوكس، يقرأ خلاله قصيدة "إذا كان لا بد أن أموت" للشاعر الفلسطيني رفعت العرعير، الذي استشهد بغارة إسرائيلية في السابع من الشهر الحالي. القصيدة التي نشرت للمرة الأولى في 2011، شاركها كوكس في مهرجان فلسطين للأدب في لندن، إذ تعذّر عليه الحضور، فأرسل بالفيديو الذي يلقي فيه القصيدة.

قبلها، وقع الممثل الفائز بجائزة إيمي على عريضة موجهة للرئيس الأميركي، جو بايدن، مع أسماء أخرى مثل: سيلينا غوميز وواكين فينيكس وأندرو غارفيلد وكرستين ستيوارت وبيلا حديد وجينا أورتيغا، طالبوا عبرها الإدارة الأميركية بالعمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

امتداداً لتلك الفعاليات التي انتشرت على طول الولايات المتحدة الأميركية، يأتي في المقدمة حفل الرابر ماكليمور السبت الماضي في مدينة نيويورك، إذ ألقى خلاله المغني الأميركي كلمة مطولة، أدان فيها الحكومات الغربية التي تموّل الآلة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي.

جاء في كلمة الفنان الأميركي: "حين أقول فلسطين حرة، فإن هذا ليس ضد أي أحد. هذا يعني أننا يجب أن نحمي الجميع. يعني المساواة للجميع، والاحترام والسلام والمحبة. يعني الحق في الوجود بغض النظر عن انتمائك. نيتي هي عدم الإساءة إلى أي شخص. أرغب في أن يشعر كل إنسان في هذا الحفل بانعكاس الحب على روحه، لكن هناك أبرياء في غزة يقتلون بالدولارات التي ندفعها، هذه الأرواح البشرية الثمينة هي جزء منا، سأقولها إلى أن أموت: فلسطين حرة".

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by BEN (@macklemore)

قبلها، تحديداً في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شارك ماكليمور في مسيرة تضامنية مع فلسطين في العاصمة واشنطن، وقال في الكلمة التي ألقاها خلال الفعالية: "طلبوا مني أن أصمت. طلبوا مني البحث والعودة إلى الخلف للتعرف إلى تاريخ الصراع، وهو أمر معقد للغاية يحرّضني على الصمت ويعفيني من قول أي شيء. مع ذلك، أجريت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بحثاً في المسألة، وربما ما زلت لا أعلم عنها الكثير، لكني أعرف ما يكفي لكي أقول إن ما يحصل إبادة جماعية". وفي المقطع المصور من التظاهرة، يشير ماكليمور: "تعلمنا أن نكون متواطئين لحماية حياتنا المهنية وحماية مصالحنا، لكني لن أفعل ذلك بعد الآن، أنا لست خائفاً من قول الحقيقة".

من الولايات المتحدة أيضاً، كان هناك اسم شهير آخر مثل الممثلة سوزان ساراندون التي أوقفتها وكالة المواهب التابعة لها إثر كلمة ألقتها خلال إحدى المسيرات التضامنية مع فلسطين، لكن هذا لم يردعها؛ إذ استمرت في المشاركة بفعاليات الداعمة لقطاع غزة والشعب الفلسطيني هناك. وتأكيداً على موقفها، نشرت ساراندون على حسابها في منصة إكس: "ليس من الضروري أن تكون فلسطينياً حتى تهتم بما يحدث في غزة. أنا أقف مع فلسطين. لا أحد حر حتى يتحرر الجميع". كذلك نشرت ساراندون خريطة تبرز مساحة الأرض التي ابتلعتها حركة الاستيطان الصهيونية خلال الفترة ما بين 1918 و2021، وعرضتها بجوار خريطة أخرى للأراضي التي جرى انتزاعها من السكان الأصليين في الولايات المتحدة منذ عام 1429.

هذا الإلحاح في دعم الحق الفلسطيني أثار حفيظة اللوبي الصهيوني، ليتم رفع اسم الفنانة من وكالة المواهب التي تتعامل معها، وهو ما تكرر مع أسماء أخرى، مثل الممثلة المكسيكية ميلسيا باريرا.

مع ذلك، تكاد الحفلات التي تقام في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا من أجل غزة لا تنقطع. فخلال الشهر الحالي، أقامت فرقة Kneecap حفلاً في مدينة بلفاست الأيرلندية، نظمته حركة "فنانون أيرلنديون من أجل فلسطين". قدمت الفرقة الأيرلندية الأكثر دعماً للقضية الفلسطينية عدة حفلات لذات الغرض، منها حفلة في مدينة دبلن، لتخصص جميع عائداتها من أجل إغاثة غزة.

من جانبها، نحت المغنية الفلسطينية التشيلية، إليانا، منحى آخر دعماً لغزة، فألغت أولى جولاتها في كل من الولايات المتحدة وكندا، والتي كان من المفترض أن تقام خلال الشهر الماضي. مع ذلك، فقد رأت إليانا أنه من المناسب المشاركة في مهرجان الجونة الذي انطلق في 14 من الشهر الحالي، لتهدي أغنيتها بحفل الافتتاح "غصن الزيتون" إلى أهلها في فلسطين. الأغنية من نظم إليانا وأخويها عبير وفراس مرجيه، وقد أطلقتها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ومن المقرر أن تغنيها في جولتها القادمة في الولايات المتحدة التي تقررت إقامتها في 21 فبراير/ شباط المقبل.

استطاعت هذه النماذج الفنية وغيرها الثبات على موقفها الداعم لغزة، ليحرض هذا كثيرين على التصدي إلى إعلام موجه يتسلط عليه رأس المال اليهودي وعلى انتقاد سياسة شائهة تسوقها مصالح استعمارية، في تأكيد على معنى أن الفن، وإن كان قد تحرر من تبعيته للأخلاق، لكنه لم يتخل عن دوره في معالجة انحطاط أمسى سائداً.

المساهمون