فلسطين تحضر في افتتاح مهرجان الجونة السينمائي

15 ديسمبر 2023
الممثلة أميرة السيد في الجونة: "أوقفوا الإبادة الجماعية والاحتلال" (باتريك باز/ فرانس برس)
+ الخط -

سمتان إيجابيتان تميّزت بهما حفلة افتتاح الدورة الـ6 لـ"مهرجان الجونة السينمائي"، مساء 14 ديسمبر/ كانون الأول 2023: اختيار فيلمٍ قصير لعرضه في ختامها؛ وتقليل الكلام عن فلسطين، وهذا التقليل يبتعد عن كلّ خطابية مباشرة، فاللحظة قاسية، والحرب الإسرائيلية الجديدة على قطاع غزّة، أساساً، تزداد وحشية وعنفاً، ولا كلام يفيد، ولا خطاب يشفي.

ورغم أنّ الحفلة برمّتها عادية وتقليدية (ترحيبٌ وتكريمٌ، وتحديد لأبرز الأعمال السابقة على تنظيم هذه الدورة المؤجّلة مرّتين قبل انعقادها، وعرض مقتضب لأفلامها المشاركة في المسابقات الرسمية الـ3: الروائي الطويل والوثائقي الطويل والقصير، إلخ)، يتحوّل اختيار فيلم قصير، بعنوان "ستين جنيه" لعمرو سلامة، إلى حدثٍ يستحقّ تقديراً، فالأفلام المختارة لافتتاح دورات سنوية لمهرجانات سينمائية دولية، تُقام في مدن عربية، غير مُشَاهَدة غالباً، لاكتراثٍ أكبر بالحاصل بعد الكلام المرحِّب بالضيوف.

أمّا فلسطين، فتحضر في برنامج مستقلّ، بعنوان "نافذة على فلسطين" (بالتعاون مع مؤسّسة الفيلم الفلسطيني)، كمبادرة من إدارة مهرجان الجونة إزاء المعاناة التي يعيشها فلسطينيو قطاع غزّة وفلسطينياته تحديداً، من دون إسرافٍ في ببغائيّة نضال كلاميّ، بل باختيار كلمات قليلة وهادئة ومُعبِّرة، تعكس شيئاً من معنى تخصيص حيّز ثقافي ـ فني ببلدٍ مستمرّ في مواجهته اليومية احتلالاً، يصنع إبادة في حربٍ غير مسبوقة بوحشيّتها وعنفها وأذيّتها.

ففي كلمةٍ مختصرة، يُراد بها بدء حفلة الافتتاح، يرفض الممثل المصري محمود حميدة الطلب من الضيوف الوقوف دقيقة صمتٍ "حِداداً" على أرواح الشهداء الفلسطينيين، بحسب المكتوب في نصٍّ يُفترض به أنْ يقرأه. فالحِداد، بالنسبة إليه، يعني نسياناً، وهو غير قابلٍ بـ"أنْ ننسى"، بل يدعو إلى عدم النسيان.

ومديرة المهرجان ماريان خوري مكتفيةٌ بتقديم برنامج "نافذة على فلسطين"، بأفلامه المختلفة، وبعضها مُنتجٌ حديثاً، كـ"باي باي طبريا" للجزائرية الفرنسية لينا سويلم، و"الأستاذ" للفلسطينية البريطانية فرح النابلسي، إلى نسخة مُرمَّمة حديثاً (4K) من "باب الشمس" (2004)، للمصري يُسري نصر الله، بجزأيه "الرحيل" و"العودة".

سينما ودراما
التحديثات الحية

أما رئيس مجلس إدارة المهرجان سميح ساويرس، الـ"مُعجَب" بـ"قراره الجريء"، القاضي بتنظيم الدورة المؤجّلة هذه، بعد مشاهدته نتيجة عمل فريق المهرجان، المُثيرة فيه شعوراً بالسعادة، فيلفت الانتباه إلى أنّ "الأشقاء الفلسطينيين" شعبٌ يريد الحياة، ويصنع سينما، وهذا يعني أنّ هناك صوتاً آخر إلى جانب صُور القتل، وأنّ هذا "شعبٌ يستحق كلّ خير".

إلى هذا كلّه، هناك تكريم المخرج المصري الشاب مروان حامد، الممنوح "جائزة الإنجاز الإبداعي". الشريط المُقدَّم عنه يختصر أفلامه بمقتطفات منها، يغلب عليها "عمارة يعقوبيان" (2006)، المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه (2002) للروائي المصري علاء الأسواني؛ من دون تغييب أفلامٍ أخرى له، كـ"إبراهيم الأبيض" (2009) و"الفيل الأزرق" بجزأيه (2014، و2019) و"الأصليين" (2017)، وغيرها. ولأنّ الوقت غير مفتوح لكلامٍ كثير، يتحوّل التكريم إلى "تحية" موجّهة إلى والديّ مروان، السيناريست والمنتج وحيد حامد (1944 ـ 1021) والإعلامية زينب سويدان، وإلى عاملين وعاملات معه في اشتغالاته المختلفة، وبعضها تلفزيوني.

الختام معقودٌ على "ستين جنيه"، وضيوفٌ عديدون يُتابعون حكايته، التي تمزج الموسيقى والغناء (القصة مستوحاة من أغنية بالعنوان نفسه لزياد ظاظا، الذي يؤدّي دوراً أساسياً) بحبكة موغلة في تفكيك بيئة فقيرة، عبر أمّ وولديها (أحدهما مُعوَّق جسدياً)، تنكشف مآزقهم تدريجياً، في إضاءة معتمة، وخيالات أشبه بكوابيس، وأناس ينقضّون عليهم، رفقة الأغنية التي تعكس حالة قاسية في مواجهة عيش وعلاقات. "ستين جنيه" ثاني فيلم لسلامة يفتتح مهرجان الجونة، بعد اختيار روائيّه الطويل "الشيخ جاكسون" لافتتاح الدورة الأولى (22 ـ 29 سبتمبر/ أيلول 2017).

المساهمون