فكّ مفترس في "السين": تقنيات وخطابية وأداء مُبالغ فيه

14 يونيو 2024
"تحت السين": تقليد فرنسي لهوليوود بإتقانٍ مقبول (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- صناع السينما في فرنسا يسعون لإيجاد نظير للسينما الأمريكية المليئة بالتشويق والحركة، مواجهين تحديات الاختلافات الثقافية، لكن بعض الأعمال الفرنسية نجحت في هذا المجال، خاصة في مواضيع التجسس والأمن.
- فيلم "تحت السين" لكزافييه جون، المقرر عرضه على نتفليكس في 2024، يعد مثالًا على محاولات محاكاة السينما الأمريكية بقصة تجمع بين التشويق والرعب حول سمكة قرش تهدد الأولمبياد في باريس، متطرقًا لقضايا كالنفوذ السياسي والبيئة.
- الفيلم يعكس التحديات التي تواجه السينما الفرنسية في مزج الأسلوب السينمائي الفرنسي مع الطابع الأمريكي، مثيرًا تساؤلات حول قدرتها على المجاراة وإمكانية حمله رسالة أخلاقية - ثقافية، خاصة حول القضايا البيئية.

 

مراراً، يجهد سينمائيون فرنسيون في إيجاد معادل محلي لسينما أميركية، ترتكز على مفردات التشويق والحركة والتجسّس والأمن، تحديداً. تقاليد هوليوود غير متلائمة والثقافة السينمائية الفرنسية، رغم نجاحات تُذكَر في صُنع أفلام تشويق وحركة أحياناً، وللتجسّس والأمن حيّزٌ، يتّخذ من الشاشة الصغيرة أيضاً وسيلة اشتغال.

مسألةٌ كهذه محتاجة إلى قراءة أوسع وأعمق، وإلى تحليل غير مكتفٍ بعموميات. "تحت السين" (2024، نتفليكس)، للفرنسي كزافييه جون، دليلٌ على هذا: اختيار موضوع راسخ في ذاكرة جماعية، والبناء عليه لصُنع فيلمٍ يتماهى بأفلام الموضوع هذا: "الفكّ المفترس" (سمك القرش)، ينتقل من محيطات أميركية إلى نهرٍ فرنسي، مع التزامٍ شبه صارم بمتطلّبات أساسية يصعب (أيكون الأمر مستحيلاً؟) التغاضي عنها، أو عدم تلبيتها كلّها. التشويق ركنٌ ـ نواة، كالفكّ المفترس ـ سمكة القرش، وجوانب عدّة تكون امتداداً للنواة: نفوذ سياسي (مصالح سياسية ـ انتخابية)؛ حاجة سياحية؛ إيحاء بنقدٍ يتناول أحوال عامة، والفيلم الفرنسيّ معنيٌّ ببيئة وطبيعة وتحوّلاتهما؛ عملٌ فردي (وإنْ يُغلَّف بفعلٍ جماعي، مُخفّف عدده) يواجه آلة سياسة وأمن وسياحة، والأخيرة مرتبطة بأعمال وأموال ومصالح يُراد لها تحقيق رغباتها، وإنْ بغلبة الناس التوّاقين إلى سياحةٍ ومتعة وراحة.

مع كزافيه جون، هناك ألعاب رياضية مندرجة في "أولمبياد" دولي، و"أولمبياد باريس" سيُقام أساساً بين 26 يوليو/تموز و11 أغسطس/آب 2024. في "تحت السين"، هناك سباق في رياضة Triathlon (نظام رياضي مؤلّف من ثلاثة أنواع متتالية: السباحة وركوب الدرّاجات الهوائية والركض)، في النهر الباريسي المشهور. لكنّ اكتشاف سمكة قرش تتجوّل فيه يبدِّل كلّ شيءٍ تقريباً، باستثناء إصرار سياسي، موزّع على منافع سياحية وانتخابية ومالية وإعلامية ـ دعائية، يؤدّي إلى كمٍّ هائل من الخراب والموت. أما البداية، فمنبثقةٌ من بحث فريق علمي ـ تقني عن سمكة قرشٍ، في بقعة غارقة في تلوّثٍ لا مثيل له، وسبّاحو الفريق يُقتلون بهجومٍ مباغت لسمكة كهذه في قعر محيطٍ. هذا كافٍ لإصابة صوفيا أسالاس (بيرينس بيجو) بقهر وألمٍ وانكفاء (أحدّ السبّاحين العلماء متزوّج إياها).

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

التشويق والحركة معطوفان على نوعٍ من رعب، تتميّز به أفلام هذه الفئة السينمائية. وحدها سمكة القرش، بفكّها المفترس، تُثير رعباً، إنْ تُصوَّر بلقطات مقرّبة وكبيرة، في عمق المياه، أو عند خروجها منه عالياً، والتصوير متناسبٌ وتضخيم الحجم، لمزيدٍ من إثارة وتشويق ورعب وهلع. أحياناً، يُشكِّل اختفاؤها في عتمة البحار رعباً، تُضاعفه موسيقى مناسبة لحالةٍ كهذه. لكنّ الرعب غير فاعل، فاعتياد الفئة السينمائية تلك كفيلٌ بتخفيف حدّة الهلع، خاصة أنّ "تحت السين" مليء بما يُتيح إطلاق توقّعات جمّة في المقبل من أحداثٍ ولقطات أخرى. "الفك المفترس (Jaws)"، الذي يُخرجه الأميركي ستيفن سبيلبيرغ عام 1975، يبقى الأهمّ والأجمل والأفضل سينمائياً وجمالياً ودرامياً. كأنّه تأسيسٌ لتلك الفئة، فغالبية اللاحق عليه أقلّ أهمية، وإنْ تلتزم نتاجات لاحقةٌ عليه قواعد الفئة ومتطلّباتها.

تقنياً، يُنفَّذ "تحت السين" بإتقان، تشوبه أخطاء قليلة، كأنْ تنكشف أعمال الكمبيوتر والمؤثّرات البصرية من دون إخفاء بصماتها. أمّا التمثيل، فعاديّ، وأحياناً يُصبح مبالغاً به، خاصة في لحظات السخرية من سياسيين وأعوانهم، والسخرية كاريكاتورية بمعناها المسطّح لا المُضحك. وأيضاً في ذاك الخطاب البيئي، إذْ تتفوّق لِيا لِفيان (الناشطة ميكا) على المبالغة برمّتها، في أكثر من لقطة، خاصة في خطاب التوعية الموجَّه إلى العالم، والمكتوب بلغة جافة وغير مؤثّرة ومفتعلة ومُضجرة.

اختيار انقلابات العالم، خاصة البيئية، مُبرّر في أفلامٍ، يُظنّ لوهلةٍ أنّ لصانعيها موقفاً أخلاقياً ـ ثقافياً إزاء أهوال الناتج منها. هذا طبيعي ومألوف. السينما قولٌ أيضاً، لكنْ يُفترض به أنْ يكون سينمائياً لا خطابياً فقط. مشاهدة "تحت السين" تُثير تساؤلاً: أصحيح أنّ لكزافيه جون موقفاً أخلاقياً ـ ثقافياً؛ أمْ أنّ فيلمه هذا محاولة إثباتٍ لـ"براعةٍ" فرنسية في اشتغال نوع ـ فئة أميركية، وإنْ بالاستعانة بمفرداتها وأدواتها، أو ببعض تلك المفردات والأدوات على الأقلّ؟

المساهمون