فريدا الفريدة

05 ديسمبر 2022
دييغو ريفيرا وفريدا كاهلو (Getty)
+ الخط -

استطاع المعرض الافتراضي "فريدا كاهلو- سيرة غامرة " المقام في بيت بن جلمود، أحد متاحف مشيرب القديمة في الدوحة، أن ينقلنا بأمانة إلى المناخات الحيوية والمثيرة والمأساوية والقلقة والأليمة، من حياة الفنانة التشكيلة المكسيكية فريدا كاهلو (1907-1954).

شاهدنا صوراً فوتوغرافية من مراحل مختلفة من حياة الفنانة مع موجز تاريخي لتلك الفترات وأهم الأحداث في حياتها وتكوينها، وتلا ذلك عرض فيديو ثلاثي الأبعاد، ثلاثين دقيقة، لحياة ورسومات كاهلو، في حين تبدأ تجربة الواقع الافتراضي، ومدتها نحو 7 دقائق، باستكشاف منزلها المعروف بالبيت الأزرق والحيوانات المختلفة فيه من قرود وكلاب وببغاوات وغزلان ونسور، وكلها من خلال التحليق على سريرها الذي نقلته إلى معرضها الأخير في مكسيكو عام 1953 كي تستقبل زوار معرضها، وصولاً إلى الغوص في تفاصيل أعمالها وألوانها البرّاقة الجذابة رغم تركزها حول الألم والمرض، ولا يفوت العرض مشاهد من حياة المكسيك وثقافتها الكلاسيكية، ولا سيما ذلك المتعلق بالحداد والموت وأرواح الأجداد.

رسمت كاهلو في لوحاتها الألم "وكيف تكون وحيداً عند الألم"، الذي عانته منذ طفولتها حين أصيبت بشلل بسيط، ولاحقاً في شبابها، حين تعرّضت لحادث سير مريع ترك بصمته على حياتها ورسوماتها وصولاً إلى بتر ساقها بعد إيقافها والتحقيق معها عند اغتيال ليون تروتسكي عام 1940. كما جسّدت لوحاتها يأسها المرير من إجهاضها وعدم قدرتها على الحمل، وأيضاً خيانات زوجها المتكررة رسام الجداريات المشهور دييغوا ريفييرا (1886-1957)، ومنها خيانته لها مع شقيقتها الصغرى.

الطريف في علاقتها مع الحركة السريالية أنها أنكرت أنها سريالية، نافيةً أنها ترسم أحلامها مؤكدة "أرسم الواقع فقط"

سكن الزعيم الشيوعي تروتسكي بعد انتقاله إلى منفاه في المكسيك، في منزل عائلة كاهلو، وارتبط معها بعلاقة عاطفية وجنسية، وقد أثر كثيراً في نظرتها للفن والعالم، وتُمكن قراءة الكثير عن حياته في المكسيك وتأسيسه الأممية الرابعة، ولا سيما في الجزء الثالث من كتاب إسحق دويتشر "النبي المنبوذ". وأيضاً هناك الكثير من الأفلام الروائية والوثائقية عنه، ولعل آخرها ثماني حلقات على "نتفليكس" من إنتاج التلفزيون الروسي.

أصابت كاهلو شهرة واسعة في حياتها، إذ عرضت لوحاتها في باريس عام 1939، وذلك بدعم ورعاية من أحد مؤسسي الحركة السريالية أندريه برتيون الذي ارتبطت بعلاقة جنسية معه واختلفت لاحقاً معه، واشتركت في المعرض السريالي الذي أقيم في المكسيك إلى جانب سلفادور دالي وغيره، ووصف بيكاسو لوحاتها بأنه لا أحد يمكن له "رسم وجوه بهذه القوة كما تفعل". 

الطريف في علاقتها مع الحركة السريالية أنها أنكرت أنها سريالية، نافيةً أنها ترسم أحلامها ومؤكدة "أرسم الواقع فقط"، رغم أن لوحاتها فيها الكثير الكثير من غرائبية وعجائبية الفن السريالي، وربما يكون ذلك بسبب تبنيها الأيديولوجية الشيوعية حيث صرّحت أنها ثورية، "أما السريالية فلا علاقة لي بها".

عبّرت حياة الفنانة وزوجها دييغو ريفيرا "السمين" وأعمالهما الفنية عن النقاش السياسي والفني الدائر آنذاك في العالم بين أنصار الواقعية الاشتراكية والمذاهب الفنية الأخرى، كما عبّرت عن انقسام أنصار الواقعية الاشتراكية بين أنصار ستالين وتروتسكي، وعكست الجدال والتباين والخلاف حول الموقف من الجنس والمثلية الجنسية والدين والعائلة والزواج.

ورغم اعتناق الزوجين الشيوعية، إلّا أنهما عرفا المجد في الولايات المتحدة، حيث أقام الزوج معرضاً في متحف الفن الحديث، وباعت هي أولى لوحاتها هناك، ولكنهما غادرا أميركا بعد رفض ريفييرا إزالة رسم للينين وتروتسكي من جدارية كان يرسمها لمصلحة عائلة فورد الثرية، وجسدت فريدا هذه الفترة بلوحة مستشفى فورد.

اقتنت فرنسا لوحتها "الإطار"، التي تعرض الآن في اللوفر، إلا أن شهرتها تضاعفت بعد وفاتها، فحُوّل منزلها الأزرق متحفاً ونشرت يومياتها ورسائلها وخلدها الفيلم السينمائي "فريدا" للمخرجة جوليا تيمور، إنتاج 2002، حيث جسدت شخصيتها الممثلة سلمى حايك، واستحقت بذلك نيل أوسكار أفضل ممثلة.

ولا يمكن أن ينسى مشاهد الفيلم أول مشهد فيه، حيث تطلب فيه فريدا أن تنقل مع سريرها إلى معرضها صارخة: "هذه الجثة ما زالت تتنفس".

المساهمون