فرحةُ سينمائيٍّ مهمّة لكنّ مُنجَزه أهمّ

19 ابريل 2024
مُشاهدة "إلى أرضٍ مجهولة" لمهدي فليفل (مات كارّ/Getty) أهمّ من "كانّ"
+ الخط -
اظهر الملخص
- اختيار فيلم عربي في مهرجان دولي يُعد إنجازاً يُسلط الضوء على الأفلام العربية ويُتيح لها الوصول إلى جمهور عالمي، مما يُعزز مسيرة صناع الفيلم رغم التحديات مثل الرقابة.
- يُعتبر الاختيار في مهرجان دولي تعويضاً معنوياً للمخرجين عن الجهد والتوتر الذي يرافق عملية صناعة الفيلم، مما يُشجعهم على مواصلة مسيرتهم الفنية.
- الجدل حول معايير اختيار المهرجانات الدولية وتأثيرها على السينما العربية يُثير تساؤلات حول التأثير الثقافي والفني، لكن القيمة الحقيقية للعمل السينمائي تكمن في جودته الإبداعية.

 

اختيار فيلمٍ لمخرج أو مخرجة، أو لعامل وعاملة في صناعة الفن السابع العربي، في مهرجان سينمائي، يعني أنّ بداية مشوار، جماهيري ونقدي، منطلقةٌ عبر منبر، يكون فئة أولى أحياناً. هذا يدعو إلى فرح، فالمهرجانات الدولية، إنْ تكن أولى أو غير أولى، ممرّ إلى مشاهدين ومشاهدات أجانب، ربما يكون عددهم أكبر من ذاك الذي تشهده صالات عربية، إنْ يُسمَح لهذا الفيلم أو ذاك بعرضٍ تجاري في بلد المنشأ، أو في الامتداد الجغرافي العربي لبلد المنشأ.

هذا عاديّ. انجذاب عربٍ إلى مهرجانات دولية، من دون اهتمامٍ بمهرجان عربي (رغم رومانسية خطاب وطني قومي لمخرجين ومخرجات عن أهمية عرض فيلم لهم ولهنّ في مهرجان عربي أو محلي)، أو بعرضٍ تجاري عربي (لهذا أسباب: رقابة وخطوط حمراء ومنع وتخوين، إلخ.)، عاديّ. فالجُهد المبذول في إنجاز فيلمٍ يُعوَّض عنه، ولو قليلاً، في اختياره لهذا المهرجان أو ذاك.

من يمضي وقتاً لإنجاز فيلم، بكلّ ما يتطلّبه الإنجاز من إرهاق وتوتّر، يبدآن في اللحظة الأولى للتفكير والكتابة، ثم في التفتيش عن إنتاج أو منحة أو دعم مالي، وربما لا ينتهيان مع رحلة المهرجانات، السابقة لأي عرضٍ تجاري في بلد المنشأ، وهذا يُزيد من الإرهاق والتوتّر، إنْ يُصرّ المخرج والمخرجة على عرضٍ تجاري في بلده؛ من يمضي هذا الوقت كلّه، ويعاني هذين الإرهاق والتوتّر، يجد عزاءً وراحةً في اختيار مهرجان دولي (أول وثانٍ وثالث، إلخ.) لمُنجَزِه، فيُصبح اللاحق أخفّ إرهاقاً وتوتّراً.

لكنْ، ما الداعي إلى تهليل احتفالي عربي، في فيسبوك تحديداً، وربما في غيره من وسائل تواصل اجتماعي، باختياراتٍ كهذه؟ أيكون الاختيار بالنسبة إلى هؤلاء نصراً عظيماً، يُفرح بغلبةٍ غير حاصلة في يوميات بؤس وقهر وألمٍ وانكسار؟ ماذا يفعل المهلّلون بعد العرض الأول في مهرجان، وبعد المُشاهدة، إنْ يُشاهِد أحدهم/إحداهنّ فيلماً يُهلّلون له بعد اختياره؟ إنْ يُعجبهم الفيلم أمْ لا، فهم مختفون في المشهد الافتراضي (أو ربما يشتمون ويهاجمون إنْ تُشَنّ حملة ضده قبل مشاهدته)، تاركين بقايا تهليل يعكس سذاجةً في التعاطي مع السينما العربية، وعجزاً عن فهم آليات الاختيار، فالمهرجانات الدولية، وإنْ تُصنَّف فئة أولى، تطرح تساؤلات عن تلك الآليات، في اختيار أفلامٍ وأعضاء لجان تحكيم أيضاً.

آخر مهزلة تتمثّل باختيار الأميركية غريتا غرويغ، مخرجة "باربي" (2023)، رئيسةً للجنة تحكيم المسابقة الرسمية للدورة الـ77 (14 ـ 25 مايو/أيار 2024) لمهرجان "كانّ" السينمائي: أيكون الاختيار نتيجةَ جماهيرية الفيلم (مليار و445 مليوناً و638 ألفاً و421 دولاراً أميركياً إيرادات دولية)، أم مزيداً من انبطاحٍ أمام هوليوود، بجانبها الاستهلاكي البحت؟ أين "الاستثناء الفرنسي" إزاء اختيار كهذا؟ انفتاح "كانّ" على السينما الأميركية قديمٌ، وتحويل المهرجان الأول إلى منصةٍ لإطلاق أفلام أميركية تجارية ـ استهلاكية غير جديد. لكنْ، أي فائدة يحصل عليها المهرجان من هذين الانفتاح والتحويل؟ أي مصداقية ستحضر في اجتماعات لجنة تحكيم تترأسها غرويغ، غير المعروف عن نتاجاتها، إخراجاً وتمثيلاً، براعة أو تجديداً أو حِرفية خارجة عن العادي؟

مُجدّداً: المهرجانات المُصنّفة فئة أولى (وغيرها، وإنْ بتفاوت بينها كلّها) تحتاج إلى تأهيل جذري. وأيضاً: لا أهمية ثقافية وفنية لأي مهرجان ولأي جائزة، لأنّ المنجز السينمائي، إنْ يمتلك شرطه الإبداعي، سيبقى أهمّ من أهمّ مهرجان وجائزة. لذا، لن يكون هناك أي مغزى من تهليل عربي ساذج باختيار أفلامٍ عربية في مهرجانات دولية. فالأهم والأجمل والأكثر فائدة كامنةٌ كلّها في مشاهدة المُنجَز، ومناقشته.

المساهمون