فؤاد حميرة يرحل مسلوبَ القلم والبلاد... "الموت حلو يا ولاد"

14 يونيو 2024
قدّم الراحل عدّة أدوار ممثلاً على الشاشة إضافة إلى كتابة السيناريو (فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فؤاد حميرة، الكاتب السوري، خلق إرثًا دراميًا يركز على قضايا اجتماعية ومعاناة النساء، مثل "رجال تحت الطربوش"، و"ممرات ضيقة"، و"شتاء ساخن"، مقدمًا نقدًا للمجتمع والسلطة.
- امتد إبداعه ليشمل البيئة الشامية في "الحصرم الشامي"، معتمدًا على الوثائق التاريخية لتقديم صورة واقعية لدمشق، وأظهر موهبته في التمثيل بأعمال مثل "غزلان في غابة الذئاب".
- واجه تحديات بعد موقفه من الثورة السورية، مما أدى إلى هجرته ووفاته في ظروف صعبة، لكن أعماله ظلت شاهدة على إرثه الثقافي والفني، محققةً انتشارًا وتأثيرًا عالميًا.

يطالع الجمهور فجأة عملاً درامياً اجتماعياً اسمه "رجال تحت الطربوش" من إخراج شيخ الكار الراحل هشام شربتجي، يتساءل الناس من صانع هذه الحكاية الممتعة التي انتصرت للنساء؟ تجيب شارة العمل بعبارة "تأليف فؤاد حميرة". من هُنا بدأت قصة كاتب صنعَ في كل عمل قدمَه علامة فارقة لا يمكن أن تمر مرور الكرام، قبل أن يرحل عن عالمنا وهو سليب القلم والبلاد.

قدّم حميرة أعمالاً سورية اجتماعية نالت صدىً واسعاً وحققت انتشاراً كبيراً، وكانت بغالبها تحمل في رسائلها هموم المرأة ومشكلاتها التي عالجها بأعماله وشَرّحَها بتحيز تامّ إلى العنصر الأنثوي. كان مسلسل "رجال تحت الطربوش" الذي بدأ به مسيرته الدرامية، عملاً يتحدث عن معاناة ثلاث نساء من سطوة الذكور أزواجهن، وخيانتهن لهن. يتعاطف الجمهور مع شخصيات العمل الذي يوجه الأنظار إلى تعنيف المرأة ودور القانون في عدم إنصافها.

بعد سنوات قدّم حميرة مسلسل "ممرات" ضيقة الذي جال من خلاله في سجن النساء. صوّر المسلسل في سجن النساء في ريف دمشق، ومن خلال تتبّع مجموعة سجينات وضّح هذا المسلسل ما يجري خلف القضبان، وكيف أن الظلم والضغط الاجتماعي والذكوري كانا السبب في وصول معظمهن إلى الزنزانة.

لاحقاً، اكتملت الحكاية النسائية من خلال مسلسل "شتاء ساخن" آخر أعمال الكاتب التي عرضت على التلفزيون، وتتطرق فيه إلى قضايا متعددة، كان للنساء دور أساسي فيها.

حكايا الظلم والفساد

سجل الكاتب الراحل في أرشيفه مسلسلاً متميزاً تناول حكايا مليئة بالسواد عن ظلم أزلام الدولة وأتباعهم، وذلك في "غزلان في غابة الذئاب" الذي أخرجته رشا شربتجي. من خلال شخصية سامر ابن المسؤول صوّر فؤاد حميرة كمية "التشبيح" وكيفيته التي يقوم بها هؤلاء الناس تجاه الفقراء والمهمشين، بدعم من السلطة.

كذلك، صوّر الكاتب الفساد من زوايا أخرى في "ممرات ضيقة" وكذلك "شتاء ساخن"، واستطاع تشريح الفساد المستشري في الحكومة الظالمة، وأيضاً في المجتمع من رشاوى وقتل وخروج على القانون وغيره. لتكون أعماله اقتحامية جنونية جريئة لا تشبه غيرها من الأعمال المطروحة، مؤسّساً لمدرسة خاصة يحاول الكثيرون اتباعها اليوم.

سينما ودراما
التحديثات الحية

البيئة الشامية الموثّقة

قدم الكاتب الراحل مسلسل بيئة شامية مكوناً من ثلاثة أجزاء، وهو "الحصرم الشامي"، اجتمع فيه نخبة من نجوم سورية. لم يعتمد فيه حميرة على جرن الكبة والعقيد والزعيم، بل تحدث عن واقع دمشق بمآسيها وعثرات أهلها وأخطائهم وعنصريتهم وطائفيتهم، مستنداً إلى كتاب حوادث دمشق اليومية لأحمد البديري الحلاق.

دار "الحصرم الشامي" للمخرج سيف الدين السبيعي حول صراعات أغوات الشام في ما بينهم، والتي كانت تخلف مئات القتلى والجرحى، إضافةً إلى الجور والظلم وغلاء الأسعار. لم يصوّر فؤاد حميرة جمال الشام الذي تصوّره أعمال البيئة الشامية الحالية، بل سمح للمشاهد بأن يرى الصورة الحقيقية لتلك الفترة، بما فيها حوادث الاغتصاب التي قد ينجم عنها لقطاء، يربون ضمن العائلة لإخفاء الفضيحة.

لم يتغنَّ حميرة بمدينة دمشق، بل قدمها مكاناً مليئاً بالدم والنار وانعدام التسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين واليهود، فكانت الشام مختلفة عن تلك التي اعتدناها، بمنظور مختلف مستقاة من كتب تاريخية أهملها الجميع إلا الكاتب. مع ذلك أدى احتكار بثّ العمل من شبكة أوربت إلى عدم انتشاره، ولم يصل إلى الجمهور حتى اليوم.

فؤاد حميرة بين الصحافة والتمثيل

قبل دخوله عالم الكتابة الدرامية عمل فؤاد حميرة صحافياً، ترأس إدارة جريدة الدستور لمدة عشر سنوات. أما بداياته في مجال الدراما فكانت من خلال مسرح الشبيبة، ثم المسرح الجامعي ومسرح العمال. لاحقاً وصل إلى عالم الكتابة الدرامية من خلال الفنان سليم صبري الذي ساعده في دخول المجال.

لاحقاً، شارك حميرة بصفته ممثلاً في عددٍ من الأعمال التي كتبها، وكان ظهوره الأول بشخصية أبو زيدان في مسلسل "غزلان في غابة الذئاب"، وهو حارس في مصح عقلي يرتكب جريمة اغتصاب. لعب الراحل دوره بإتقان وتميُّز، فعادت المخرجة رشا شربتجي لتطلبه ممثلاً في مسلسل "يوم ممطر آخر" للكاتبة يم مشهدي، حيث أدى دوراً صغيراً بنجاح.

أما دور البطولة الذي لعبه فكان في الجزأين الثاني والثالث من مسلسل "الحصرم الشامي"، عبر شخصية كِلّة، الوصولي الذي يتسلق على تعب غيره ويحاول كسب المال بطرق مختلفة غير مشروعة، وهو الدور الأكبر الذي أداه الراحل في مسيرته.

الإقصاء من سورية

مع بداية الثورة السورية ناصرَ الكاتب فؤاد حميرة الشعب السوري ووجّه قلمه وصوته ضد النظام السوري والقمع الأمني. غادر البلاد مع بداية توسع الحرب، واستقر في مصر وتنقل بين تركيا والأردن. عاش الراحل في كل تلك الفترة وحيداً، همّشه المقربون والأصدقاء وحتى شركات الإنتاج، وتوقفت شركات الإنتاج عن شراء نصوصه.

لاحقاً، في العام 2020، تم اقتراح اسمه لكتابة الجزء الثالث من مسلسل "الهيبة" من إنتاج شركة الصباح. بالفعل، أنجز فؤاد حميرة سيناريو مميزاً ينتهي بموت شخصية جبل شيخ الجبل. رفضت شركة الإنتاج والممثل تيم حسن هذا المقترح، وكانت النتيجة تنحية حميرة عن كتابة النص، وتكليفه بالإشراف عليه فقط، بعد أن رفض هو الآخر تغيير قصته.

نجوم وفن
التحديثات الحية

وفي عام 2022 أكد حميرة سرقة نص مسلسله "حياة مالحة" وتقديمه باسم "كسر عضم" خلال شهر رمضان، للكاتب علي معين صالح والمخرجة رشا شربتجي. ادعى الكاتب آنذاك أن نص العمل كان بعهدة شربتجي قبل عام 2011، متهماً المخرج وشركة كلاكيت للإنتاج بسرقة فكرته وتقديمها باسم جديد.

أحدث الموضوع بلبلة واسعة في الإعلام لم يستفد منها حميرة سوى في تصدر اسمه لقوائم الترند، وانتهت الحكاية بإغلاق ملف القضية من دون اللجوء إلى المحاكم. حقّق "كسر عضم" شعبية واسعة، من دون معرفة من يقف وراء نجاحه أو صاحب فكرته في الحقيقة.

وفاته

قبل ست ساعات من وفاته كتب الراحل فؤاد حميرة عبر صفحته على "فيسبوك": "الموت حلو يا ولاد" لتكون كلمته الأخيرة راسماً بيده سيناريو النهاية. قد يضفي ذلك بعض الشك على طبيعة رحيله، ولا سيما مع وضعه النفسي المزري وبقائه وحيداً يصارع المرض أغلب الوقت.

وعلى الرغم من وفاته، إلا أنّ اسم فؤاد حميرة باقٍ من خلال أعماله التلفزيونية رغم قلتها، فهو صنع مجداً في كل مسلسل تحدث فيه عن الواقع السوري والنساء والفساد والتهميش.

المساهمون