غزل شباك الصيد: حكاية العم جمعة وبحر الإسكندرية

29 أكتوبر 2024
عم جمعة الذي يمتهن صناعة شباك الصيد يدوياً في الإسكندرية (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عم جمعة، الرجل الستيني، يمارس حرفة صناعة شباك الصيد يدوياً في الإسكندرية، مستخدماً أدوات تقليدية، وتعتبر هذه الحرفة مصدر رزق أساسي له ولأسرته رغم التحديات الاقتصادية.
- يواجه عم جمعة تحديات مثل عدم الاستقرار المالي وظهور المصانع الحديثة، مما يهدد بانقراض الحرفة التقليدية، لكنه يظل متمسكاً بها كجزء من التراث الثقافي.
- الطلب على إصلاح الشباك يزداد صيفاً ويقل شتاءً، ويدعو عم جمعة للحفاظ على هذه المهنة التقليدية في مواجهة التكنولوجيا الحديثة.

بينما يتسلّل أول شعاع للشمس إلى رمال شواطئ الإسكندرية شمالي مصر، في الدقائق الأولى بعد أذان الفجر من كل يوم، يصل الرجل الستيني، عم جمعة، الذي يمتهن صناعة شباك الصيد يدوياً، إلى رصيف الكورنيش في وسط المدينة الساحلية، حاملاً أدواته القديمة ليبدأ يوماً جديداً من العمل الشاق في صنعته التي ورثها عن أجداده، وتمثّل مصدر رزق أسرته.

وصناعة شباك الصيد يدوياً من الحرف المتوارثة في المدن الساحلية بمصر، وتعتمد هذه المهنة على المهارة والصبر. وبالرغم من التحديات التي يواجهها العم جمعة، إلا أنه وغيره من الصيادين مستمرّون في مهنة غزل وحياكة شباك الصيد التي ورثوها عن الآباء والأجداد منذ صغرهم. يقول جمعة غانم لـ"العربي الجديد": "لا بد من الوصول مبكراً إلى حياكة وتصليح الشباك التي يحتاجها الصيادون في أعمالهم، واعتادوا منذ سنوات على وجودي في ذات المكان على شاطئ الميناء الشرقي في منطقة الجمرك قبل رحلات الصيد وبعد عودتهم منها".

يضيف: "أمارس مهنتي على الشاطئ في ذات المكان، فأصنع شباكاً جديدة، وأعرضها للبيع على الصيادين، كما أُصلح شباكهم القديمة المهترئة بفعل الزمن والمياه المالحة وشدة الأمواج". ويشير عم جمعة إلى أن مهنة غزل شباك الصيد تعتمد على المهارات الحركية اليدوية الدقيقة للصياد أو الحرفي، ومعرفته بالخيوط والأدوات، ليكون عملاً إبداعياً في تصميم الشباك. ورغم أنه عمل شاق، لكنه ممتع للغاية، يتطلب الصبر والدقة والاهتمام بالتفاصيل". يستطرد الرجل الستيني: "يستخدم عامل غزل الشباك مجموعة متنوعة من الأدوات، ومنها إبر الحياكة وبكرات الخيط والسكاكين والمقصات والميزان وشريط القياس والمغزل والشوكة لغزل الخيوط وصنع الشباك التي تستخدم في صيد الأسماك".

وتحدّث عن أنواع شباك الغزل قائلاً: "تعتمد الشباك على الوظيفة ونوع الأسماك التي تُصطاد، وذلك حسب مواصفات الهيئة العامة للثروة السمكية التي تشترط مقاسات محددة ومتساوية لفتحات الشباك لمنع صيد الأسماك الصغيرة". كما تحدّث عن لجوء الصيادين إلى إصلاح التالف من شباك الصيد يدوياً بدلاً من شراء جديدة نظراً إلى ارتفاع الأسعار، ولأن أي ثقب بها كفيل بخسارة رزق البحر. يضيف: "حجم الشبكة يكون حسب الطلب، ولكن الحجم المعتاد لها يكون طوله 45 متراً وبعرض متر واحد وتسمى فرقة، ويتراوح سعرها بين ألفين و4 آلاف جنيه (بين 41 و82.5 دولاراً) على حسب نوع الغزل المستخدم، وتحتاج إلى أربعة أيام من العمل".

من ازدهار غزل شباك الصيد إلى تراجعه

يزداد الطلب على إصلاح الشباك خلال الصيف في كل عام، لاستقرار الطقس وإقبال الهواة من أبناء الإسكندرية وزوارها على ممارسة الصيد، بينما في فصل الشتاء تقل حركة الصيد بسبب النوات الشتوية، خاصة مع تطوير بعض الأنواع من الشباك التي تتناسب مع إمكانات الهواة، ولا تستلزم وجود صياد مُدرب ومحترف.

وعن تاريخ المهنة يؤكد العم جمعة أنه منذ عشرات السنوات كان غُزّال شباك الصيد يمارسون أعمالهم في مجموعة متنوعة من البيئات، سواء في الورش الصغيرة التي كانت تملأ منطقة الأنفوشي، أو فوق أسطح بيوتهم، أو في الهواء الطلق كما يفعل حالياً، مشيراً إلى أنه منذ زمن بعيد كان غُزّال الشباك يجدون فرصاً للسفر والعمل في دول أوروبا، خاصة اليونان وتركيا وإيطاليا. يتابع: "كما كان الأجانب من تلك البلدان يأتون إلى الإسكندرية للاتفاق على شراء كميات من الشباك، وذلك بسبب السمعة الطيبة التي كان يمتاز بها الصانع المصري وقتها".

ويقول إن مهنته أوشكت على الانقراض على أيدي أصحاب المصانع الحديثة التي تنتج الشباك باستخدام الآلات والماكينات، ما أدّى إلى القضاء على أرزاق المئات ممن عاشوا على الغزل اليدوي للشباك، بينما يظل عدد قليل من القابضين على الجمر يصرّون على مواصلة التحدي بالعمل اليومي الشاق في أي ظروف.

وبالإضافة إلى كونه عملاً شاقاً، يقول العم جمعة إنه واجه في مهنته صعوبات كثيرة، ومنها أن العمل غير منتظم وغير مستقر، ما يجعل الدخل متقطعاً، ويؤثر في مصروفات البيت والأسرة، إضافةً إلى عدم توفيره معاشاً لكبار السن، واضطرار العامل في المهنة إلى مزاولتها حتى آخر يوم في عمره، حتى يتمكن من تحقيق الدخل، حتى وإن كان طريح فراش المرض. وطالب عم جمعة الجهات الحكومية بالحفاظ على ما تبقى من مهنة غزل الشباك، باعتبارها مهنة قديمة وضرورية، وتكافح الانقراض الذي يفرضه عليها التطور التكنولوجي، إذ إنها شكّلت على مدار قرون مضت جزءاً أصيلاً من التراث الثقافي لدول حوض البحر المتوسط.

المساهمون