وجدت منصات التواصل الاجتماعي نفسها، مجدداً، متورطة في العدوان الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. وبينما يواصل الاحتلال قصفه العنيف على الأحياء السكنية واتباعه سياسة التهجير والأرض المحروقة، وترد المقاومة الفلسطينية عبر استهدافها الأراضي المحتلة، تنهمك الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي في تعديل إجراءاتها إكراماً لإسرائيل في المقام الأول، إن عبر محاربة المحتوى الفلسطيني بالحذف وتعليق الحسابات، أو عبر غضّ النظر عن سيل الأخبار الزائفة.
وفي إطار الجهود التي أعقبت بدء عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة، أعلنت شركة ميتا، المالكة لـ"فيسبوك" و"إنستغرام"، أمس الجمعة، أنها أسست "مركزاً للعمليات الخاصة بسرعة يضم خبراء، بينهم متحدثون باللغتين العبرية والعربية بطلاقة"، وأنها أزالت مئات الآلاف من الرسائل.
وأفادت الشركة الأميركية العملاقة بأنها تتوسع مؤقتاً في سياساتها الخاصة بالعنف والتحريض، وبأنها تحذف المحتوى الذي "يحدد هوية الرهائن عند علمها به"، وأكدت أنها تعطي الأولوية حالياً "لتقارير البث المباشر المتعلقة بالأزمة بين إسرائيل وحماس".
وخلال الأيام الثلاثة التي أعقبت بدء عملية طوفان الأقصى السبت، أعلنت "ميتا" أنّها حذفت أو غطت برسائل تحذيرية نحو 795 ألف رسالة باللغتين العربية والعبرية. ويمثّل عدد الرسائل اليومية باللغة العربية أو العبرية التي يُشرَف عليها سبعة أضعاف الحجم الذي كان يُنشر خلال الشهرين السابقين.
وكان الاتحاد الأوروبي قد حذّر الرئيس التنفيذي لـ"ميتا" مارك زوكربيرغ من انتشار "معلومات مضللة" على منصتي "فيسبوك" و"إنستغرام". ومنح الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، الشركة 24 ساعة للرد والامتثال للقانون الأوروبي.
وكان متحدث باسم "ميتا" قد قال لـ"بي بي سي"، الخميس: "بعد الهجمات الإرهابية التي شنتها حركة حماس على إسرائيل، السبت، أنشأنا بسرعة مركز عمليات خاصة يضم خبراء، بينهم متحدثون بالعبرية والعربية بطلاقة، لمراقبة هذا الوضع سريع التطور والاستجابة له من كثب". وأضاف: "تعمل فرقنا على مدار الساعة للحفاظ على منصاتنا آمنة، واتخاذ إجراءات بشأن المحتوى الذي ينتهك سياساتنا أو القانون المحلي، والتنسيق مع مدققي الحقائق التابعين لجهات خارجية في المنطقة، للحد من انتشار المعلومات الخاطئة. سنواصل هذا العمل مع تطور هذا الصراع".
بدورها، أعلنت منصة إكس (تويتر سابقاً)، المملوكة لإيلون ماسك، أنها أزالت أو صنفت "عشرات الآلاف" من المنشورات في الأيام التي أعقبت بدء عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها كتائب القسّام، الذراع العسكرية لحركة حماس، رداً على جرائم الاحتلال المستمرة بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة وعدوانه على المسجد الأقصى.
وكتبت الرئيسة التنفيذية للشركة ليندا ياكارينو، في رسالة مؤرخة الأربعاء ونشرت الخميس على "إكس"، رداً على انتقادات الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن: "منذ الهجوم الإرهابي على إسرائيل، اتخذنا إجراءات لإزالة أو تصنيف عشرات الآلاف من المنشورات".
وأضافت ياكارينو: "نُذكّر كل يوم بمسؤوليتنا العالمية لحماية المحادثة العامة، عبر ضمان وصول الجميع إلى المعلومات لحظة بلحظة، وحماية النظام الأساسي لجميع مستخدمينا. رداً على الهجوم الإرهابي الأخير الذي شنته حماس على إسرائيل، أعدنا توزيع الموارد، وأعدنا تركيز الفرق الداخلية التي تعمل على مدار الساعة لمعالجة هذا الوضع سريع التطور"، وأكدت أنه لا مكان على المنصة لـ"المنظمات الإرهابية، أو المجموعات المتطرفة العنيفة"، وكررت في رسالتها قواعد "إكس"، المتعلقة بـ"خطاب الكراهية" و"الوسائط الحساسة"، بالإضافة إلى المحتوى المفبرك أو المتلاعب به أو المقتطع من سياقه.
وردّ مفوض الشؤون الرقمية في الاتحاد الأوروبي تييري بريتون على رسالة ياكارينو عبر "إكس"، حيث كتب: "تلقينا رد إكس على رسالتنا التي تثير المخاوف بشأن انتشار المحتوى غير القانوني والمعلومات المضللة المتعلقة بهجوم حماس الإرهابي ضد إسرائيل. سيحلل فريق إنفاذ قانون الخدمات الرقمية الرد، وسيتخذ قراراً بشأن الخطوات التالية".
كانت المفوضية الأوروبية قد هددت "إكس" بعقوبات، داعية ماسك إلى تقديم توضيحات خلال 24 ساعة حول تداول معلومات خاطئة وصور عنيفة مرتبطة بالعدوان الإسرائيلي.
وقال مفوض الشؤون الرقمية تييري بريتون في رسالة مؤرخة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول: "بعد الهجمات الإرهابية التي شنتها حماس على إسرائيل، نملك معلومات تفيد بأن منصتكم تستخدم لنشر محتويات غير مشروعة وتضليلية داخل الاتحاد الأوروبي". وأضاف: "تلقينا من مصادر موثوقة تقريراً عن محتويات قد تكون غير شرعية يجري تداولها على شبكتكم، على الرغم من إشعارات من السلطات المختصة".
وذكّر بريتون ماسك بأنه "عندما تتلقون بلاغات عن محتوى غير شرعي في الاتحاد الأوروبي، يجب التحرك بسرعة بجدية وموضوعية وسحب المحتوى عندما يكون ذلك مبرراً". ويستند بريتون في ذلك إلى التشريع الأوروبي الجديد حول الخدمات الرقمية الذي يطبق منذ نهاية أغسطس/ آب على 19 منصة كبرى.
وردّ الملياردير حينها على شبكته مباشرة، قائلاً إن "سياستنا هي أن يكون كل شيء مفتوحاً وشفافاً، وهي مقاربة أعرف أن الاتحاد الأوروبي يدعمها". وإيلون ماسك يؤكد باستمرار رؤيته لحرية التعبير ورفضه لأي "رقابة"، وإن كان يشدد على أن منصته تحترم قوانين كل بلد في هذا المجال. وروّج ماسك شخصياً للتضليل، بعدما شجع متابعيه، البالغ عددهم 160 مليوناً تقريباً، على الاطلاع على ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال متابعة حسابين معروفين بنشر معلومات كاذبة.
لكن المفوضية الأوروبية أعلنت، الجمعة، إطلاق تحقيق يستهدف منصة إكس، لاحتمال نشرها "معلومات مضللة" أو "محتوى عنيفاً ينطوي على إرهاب" أو "خطاب كراهية". وأوضحت المفوضية في بروكسل، في بيان، أنها رفعت طلباً رسمياً للحصول على معلومات إلى "إكس".
وتشكل خطوة المفوضية أول إجراء يُطلق بموجب التشريع الأوروبي الجديد المتمحور على الخدمات الرقمية، بعد أيام من رسالة تحذيرية أولى أطلقها المفوّض الأوروبي للشؤون الرقمية تييري بريتون. ويشكل طلب المعلومات المرسل إلى "إكس" خطوة أولى في إجراء قد يؤدي إلى فرض عقوبات مالية كبيرة في حال انتهاك المنصة القواعد بصورة مثبتة وطويلة الأمد. وفي الحالات القصوى، قد تصل الغرامات إلى 6 في المائة من إجمالي الإيرادات العالمية للشركة.
وأوضحت المفوضية أن طلب الحصول على المعلومات "أتى بعد ورود مؤشرات في شأن احتمال نشر محتوى غير مطابق للقوانين". ويأتي هذا الطلب على شكل وثيقة من نحو أربعين صفحة تضم أسئلة محددة. وتتعلق سلسلة أولى منها بتوضيحات، على المنصة توفيرها بشأن نشر محتوى غير قانوني ومعلومات مضللة.
وأمام "إكس" حتى 18 أكتوبر/ تشرين الأول للرد. ومُددت هذه المهملة إلى 31 أكتوبر لطلبات أخرى غير طارئة. وقال بريتون لوكالة فرانس برس إن الإجراء يرمي إلى "حماية مواطنينا وبلادنا الديموقراطية من خلال توفير بيئة آمنة للمستخدمين ومصادر موثوقة للمعلومات حتى خلال الأزمات".
كذلك حذر الاتّحاد الأوروبي "تيك توك"، الخميس، من السماح بنشر "محتوى غير قانوني" أو "معلومات كاذبة" بشأن الحرب الدائرة. وكتب المفوّض الأوروبي للشؤون الرقمية، في رسالة إلى الرئيس التنفيذي لـ"تيك توك" شو زي تشو، إنّ "منصّتكم يستخدمها بشكل مكثف أطفال ومراهقون. لديكم التزام خاص بحمايتهم من المحتوى العنيف الذي يبدو أنه ينتشر على نطاق واسع على منصّتكم من دون أيّ تدابير أمنية خاصة".
وأضاف، في الرسالة التي نُشرت على شبكتي بلوسكاي وإكس: "تلقّينا من مصادر مؤهّلة تقارير عن محتويات يحتمل أن تكون غير قانونية يجري تداولها على خدمتكم، على الرّغم من تنبيهات صادرة عن الجهات المختصّة". وتابع مخاطباً رئيس المنصّة المملوكة لمجموعة "بايتدانس" الصينية أنّه "نظراً إلى أنّ العديد من المستخدمين، وتحديداً القصّر، يلجأون إلى منصّتكم كمصدر للمعلومات، فيجب التمييز بشكل مناسب بين المصادر الموثوق بها والدعاية الإرهابية".
وعلى غرار الرسالة التي وجّهها إلى الرئيسين التنفيذيين لـ"إكس" و"ميتا"، ذكّر المفوّض الأوروبي رئيس "تيك توك" بواجبات منصّته في ما يتعلّق بالإشراف على المنشورات وإزالة المحتويات غير القانونية.
وحض بريتون، الجمعة، شركة ألفابت، المالكة لـ"غوغل"، على توخي الحذر بشأن أي "محتوى غير قانوني ومعلومات مضللة" محتملة على منصة يوتيوب التابعة لها.
ونُشرت الرسالة التي تنبه "يوتيوب" إلى ضرورة الامتثال لـ"قانون الخدمات الرقمية" الجديد في الاتحاد الأوروبي الجمعة، على منصة بلوسكاي.
وكتب المفوّض الأوروبي في رسالته: "في أعقاب الأعمال الإرهابية التي نفذتها حماس ضد إسرائيل، نشهد موجة من المحتوى غير القانوني والمعلومات المضللة التي تُنشر في الاتحاد الأوروبي عبر منصات معينة".
وأشار بريتون إلى أن "يوتيوب" التي يستخدمها تحديداً الأطفال والمراهقون تتحمل مسؤولية حماية مستخدميها من "الدعاية الزائفة والصور العنيفة أو الضارة".
وقال: "على الرغم من حقيقة أن فريقي سيتابع الأمر مع طلبات محددة بشأن قضايا عدة للتأكد من الامتثال لقانون الخدمات الرقمية، فإنني أحضكم على تقديم تقرير استباقي بطريقة سريعة ودقيقة وكاملة عن الجوانب التي أثيرت في هذه الرسالة". وأضاف: "كما تعلمون، مع احتمال فتح تحقيق والتوصل إلى إثبات عدم الامتثال، يمكن عندها فرض عقوبات".
أمام هذه الإجراءات، أصدر مركز صدى سوشال، المختص بمتابعة انتهاكات المحتوى الرقمي الفلسطيني، تقريراً، الخميس، نبّه فيه من "الجهود العالمية لحجب الرواية الفلسطينية عن التسلسل السردي للأحداث، ويقابلها تعزيز ودعم كامل تفرده حكومات العالم ومنصات التواصل الاجتماعي للرواية الإسرائيلية".
ورصد "صدى سوشال" نشاط مئات من الحسابات الزائفة على المنصات المختلفة، تهاجم الفلسطينيين، وتحرّض على قتلهم، وتنشر أخباراً كاذبة، وأشار إلى أن المنصات لم تتخذ أي إجراءات بحقها. وتطرق المركز إلى عدم وضوح سياسات هذه المنصات، إذ "تستخدم مصطلحات فضفاضة تخدم ازدواجية معايير تمارسها، من خلال تشديد إجراءاتها على المحتوى العربي، وعدم تنفيذ مستوى الرقابة ذاته على المحتوى العبري".
وشدد "صدى سوشال" على أن "حجب الوصول إلى المعلومات رقمياً، وحظر نشر المحتوى لطرف يقع تحت الحرب، لا يقل خطورة عن الفعل العسكري الميداني، إذ يساهم حجب المحتوى بزيادة العدوان الفعلي وارتكاب جرائم بحق المدنيين، من دون أي رقابة أو محاسبة أو مسؤولية".