قبل إخراجه فيلمه القصير الأول، "الدائرة"، عمل علي كاظم مُصوّراً لأشرطة فيديو كليب، ومنسّقاً ثقافياً في مؤسّسات فنية عدّة، في مغتربه البلجيكي. له "المهرّج" و"تحت المجهر" وغيرهما. نال شهادتين في الإخراج الروائي: الأولى بكالوريوس من جامعة بروكسل، والثانية ماجستير من المعهد الملكي في العاصمة البلجيكية.
حالياً، يُحضّر مشروع فيلم روائي بعد عودته إلى بغداد.
"العربي الجديد" التقته في حوار عن السينما وتجربته الخاصة.
بدأت في إخراج أفلام قصيرة في المهجر، تزامناً مع عملك مُصوّراً ومنسّقاً ثقافياً في Anvers (أو Antwerp، كما تُعرف باللغة الإنكليزية ـ المحرّر) في بلجيكا. ماذا عن هذه الفترة؟
درست 3 سنوات، دراسة مسائية، في مدرسة الفيلم والفيديو. تعلّمت فيها خبرات تخصّ الصوت والمونتاج، وبعض الإخراج. في تلك الفترة، أنجزت 7 أعمال تجريبية، تراوح مدّتها بين دقيقة و7 دقائق، مع عمل تركيب. أعمالٌ منها عُرضت في مهرجانات. التنسيق يُختصر بمفردة إنتاج هذه الأعمال، بعد عثوري على دعمٍ لها. لا أعتبر نفسي مُصوّراً، لكنّي صوّرت تلك المشاريع، وشاركت بوظائف عدّة في مشاريع لأصدقاء. هذه فترة تمهيدية للخروج من الطابع المفاهيمي إلى الروائي. لأنّ الطموح بات يكبر في صنع حكاية للجميع، اقترب الحلم من التحقّق بالدراسة الجامعية الأكثر رصانة. أجريت الاختبار، ونجحت في الدخول إلى الجامعة. المشوار أصبح أطول وأكثر مشقّة، ولا سيما أنّي كنت العربي الوحيد آنذاك. أعيش في الشمال، وأسافر يومياً إلى العاصمة، لـ5 أعوام، فنلت البكالوريوس والماجستير.
ما الذي أضافه حصولك على البكالوريوس والماجستير إلى عملك في تخصّصات ثقافية مختلفة، وفي السينما؟
فهم آلية اشتغال الفيلم الروائي، بدءاً من الفكرة إلى مرحلة ما بعد الإنتاج. بعدها، تستطيع إتباع خبرات في اشتغال ثقافي آخر غير السينما. هنا تكون أكثر تنظيماً ودقّة في ممارسة بعض الخطوات لتأسيس مشروع ثقافي آخر. لكن الأكثر مشاكسة ومتعة، إسقاطاتك الشخصية النابعة من وعيك وثقافتك وعلمك على ما يصادفك في الحياة، إجمالاً، لا سيما مع أناس تصادفهم في مكان ما. شخصياً، أصبحت أبحث عن الدوافع خلف كلّ سلوك، خاصة عند لقاء أناسٍ جدد. تجدني أحلّل لغة الجسد، وأبحث عن أسباب اختيار الموضوعات في اللقاءات العابرة، وعن الوقت والفكرة والضوء والأحكام. كأنّي أعيش في فيلمٍ طويل. كلّ ما يتخلّل يومياتي مَشاهد. هذا يحيلني إلى فكرة أنّ الحياة هي الشاشة والشاشة هي الحياة، كما يرى فرنسوا تروفو. لا يمكن تصوّر الحياة من دون حكاية، لأنّ الوجود قائم على حكاية، والتأريخ حكاية. لا يُشكّل الإنسان، من الولادة إلى الموت، إلاّ حكاية، وسط حكايات لا تُعدّ على مرّ العصور والأماكن. والسؤال: كيف يمكننا معرفة ذواتنا والحقيقة من دون وجود تلك الحكاية؟
ماذا عن منجزك السينمائي في فترة وجودك في المهجر؟
هناك حاجة ملحة إلى إنجاز فكرة من دون غيرها. لم أختر أي فكرة أنجزتها، بقدر ما اختارتني الفكرة، التي فرضت سطوتها عليّ لإنجازها. الفكرة، إضافة إلى الأماكن والذاكرة. هذه عوامل أساسية في انطلاق كلّ عمل، لا سيما أنّ الصانع امتدادٌ لبيئته. هنا، يكون التأرجح واضحاً بين الوطن الأم والوطن البديل في اختيار الأزمة. نعيش واقعاً جديداً، يختلف جذرياً عما عشناه. هذا التأرجح يصنع قلقاً، والقلق يخرج بتلك المسلّمات البصرية والفكرية. التجارب عدّة، أذكر منها وثائقيّين قصيرين "مغنّي الحي" و"أميتا". لكن الأكثر انتشاراً في المهرجانات السينمائية، 3 أفلام روائية قصيرة: "في الجنة"، الناطق بالمحكية العراقية، و"تحت السماء الآمنة" العراقي الهولندي، و"رحلة طويلة" الفرنسي المغربي. على مستوى الإنتاج، هناك تحدّ كبير في إنجاز أعمال كهذه، ولا سيما أنّ في بلجيكا أكثر من 170 جنسية أجنبية. إضافة إلى محدودية موارد الدعم والإنتاج. الصراع قائم لتحقيق ما تحلم به. أغلب الأعمال شاركت شخصياً، بمجهود فردي، في ميزانيتها، مع دعم مؤسّسات وشركات وأصدقاء. في ما يخص الكوادر العاملة في أي تجربة، تلعب العلاقات والقصة دوراً مهماً في إقناع المختصين، فنيين وممثلين، للعمل معاً بالإمكانات المتوافرة.
هل لوجودك في بغداد علاقة بمشروع معيّن؟
ليس لوجودي علاقة بفيلمي. أنا مقيم منذ فترة في بغداد. هناك مشروع فيلم روائي طويل، منذ أكثر من عامين، أعمل على ملفه الفني. السيناريو في مراحله الأخيرة. الكلام عن المشروع سابق لأوانه، لكنّ الحكاية تتعلق بعائلة مهمّشة، مؤلّفة من 3 أشخاص، تسكن في منطقة عشوائية غير قانونية في بغداد. على تلك العائلة، لسببٍ ما، مغادرة المنزل. الفكرة إجمالاً تناقش جدلية "للضرورة أحكام". هؤلاء الأشخاص يقتنعون لاحقاً بأنّ لديهم حصّة في ما يملكه الأغنياء من مال، وعليهم استرجاع حقوقهم بأنفسهم، وإنْ كلّفهم الأمر متاعب كثيرة. الحقوق تؤخذ بشكل أو بآخر، خصوصاً إذا تعلّق الأمر باستقرارهم. الفيلم يبحث عن الدوافع في سلوك الشخصية، والثقافة العراقية. يستعرضُ واقعاً حقيقياً، بفوارقه الاجتماعية الكبيرة.
"رحلة طويلة" ينطوي على تساؤلات فلسفية عن الموت والحياة. هل اختصرت هذا في فيلمك القصير؟
هذا يُحدّده المتلقي. الموت والحياة فكرتان فرعيتان في العمل. بتعبيرٍ أدقّ، إنّهما وسيلة لطرح الفرضية المقام عليها الفيلم، الذي يناقش أساساً جدلية الحرق والدفن بين الثقافتين الغربية والشرقية، ويستعرض أفكاراً عدّة، كالهوية والصداقة والوطن والذكريات والدين.
استعنت بممثلين مغاربة. ما سبب ذلك؟
أسباب عدّة، أهمّها مصداقية الطرح. الحكاية مقتبسة من حادثة واقعية حصلت مع صديق بلجيكي. شابٌ من أب مغربي وأم بلجيكية. الجالية المغربية عريقة في بلجيكا، وهذا يتّفق مع البعد التاريخي في الفيلم. في البداية، أردت أنْ تكون الشخصيات عراقية، لكنّ هدا غير منطقي وغير حقيقي، لأنّ العراقيين يشكلّون جالية فتية في بلجيكا. لم يبق لي سوى لندن أو بلاد التشيك أو السويد، وهذه فيها جالية عراقية مند ستينيات القرن الـ20 وسبعينياته، لأنقل الحقيقة. لو افترضنا أنّي صوّرت الفيلم في أحد هذه البلدان، سأقع في مطبّات اللغة والإنتاج. لا أعرف إنْ كان يُمكن إيجاد ممثل عراقي بعمر متقدّم، ويُجيد لغات تلك البلدان. إذاً، مسألة استبدال الشخصيات العراقية بالمغربية متأتية من غرضٍ قومي لا غير. المفرح لي أنّه إنْ استبدلت هوية الشخصيات أم لا تبقى نتيجة الفيلم وما يريد طرحه واحدة. إنّه ذو طابع عالمي، إذْ يُمكن لأيّ شخص ومن أي ثقافة فهمه.
هل تفكر في نقل تجربتك وخبرتك السينمائيّتين إلى السينمائيّين العراقيين، عبر مؤسّسات علمية مثلاً؟
الفكرة حاضرة، وبقوّة. لكنّ الموضوع متعلّق بما تتيحه تلك المؤسّسات من فرصٍ لي وللزملاء. للأسف، لا توجد مبادرة إلى الآن من تلك المؤسّسات، تنصّ على فتح المجال أمام تلك الخبرات السينمائية العراقية.
ما الذي تراه في المشهد السينمائي العراقي؟
لا يزال المشهد السينمائي في العراق مُربكاً، للأسف. كلّ المحاولات فردية. الزملاء العاملون في السينما لا يزالون ينحتون في الصخر لتحقيق مشاريعهم، مع غياب واضح للدولة في دعم صناعة الأفلام. لا يُمكن للعراق إبراز هويته الوطنية والثقافية من دون وجود سينما. يتطلّب هذا إرادة سياسية حقيقية وجادّة في تخصيص ميزانية سنوية للدعم. رغم كلّ الظروف الإنتاجية الحرجة، وقلّة الخبرات الفنية في مهن عدّة في هذا الإطار، تُعرض أفلامٌ عراقية في مهرجانات دولية، وبعضها يفوز بجوائز.