أكد الفلسطينيون ومجموعات الإغاثة ومنظمات المجتمع المدني والصحافيون أنهم فقدوا الاتصال بعائلاتهم وزملائهم في غزة، بعد قطع الاحتلال الإسرائيلي الإنترنت والاتصالات مساء الجمعة، ليواصل ارتكاب المجازر بعيداً عن أعين العالم الذي يشاهد منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي حرب إبادة تُرتكب أمام عينيه على الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي.
وأفادت منظمة نِتبلوكس التي تراقب الأمن السيبراني والإنترنت بأن قطاع الاتصالات انهار في قطاع غزة في وقت متأخر من مساء الجمعة. وأعلنت شركة بالتل، مزود خدمة الاتصالات الفلسطيني، أن القصف الإسرائيلي سبّب "انقطاعاً كاملاً" لخدمات الإنترنت والهاتف الخلوي والأرضي.
وأكد مكتب الإعلام الحكومي في غزة، مساء الجمعة، أن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقطع الاتصالات ومعظم الإنترنت بالكامل لارتكاب مجازر"، مضيفاً أن الجيش الإسرائيلي يقوم "بقصف جوي وبري ومن البحر دموي انتقامي هو الأعنف منذ بدء الحرب على مدينة غزة ومخيم الشاطئ ومناطق شمال القطاع كافة". وقال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، إن قطع الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة هدفه "ارتكاب مجازر" إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
وحذرت نقابة الصحافيين الفلسطينيين من ارتكاب الجيش الإسرائيلي مجازر بحق الصحافيين في قطاع غزة، في ظل انقطاع الاتصالات وشبكة الإنترنت، وتوسيع عمليات القصف الجوي والمدفعي.
وأفادت النقابة في بيان، فجر اليوم السبت، بأن "إسرائيل قتلت حتى الآن أكثر من 24 صحافياً في غزة وعشرات من عائلات الصحافيين، ودمرت عشرات المؤسسات الإعلامية، وقصفت عشرات المنازل لصحافيين". واعتبرت النقابة أن كل ما سبق "إنما تمّ ضمن سياسة ممنهجة وبقرار رسمي لكي يرهب الصحافيين لمنع نقل جرائمه للعالم".
وناشدت النقابة كل المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة "أخذ خطورة التبرير المسبق لجيش الاحتلال للمجازر ضد الصحافيين بأقصى درجات الجدية". وأضافت: "لا تنتظر لكي ترسل التعازي بفقدان شهود الحقيقة، بل أن تتحرك فوراً ومن دون أي مواربة، ونقول لهم كفى للمواقف الخجولة التي تكيل بمكيالين وتساوي بين الضحية والجلاد".
وأشارت النقابة إلى أنها "حذرت عدة مرات من ارتكاب مجازر جديدة ضد الصحافيين في غزة، وتجدد تحذيرها مرة أخرى بعد التهديد الرسمي الذي صرّح به المتحدث باسم جيش الاحتلال لعدد من وكالات الأنباء الدولية، وتعتبر أن هذا التصريح الصحافي ليس تحذيراً، بل تهديد رسمي وتمهيد لتبرير المجازر التي يخطط الاحتلال لارتكابها ضد الصحافيين".
ورأت النقابة أن "مؤشرات اقتراب الهجوم البري متزامناً مع قطع الاتصالات والإنترنت وما رافقها من تصريحات رسمية خطيرة لجيش الاحتلال، تهدف كلها لمنع تغطية أكبر حرب إبادة جماعية في القرن الحالي، تخطط لها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وتريد تنفيذها بعيداً عن وسائل الإعلام".
والجمعة، أبلغ الجيش الإسرائيلي وسائل الإعلام الدولية في قطاع غزة أنه لا يستطيع ضمان عدم تعرض طواقمها للأذى في الهجمات التي ينفذها داخل القطاع. وزعم الجيش الإسرائيلي أن "حماس تتعمد تنفيذ عملياتها العسكرية بالقرب من الصحافيين والمدنيين، وحذر من أنهم قد يتضررون من هجمات الجيش الإسرائيلي، وكذلك من عمليات الإطلاق الفاشلة من قبل المنظمات الإرهابية في قطاع غزة". وحثّ الجيش الإسرائيلي وسائل الإعلام على اتخاذ خطوات لضمان سلامة موظفيها.
إلى ذلك، أعلن الهلال الأحمر الفلسطيني، خدمة الطوارئ الرئيسية في غزة، أنه فقد الاتصال بغرفة عملياته في القطاع بسبب انقطاع الإنترنت. وذكرت منظمة أطباء بلا حدود أنها فقدت الاتصال مع عدد من أعضائها الفلسطينيين على الأرض. وفي رسالة عبر منصات التواصل الاجتماعي، أبدت المنظمة قلقها "ولا سيما على المرضى والفريق الطبي وآلاف العائلات التي لجأت إلى مستشفى الشفاء ومنشآت طبية أخرى". وطالبت المنظمة "بالحماية المطلقة لكل المنشآت الطبية، والفرق الطبية والمدنيين في أنحاء قطاع غزة". كذلك فقدت منظمة الصحة العالمية الاتصال بفريقها في غزة. وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة أن الاتصال مع فريقها في غزة قد انقطع تماماً. وقالت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما بحوس، على منصة إكس (تويتر سابقاً): "فقدنا الاتصال بفريقنا في غزة، أشعر بالقلق البالغ بشأنهم هم وأسرهم".
من جهتها، كشفت منظمة العفو الدولية أنها فقدت الاتصال بموظفيها في غزة. وأعربت المنظمة غير الحكومية عن أسفها، لأن "انقطاع الاتصالات هذا يعني أنه سيصبح من الصعب أكثر الحصول على معلومات وأدلة ضرورية تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، والاستماع مباشرة إلى أولئك الذين يتعرضون لهذه الانتهاكات".
وأبلغت المؤسسات الإعلامية عن صعوبة التواصل مع الصحافيين في غزة عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي. الاتصال بصحافيي "العربي الجديد" في غزة شديد الصعوبة، علماً أنهم لا يستطيعون التواصل إلا في المناطق التي تتوافر فيها الشبكة الإسرائيلية، وهذه أيضاً تتعرض للتشويش. كذلك فإنهم يعتمدون على شرائح eSIM. وكان صحافيو وكالة فرانس برس في قطاع غزة قد أوضحوا أنهم لا يستطيعون التواصل إلا في المناطق التي تتوافر فيها الشبكة الإسرائيلية. أما هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) فكشفت أنها حاولت التواصل مع الصحافيين ومسؤولي الصحة في غزة عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن لم تتمكن من الحصول على إجابات إلا عبر تطبيق واتساب. وأضافت: "استطعنا في النهاية التواصل مع المدير العام لمستشفى الشفاء في غزة، وكان خط هاتفه مشوشاً، للغاية واضطررنا إلى الاتصال به مرتين لفهم ما يقول". وأشارت إلى أنها أرسلت عدداً من الرسائل إلى أشخاص كانت تتحدث إليهم سابقاً، لكنها لم تتلقّ أي رد، ولا حتى علامة مزدوجة لتأكيد تسلّمهم الرسائل. خدمة الجزيرة الإخبارية لا تزال قادرة على البث والتواصل من غزة باستخدام اتصالات الأقمار الصناعية. مراسل التلفزيون العربي في غزة، باسل خلف، كان قد غرد: "لا أعرف أي شيء عن عائلتي. أتمسك بجدار مرتفع حتى أبقى على اتصال بإنترنت. أخرج مع القناة صوتياً لعدم توافر أي وسيلة أخرى". وأطل خلف اليوم السبت، من وسط قطاع غزة، وكسر حصار الاتصالات، فتحدث عن الأهالي وعما شهدوه مساء أمس الجمعة.
في الوقت نفسه، انتشر وسم #StarlinkForGaza (ستارلينك لغزة) عبر منصات التواصل الاجتماعي، وطالب المغردون عبره الملياردير الأميركي إيلون ماسك بتوفير خدمة الإنترنت الفضائي في القطاع، أسوة بما حصل في أوكرانيا عقب الغزو الروسي.
وحذّرت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، السبت، من أن انقطاع الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة الذي يتعرض لقصف إسرائيلي مكثف قد يشكل "غطاءً لفظائع جماعية". وفي بيان، قالت المسؤولة في المنظمة، ديبورا براون، إن انقطاع المعلومات هذا قد يكون بمثابة "غطاء لفظائع جماعية، ويسهم في الإفلات من العقاب على انتهاكات لحقوق الإنسان".
وأصدرت اللجنة الدولية لحماية الصحافيين، ومقرها نيويورك، بياناً مساء الجمعة، عبّرت فيه عن قلقها البالغ إزاء قطع الاتصالات في غزة، ورأت أن العالم بذلك يخسر "نافذته على جميع الأطراف المنخرطة في هذا الصراع". وأكدت أن هذا "التعتيم الإخباري" يمكن أن يؤدي "إلى عواقب وخيمة، إذ قد ينجم عنه فراغ معلوماتي مستقل وواقعي يمكن ملؤه بالدعاية القاتلة والمعلومات الخاطئة والمضللة".
وشددت على أن "الاستهداف المتعمد للصحافيين أو البنية التحتية الإعلامية يشكل جرائم حرب محتملة"، علماً أنها كانت قد قالت إنها خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، أي منذ بدء العدوان على غزة، وثقت الفترة الأكثر دموية للصحافيين الذين يغطون الصراعات منذ أن بدأت عملياتها للرصد عام 1992.