كان المقر الرئيسي لصحيفة آبل ديلي في مجمع صناعي مترب، في منطقة نائية، جنوب شرق هونغ كونغ. قبل عام، طرحت المطبعة مليون نسخة من الصحيفة المؤيدة للديمقراطية، وذلك للمرة الأخيرة منذ إطلاقها عام 1995.
ذات يوم كانت غرفة التحرير مزدحمة في الصحيفة التي تعتبر صوت الحركة المؤيدة للديمقراطية في هونغ، واليوم يكتنف المبنى "صمت مخيف"، وفق ما وصفته صحيفة ذا غارديان البريطانية الجمعة. فالبوابات مغلقة بالسلاسل الحديدية، والمبنى محاط بأكشاك الأمن الفارغة. ووفقاً للصحيفة البريطانية، فإن الشرطة رفضت طلباً للتعليق عما إذا كان الموقع يعتبر مسرح جريمة.
وإلى جانب مدخل المقر، كتب على الجدران باللون الأحمر: "أعيدوا لي حريتي". على مدار 26 عاماً، أصبحت "آبل ديلي" صوتاً رائداً لدعم الحركة المؤيدة للديمقراطية، مما ميزها عن المنافذ الإخبارية الأخرى. ويشير الخبراء إلى أن أهمية الصحيفة تزايدت منذ عام 1997، بعد انتقال سيادة إقليم هونغ كونغ من بريطانيا إلى الصين.
وانقضت السلطات على "آبل ديلي" بعد فترة وجيزة من إقرار تشريع جديد صارم للأمن القومي، في يونيو/حزيران عام 2020. القانون غامض وفضفاض بشكل خطير، فبموجب أحكامه يمكن عملياً اعتبار أي شيء تهديداً "للأمن القومي"، ويمكن أن ينطبق القانون على أي شخص على هذا الكوكب. وفرضت السلطات الصينية القانون من دون أي مُساءلة أو شفافية، إذ مررته بعد أسابيع فقط من الإعلان عنه، متجاوزاً مجلس التشريع المحلي في هونغ كونغ، وأبقي نصه طي الكتمان عن الجمهور وحتى عن حكومة هونغ كونغ، بحسب مزاعم، إلى حين صدوره.
استخدم هذا القانون العام الماضي ضد منافذ إخبارية عدة، في حملة قمع واسعة استهدفت هذه الصناعة وتركت نحو ألف صحافي وموظف عاطلين من العمل وكان لها تأثير مخيف على حرية الصحافة في هونغ كونغ.
دهمت الشرطة مقر "آبل ديلي" مرتين، وفي أغسطس/آب عام 2020 اعتقلت رئيس التحرير جيمي لاي، ثم في يونيو/حزيران عام 2021 جمدت أموال الشركة، مما أدى إلى إغلاق الصحيفة وتصفيتها. وعلى الرغم من أن الصحيفة توقفت عن الصدور، فإن سبعة مديرين تنفيذيين في شركة آبل ديلي لا يزالون خلف القضبان. جيمي لاي الذي أسس "آبل ديلي" وشركتها الأم نكست ديجيتال يقبع في السجن منذ أكثر من 18 شهراً. ستة مديرين تنفيذيين آخرين، بينهم الرئيس التنفيذي لشركة نكست ديجيتال والناشر المساعد في "آبل ديلي" وآخر رئيس تحرير، محتجزون من دون محاكمة منذ أكثر من 11 شهراً.
رفضت السلطات طلبات الإفراج عنهم جميعاً بكفالة، ويواجهون بشكل مشترك تهمتين بموجب قانون الأمن القومي، هما "التآمر للتواطؤ مع دول أجنبية أو عناصر خارجية"، و"التآمر لطباعة ونشر وبيع وعرض للبيع وتوزيع وعرض و/أو إعادة إنتاج منشورات تثير الفتنة". كما يواجه لاي اتهامات بالاحتيال.
بعد "آبل ديلي"، واجهت منافذ إخبارية محلية بارزة أخرى الإغلاق، مما ترك نحو ألف شخص عاطلين عن العمل في البلاد. صحيفة ستاند نيوز الإلكترونية، التي زادت شعبيتها كثيراً خلال الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية عام 2019، أغلقت بعد أن جمدت الشرطة أصولها البالغة نحو 6 ملايين جنيه إسترليني، في ديسمبر/كانون الأول الماضي. كما أوقفت "سيتيزن نيوز" عملياتها في يناير/كانون الثاني بسبب مخاوف على سلامة موظفيها.
ومنذ عام 2019، تعرضت جمعية الصحافيين في هونغ كونغ لضغوط شديدة من وسائل الإعلام الموالية لبكين والحكومة التي بدأت تحقيقاً في الشؤون المالية للنقابة واستخدامها لوسائل التواصل الاجتماعي.
إلى ذلك، تراجعت هونغ كونغ خلال العام الماضي 68 مرتبة وصولاً إلى المركز 148 بين الفيليبين وتركيا، من أصل 180 دولة شملها تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة لعام 2022.
وقال حينها رئيس مكتب المنظمة في شرق آسيا ومقره في تايوان، سيدريك ألفياني، لوكالة فرانس برس "إنه التراجع الأكبر خلال هذا العام، لكنه مُستحَق تماماً بسبب الهجمات المتسقة على حرية الصحافة والاختفاء البطيء لسيادة القانون في هونغ كونغ". أضاف: "خلال العام الماضي شهدنا تحركاً جذرياً ضد صحافيين".
وأوضح ألفياني أن السلطات استخدمت في البداية القانون لملاحقة معارضين سياسيين، ولكن في 2021 شرعت في تطبيقه ضد وسائل إعلام محلية. وأضاف أن بيانات المنظمة تشير إلى وجود 13 من العاملين في الوسط الإعلامي في السجن، وهو عدد "هائل"، ويوازي تقريباً عشرة في المائة من العدد المعروف للصحافيين المعتقلين في الصين. وتدرج "مراسلون بلا حدود" الصين بانتظام بين الدول الأكثر عدائية بالنسبة للصحافيين، وتحتل حالياً المرتبة 175 على القائمة.
لكن حتى وقت قريب، كانت هونغ كونغ واحة نسبية لحرية التعبير بفضل صيغة "دولة واحدة ونظامان" التي وعدت بموجبها بكين المدينة بالحفاظ على الحريات الأساسية والحكم الذاتي لخمسين عاماً، بعدما أعادتها بريطانيا إليها في 1997. وعندما نشرت "مراسلون بلا حدود" تقريرها الأول عام 2002، كان المشهد الإعلامي في هونغ كونغ من الأكثر حرية في آسيا، واحتلت المرتبة 18 على مستوى العالم.