عامان من كوفيد: أخبار مضللة وحريات تتراجع

06 يناير 2022
الأخبار المضلّلة ليست مجرد هراء بل مشاريع ذات طبيعة سياسية (رافاييل أنريكيه/Getty)
+ الخط -

أظهرت جائحة كوفيد 19 مدى تأثير المعلومات المضلّلة على المجتمع، كما شرح سيباستيان دييغيز، الباحث في علم الأعصاب في جامعة فريبورغ (سويسرا) والمؤلف المشارك لكتاب "لو كومبلوتيسم".

وفي حوار مع وكالة "فرانس برس"، قال دييغيز، إنّه مع تفشي الفيروس كانت المرة الأولى التي نواجه فيها فعلياً فشل النموذج الإعلامي بالمعنى الضيّق "في البداية، لم يكن أحد يعرف شيئاً، وبالتالي تشكّل العلم (حول الفيروس) تدريجاً وبسرعة، مع أوجه عدم يقين وتردّد. في غضون ذلك، كان الناس يؤلّفون سجلّ معرفة خاصاً بهم، أحياناً من خلال المعلومات المضلّلة المنتشرة على الإنترنت أو من خلال ما يتناقله الناس، وأحياناً أخرى من نسج الخيال، أفكار تدور في أذهانهم حول ماهية المرض".

وبحسب دييغيز فإنّ الجائحة كشفت أنّ المعلومات المضلّلة هي موضوع قائم بذاته "هي ليست مجرد عقبة، مجرد أخبار مزعجة تتعارض مع المعلومات. المعلومات المضللة تنتج يوماً بعد يوم، وهي سريعة وانتهازية، وهي أيديولوجية أكثر مما هي ساذجة. إنها أمر ديناميكي ونشط ينخرط فيه الناس. كنّا نعرف ذلك إلى حدّ ما، لكنّنا لم نتلقّها أبداً بهذه الطريقة، في وجهنا مباشرة. هذه نقطة مهمة جداً يجب أن توجّه خطى العلماء والباحثين والسلطات والصحافيين. يحب عدم اعتبار الأخبار المضلّلة مجرد هراء بل اعتبارها مشاريع حقيقية ذات طبيعة سياسية".

وعند سؤاله عن تأثير ضخ هذه الأخبار في المجتمع، قال إنّ "الأشخاص الذين يدعمون هذا التضليل لديهم مهمة في العالم الواقعي. إذ يمكنهم التأثير على القرارات، وبالتالي ستحاول السلطات عدم إغضابهم، خوفاً من ردود الفعل والتظاهرات وما إلى ذلك، وهو ما يجعل صانعي القرار السياسي حذرين جداً، خصوصاً في فترة الانتخابات".

الأشخاص الذين يدعمون الأخبار الكاذبة يمكنهم التأثير على القرارات، وستحاول السلطات عدم إغضابهم

وأضاف أنّ "للمعلومات المضلّلة آثاراً عدّة: فهي مضلّلة لكنها ستغيّر أيضاً بيئة فكرية عامة وسيكون لها تأثير على ما سيقال، بسبب ضغط مجموعة تشكّل أقلية صغيرة لكنّها صاخبة جداً. هناك انطباع، حتى لو كان من الصعب إثباته، أنّه تم تكييف مكافحة الفيروس مع تشكيك البعض، على سبيل المثال بحملات التحصين، الأمر الذي أثار استياء العديد من الباحثين".

ومع مرور سنتين على تفشي فيروس كورونا، وتغيّر وجه العام بشكل جذري، يرى سيباستيان دييغيز أنّ المجتمعات غير مجهزة بعد لمحاربة المعلومات المضللة بشكل فعّال "لكن قد يكون لدينا درس أول: إذا أردنا نشر العلم، يجب ألا ننسى العلوم الإنسانية (مثل علم النفس الاجتماعي). تجب معرفة كيف يتصرّف الناس وكيف تعمل هذه المعلومات المضلّلة وكيف يتم تداولها. وذلك يجب أن يحصل بالتعاون مع علماء الأوبئة وعلماء المناخ الذين لا يستطيعون إيصال رسالتهم. تستغلّ المعلومات المضللة كلّ وسائل الاتصال الجديدة والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي... لكنّها وسائل يمكننا إعادة السيطرة عليها للحصول على معلومات".

تراجع الحريات

لكنّ مع دخولنا العام الثالث من الوباء، في ظل تفشّ كبير وسريع لمتحور أوميكرون، وارتفاع أعداد الإصابات بشكل جنوني، لم يكن انتشار الأخبار الكاذبة المشكلة الوحيدة التي واجهتها المجتمعات، إذ في غضون عامَين تسببت جائحة كوفيد 19 في موجة استثنائية من القيود وبتراجع الحريات العامة، وهو أمر كان من الصعب حتى ذلك الحين تصوّره في البلدان الديمقراطية. 

وانعكس تراجع الحريات العامة هذا على حرية التعبير وإبداء الرأي، فتسلّحت الأنظمة القمعية بحجة "مكافحة الأخبار الكاذبة" لإلقاء القبض على عدد من الصحافيين ومحاكمتهم، ومنعهم من الحديث عن التطورات الصحية الحقيقية على أرض الواقع.

ولعلّ المثال الأبرز والأوضح، هو اعتقال الصين لعدد من المدونين الذين نشروا مع بداية الجائحة في ووهان، فيديوهات وصوراً ومقالات تكشف الوضع الحقيقي في المدينة، بدل البروباغندا التي كانت تروّج لها وسائل الإعلام الحكومية. ولعلّ قضية الصحافية والمحامية الصينية تشانغ شان الفائزة بجائزة الشجاعة التي تمنحها منظمة "مراسلون بلا حدود" هي المثال الأوضح لذلك.

بحسب المنظمة، فإنّ شان تحدّت كل القيود مع بدء تفشي فيروس كورونا في ووهان، وكانت تُظهر ببث مباشر على مواقع التواصل الاجتماعي صور الشوارع والمستشفيات وعائلات المرضى، "لكنها اعتُقلت في مايو/أيار 2020، وزُج بها في الحبس الانفرادي لعدة أشهر، من دون أن تقدم السلطات أي سبب رسمي لإبقائها خلف القضبان على مدى عدة أشهر، قبل الحكم عليها في 28 ديسمبر/كانون الأول 2020 بالسجن أربع سنوات بتهمة تأجيج الخلافات وإثارة الاضطرابات". ووفق المنظمة كذلك، فإنّ الصحافية دخلت في سجنها في إضراب عن الطعام، وهو ما يعرّض حالياً حياتها للخطر.

باتت الحكومات وحدها هي مصدر المعلومات في ظل التضييق على الصحافيين

أمثلة أخرى عدة يمكن تعدادها، من فنزويلا والبرازيل، والهند، ومصر، وعدة دول عربية، حيث تحوّلت حجة محاربة الأخبار الكاذبة إلى سلاح يستخدم ضدّ الصحافيين والمدوّنين في الديمقراطيات الهشة أو في ظل أنظمة دكتاتورية، وهو ما حصل على سبيل المثال مع الصحافي الفنزويلي دارفينسون روخاس الذي احتجز لمدة 12 يوماً بسبب تغطيته الوباء العام الماضي. أما في الأردن فاستخدم منذ الأسابيع الأولى لتفشي الفيروس، قانون الدفاع للحد من تدفق معلومات متنوعة ومتعددة المصادر للإعلاميين والجمهور حول الفيروس، وجعل مصدر المعلومات الأساسي هو الحكومة فقط.

وحتى مع تراجع حدّة تفشي الفيروس في ربيع العام الماضي ثمّ الصيف، لم تتراجع القبضة الحديدية التي فرضت على الإعلام، بل أشارت "مراسلون بلا حدود" في تقريرها الصادر في إبريل/نيسان الماضي، إلى أنّ الدول استخدمت جائحة الفيروس"ذريعة لمنع وصول الصحافيين إلى المعلومات والمصادر والتقارير في هذا المجال"، موضحةً أنّ هذا النمط على وجه التحديد كان سائداً في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. كما أشارت إلى انخفاض ثقة الجمهور في الصحافة نفسها، قائلةً إنّ 59% من الأفراد الذين شملهم الاستطلاع في 28 دولة زعموا أنّ الصحافيين "يحاولون عمداً تضليل الجمهور من خلال الإعلان عن معلومات يعرفون أنها خاطئة". 

المبيعات عبر الإنترنت

جانب آخر ساهم فيروس كورونا في ازدهاره ألا وهو الازدياد الكبير في نسبة المبيعات عبر الإنترنت. ووفقاً لشركة الاستشارات وتحليل البيانات البريطانية "كانتار"، "كان للأزمة الصحية تأثير كبير على مشترياتنا. بين عمليات الإغلاق وإغلاق المطاعم، بدأ الجميع تناول الطعام في المنزل، ما أدى إلى زيادة مبيعات متاجر السوبرماركت". وهذا الاتجاه بقي مستمراً مع الإبقاء على العمل عن بُعد بدرجة لم يسبق لها مثيل قبل الجائحة. في أوروبا والولايات المتحدة، أصبح المستهلكون معتادين على التسوق بوتيرة أقلّ، لكن باستخدام سلات أكبر.

كذلك، ارتفعت نسبة التسوق عبر الإنترنت خلال الأزمة الصحية، ما دفع تجار التجزئة للتحول إلى التجارة الإلكترونية. وقالت غاييل لو فلوش المتخصصة في التوزيع لدى مجموعة "كانتار"، لوكالة "فرانس برس": "لاحظنا وصول زبائن جدد، كبار في السن، وقد أصبحوا عملاء دائمين الآن".

وبحسب شركة "أدوبي" للبرمجيات، ازدادت المبيعات عبر الإنترنت في كل أنحاء العالم بنسبة 38% في الربع الأول من العام 2021 مقارنة بالربع الأول من العام 2020 عندما انتشرت الجائحة في الكوكب. وتقدّر المجموعة أنّ الإنفاق عبر الإنترنت قد يصل إلى 4,2 تريليونات دولار بحلول نهاية العام 2021.

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون