لا يعتبر تنقل كل من يعاني من إعاقة سهلاً، نظراً للعوائق الكثيرة التي يمكن أن يواجهها في طريقه. إلا أن لمنزله مكانة خاصة له، باعتباره المكان الذي يفترض أن يجد فيه الراحة والأمان وحرية التنقل. لذلك، يبرز في هذه الحالة تأمين التصميم المناسب لذوي الإقاعة.
انطلاقاً من الأثر النفسي الواضح للمنزل على من يسكنه، أتى المهندس المعماري طارق إبراهيم بفكرة تصميم فريد يختلف تماماً عن أي منزل آخر مما اعتدنا عليه. فالمبدأ الأساسي هنا هو في أن المنزل تحوّل من التصميم "الأفقي" المعتاد إلى "العمودي" على منصة متحركة، يتنقل من خلالها الشخص في مستويات مختلفة في البيت، بحسب ما يحتاجه وبما يتناسب مع حالته على الكرسي المتحرك. فالمعايير الأساسية في تصميم مكان يقطن فيه ذو إعاقة تختلف تماماً عما هو عليه بالنسبة إلى شخص آخر، ولا يمكن التصميم على الأسس نفسها.
يشبّه إبراهيم المنزل الذي صممه بخزانة متحركة، فهو يلبي احتياجات من يسكنه، وهو بذاته يشبه المصعد في نموذج تتوافر فيه متطلبات الشخص بطريقة عملية، أزيلت فيها العوائق من أمامه. فالأرضية متحركة هنا، فيما الخزائن، وكل ما حولها جامد، ويقول: "من يكون على كرسي متحرك لن يشعر بالراحة والحرية في منزل عادي. كان من الضروري الانطلاق بطريقة تفكير جديدة لتأمين ما يُشعره بالراحة والحرية، بعيداً عن الضغوط والعوائق التي يمكن مواجهتها في منزل عادي".
من المؤكد أن ثمة عناصر عديدة تختلف تماماً في منزل من يعاني إعاقة جسدية. وينطبق ذلك، بحسب إبراهيم، على الكفيف الذي له في منزله متطلبات خاصة تختلف تماماً عن أي منزل آخر، من حيث التصميم، ويوضح أن الشخص الذي على كرسي متحرك طوال الوقت لا يحتاج، مثلاً، إلى كل ما هو على مستوى ثلاثة أمتار في الارتفاع. كما أنه قد لا يحتاج إلى التنقل أفقياً بين الغرف. من هنا، أتت فكرة أن يكون المنزل بمثابة مصعد يتوقف على مستويات مختلفة، فيكون عمودياً بدلاً من أن يكون أفقياً. في المقابل، يشير إبراهيم إلى أن ثمة تفاصيل عديدة قد تختلف بين حضارة وأخرى، وبين الثقافات، فيجري التعديل على هذا الأساس عند الحاجة، فيما يبقى التصميم الأساسي نقطة الانطلاق التي يمكن الاستناد إليها والتوسع فيها لفيلا، أو لأي اختيار آخر في مساحات مختلفة.
يصل ارتفاع المنزل، بحسب تصميم إبراهيم، إلى 10 أمتار، ليتضمن كافة احتياجات الشخص المقعد في عدة مستويات وطوابق في ما يشبه الخزائن. فيكون المطبخ مثلاً في المستوى الأول، وتتوزع باقي الاحتياجات في باقي المستويات. أما سطحه فأشبه بآخر الأنبوب الذي يمكن أن يخرج منه ليصبح في الهواء الطلق. وفي ما يتعلق بأرضية المنزل، فهي متحركة للتنقل بين الطوابق، فيما يكون الشخص جالساً وتكون كل حاجياته في متناول يديه.
واللافت أن المهندس ألغى فكرة الحركة الكثيرة ضمن البيت، والتنقل يرتكز على هذا المبدأ الأنسب في مثل هذه الحالات، بحسب قوله. فالمصعد بذاته له مساحة بين 4 و5 أمتار كحد أقصى. وحتى لو كانت تعيش فيه عائلة، ينفذ المنزل على هذا الأساس، على أن يكون الانطلاق من التصميم الأساسي الذي يعتبر الركيزة. فتضاف عندها مثلاً غرفة للأطفال وغيرها من الغرف، بحسب الطلب.
لم يكن من الممكن للمهندس أن ينفذ هذا التصميم من دون أن يضع نفسه مكان المقعد؛ فحوّل فكرة كان لها منحى إنساني وانطلق منها بالدرجة الأولى، إلى أن طبقها بطريقة علمية من خلال خبرته في المجال. ولتحقيق هذا الهدف الذي له جوانب عديدة، إنسانية ونفسية وجسدية، جلس طوال يومين على كرسي متحرك للتنقل فيه، لكي يكتشف الاحتياجات الأساسية لمقعد من خلال ذلك والصعوبات التي يواجهها.
يتطلب تنفيذ تصميم من هذا النوع تقنيات متطورة عالية جداً، إضافةً إلى كونه يستدعي بحثاً مطوّلاً ودراسة معمقة للنواحي النفسية مع خبراء في علم النفس، ليتحقق الهدف المرجو من هذا التصميم بأفضل ما يكون. يضاف إلى ذلك، الأمان الذي كان لا بد من التركيز عليه في كافة التفاصيل في التصميم. فقد ركز إبراهيم على هذه النقطة، وحرص على أن يكون تصميم المنزل آمناً لأي كان، حتى لو لطفل صغير.
يقول: "استقبل مقعدون من خارج لبنان التصميم بعد اطلاعهم عليه، ووجدوا فيه مجالاً لعيش حياة طبيعية في المساحة التي يوفرها، والتي تؤمن فيها كافة متطلباتهم، من دون عوائق، خصوصاً أن المشاريع المتوافرة لمنازل يسكنها مقعدون تقدم حلولاً محدودة جداً. وما ساهم في نجاح الفكرة أني تصورت هذه المساحة، لا كما أراها أنا، بل كما يراها مقعد".
ويؤكد إبراهيم أن هذا التصميم لا يعتبر مكلفاً على الإطلاق، بل على العكس هو أقل كلفة بكثير مقارنةً بما يمكن تصميمه للمنازل العادية. وقد تزيد التكاليف بحسب ما يمكن أن يطلب من إضافات عليه، لأنه يمكن أن يتوافر في أنماط عديدة بحسب الطلب. أما الخطوة المقبلة بانتظار التطبيق، فهي تأمين من يتبنى هذا المشروع حتى يُنفذ، علماً أنه عرض على إبراهيم تبنيه من جهات خارج لبنان، شرط عدم ذكر لبنان كمصدر للمشروع، فرفض هذه الأمر لحرصه على تسجيل المشروع باسم لبنان حصراً.