- الصور تحمل قصصاً وذكريات ترتبط بتاريخ السينما وتأثيرها، مثل شخصيات جيمس بوند وثنائيات مثل دي نيرو وستريب، تحفر في الذاكرة وتؤثر في الروح والتفكير.
- تظهر الصور نجوماً مثل كلينت إيستوود وجين هاكمان، معبرة عن قوة الشخصية والتعامل مع الشيخوخة، وتوثق لحظات فارقة في تاريخ السينما، مما يثير التأمل واستعادة ذكريات مرتبطة بالأفلام.
في فيسبوك، صفحات سينمائية أجنبية وشخصية تنشر، بشكل شبه يومي، صُوراً لعاملين وعاملات في السينما الهوليوودية تحديداً، تختصّ بحالة أو بدور: صورة لممثل وممثلة يشاركان معاً في فيلمٍ مُنجز قبل 30 أو 40 أو 50 عاماً، وصورة مرفقة بها للممثِّلَين نفسيهما في راهنٍ يمتدّ بين عامي 2020 و2023. صورٌ قديمة يكون فيها "أبطالها" شبابٌ في مقتبل العمر، أو بعد المُقتبل بأعوامٍ قليلة، وأخرى تُظهرهم وتظهرهنّ في حاضرٍ، بخلاصة اختباراته ومساراته وتحدّياته ومغامراته، وهذا مُرفقٌ بنُضج أعمق، ومعرفة أكبر، ورؤية أوسع.
والصُور، إذ تكشف هذا كلّه، تُقرَأ ببساطةٍ أيضاً: إنّه العمر، ولا شيء غير العمر. التنظير غير مبتعدٍ عن مرور الزمن، فمرور الزمن كفيلٌ بمنح المرء نضجاً ومعرفة ورؤية، تختلف عن تلك التي يُدركها المرء نفسه في أول شباب أو في آخره، وقبل الشيخوخة. صُورٌ كهذه تشي ضمناً، أو هكذا توحي به، أنّ في الذاكرة كمّاً هائلاً ورائعاً من جمالياتٍ سينمائية، تحفر في ذاتٍ وروح وتفكير وانفعال، وتدفع الآن إلى استعادة شيءٍ من ماضٍ شخصيّ، يرتبط بأفعال أصحاب الصُور، في فترات تاريخية مختلفة.
هذا يعني أنّ متصفّح الصُور، إذ يستعيد بعضاً منه عبر أفعال هؤلاء، يُدرك أنّ له، هو أيضاً، مساراً، مع اختبارات وتحدّيات ومغامرات، يُفترض بها أنْ تمنحه نضجاً أعمق، ومعرفة أكبر، ورؤية أوسع.
الصُور غير قائلة بفنٍّ يرتبط بإبداع التصوير الفوتوغرافي، وهذا ليس انتقاصاً من أهمية مضمونها الأصلي. صُور قديمة تجمع، بين ممثِّلَين اثنين، أو بين ممثل وممثلة، في فيلمٍ قديم، غير مُمتلكة (الصُور) جماليات هذا الفنّ، بقدر ما تُلبّي شرطاً مهنيّاً: توثيق لحظة أو لقطة، وبعض اللحظات تُلتَقط في استراحةٍ بين مشهدين. أمّا الصُور الحديثة، التي تجمع الثنائي نفسه بعد 30 أو 40 أو 50 عاماً على التقاط الصُور القديمة، فغير جامعة إياهما في فيلمٍ أو في استراحةٍ بين مشهدين فقط، بل في لقاءٍ عام أيضاً. أحياناً، يكون كلّ واحدٍ من الثنائي وحده في صورة حديثة، فتُجمَع الصُور كلّها في "بوست" فيسبوكيّ، مع إشارة إلى أعوام كلّ صورة، لتبيان فرق الزمن ومروره.
أحياناً، تختصّ الصُور بأكثر من ممثل ـ ممثلة، لهم ولهنّ شخصية سينمائية واحدة. أشهر تلك الصُور تتمثّل في شخصية جيمس بوند وممثلوها، وأبرزهم روجر مور وشون كونري وتيموتي دالتون وبيرس بروسنان. هناك أيضاً الثنائي روبرت دي نيرو وميريل ستريب في "صائد الغزلان" (1978) لمايكل تشيمينو: صورة تجمعهما معاً زمن إنجازه، وأخرى بعد 44 عاماً. أو ثلاثيّ "الجيد، السيئ، القبيح" (1966) لسيرجيو ليوني، كلينت إيستوود ولي فان كليف وإيلي والاّش: صُور لشخصياتهم في الفيلم، وأخرى بعد 40 عاماً أو أقلّ، ولكنْ من دون فان كليف، المتوفى عام 1989. أحياناً، تُنشر صورتان، قديمة وحديثة، لـ"الجيد" و"القبيح" فقط (إيستوود ووالاش).
الأمثلة كثيرة. التأمّل في صُور كهذه مُمتع، إذ يمزج بين حنينٍ إلى زمنٍ ماضٍ، بذكرياته واختباراته وحكاياته، ومحاولة تفكير بالمآل التي يبلغها المرء الآن. والتأمّل غير مرتبط بثنائية الحنين والتفكير بالمآل فقط، فهناك استعادة، أو محاولة استعادة لحظة المُشاهدة الأولى لهذا الفيلم أو ذاك، إنْ تكن المشاهدة الأولى مترافقة وزمن إنتاج الفيلم (هذا غير حاصل لي، لفرق العمر غالباً)، أو لاحقاً بأعوامٍ.
إلى هذا كلّه، تُنشر صُورٌ آنيّةٌ لعاملين (تحديداً) في صناعة السينما: كلينت إيستوود (31 مايو/أيار 1930)، بشيخوخته غير المانعة إياه من اشتغال سينمائي، يُتوقّع أن يجهز قريباً ("المحلّف رقم 2"). جين هاكمان (30 يناير/كانون الثاني 1930)، وإنْ يكن معتزلاً منذ وقتٍ. أيّ بهاء في شيخوخة منفضّة عن ثقل الزمن؟ أي قوّة في شخصية فردٍ يواجه النهاية بما يُشبه اللامبالاة؟ لكنْ، أهذا صحيح بالنسبة إليهم؟ كيف يُفكّرون بالنهاية؟ كيف يعيشونها قبل تحقّقها؟ كيف يتعاطون معها؟ الكتابة هذه حاصلةٌ في خارجٍٍ عنهم. إنّها (الكتابة) تمرينٌ ذاتيّ، ربما.
هذا يقول أيضاً إنّ الصورة الفوتوغرافية لا تزال تمتلك بهاءَ فنّ، وجمال توثيق، ومتعة استعادة زمن غابر. قولٌ غير مُنتقِص من بهاء سينما (لا كلّها)، وجمالها ومتعة مشاهدتها أيضاً.