"مرحبا! إحنا فرقة صول من غزّة؛ فرقة فلسطينية تكوّنت في غزّة". بابتسامته المعهودة ووجهه الهادئ، يفتتح الشاب حمادة نصر الله مقطع فيديو، معرّفاً عن الفرقة الموسيقية التي شكّلها مع مجموعة من أصدقائه منذ أكثر من عشر سنوات.
عام 2012، اجتمع الأصدقاء على حلم واحد، أن يكوّنوا فرقة موسيقية تقدّم أعمالها أمام العالم. إلا أن لقاءهم الأول مع الجمهور الغزّي لم يكن قبل عام 2016، فتوالي عمليات العدوان الصهيوني على القطاع كان يؤخّر انطلاقة الفرقة الحقيقية. "لو أن الأعوام الأربعة التحضيرية للفرقة لم تشهد اعتداءات متكررة، لكان طريقنا بالتأكيد تطوّر بشكل مختلف"، وفقاً لحمادة.
تضمّ الفرقة اليوم كلا من العازفين حمادة نصر الله (تلحين، غناء وغيتار)، ورهف شمالي (غناء)، وسعيد فضل (درامز)، وفارس عنبر (إيقاعات)، وعبد القادر أبو قاسم (كيبوردز)، وأحمد الحدّاد (باص غيتار)، وهو الوحيد خارج غزّة اليوم؛ إذ يتابع دراسته في تركيا.
للفرقة رصيد من التسجيلات ما بين أغنيات شعبية فلسطينية يقدّمونها بقالبهم الخاص، وأخرى خاصة إنّما تصبّ جميعها تحت خانة الهوية الفلسطينية والقضية، مثل أغنية "عروس الفلسطينية" التي أطلقوها العام الماضي تحية للشهيدة شيرين أبو عاقلة. كمّا قدّمت الفرقة قصائد مغنّاة، كنشيد "موطني" للشاعر إبراهيم طوقان و"عاشق من فلسطين" لمحمود درويش.
أمّا تسمية الفرقة، "صول"، فعدا عن كونه اسم النغمة الخامسة في السلّم الموسيقي، فهو مقتبس بحسب حمادة من تعبير "الصولات والجولات"، كما أنه طموح الفرقة بالانتشار في أكبر عدد من الدول وقد كانوا بالفعل، قد قدموا عروضاً حيّة في تركيا، وبلجيكا، وفرنسا. وآخر عروضهم أقيم في مهرجان جرش في الأردن. وكان من المفترض أن يكونوا في الولايات المتحدة في العشرين من ديسمبر/كانون الأول الحالي. لكن السفر والزخم في الإنتاج تعطّل بسبب العدوان الحالي على قطاع غزّة، وتشتيت شمل المجموعة.
في الفيديو الغنائي الأول للفرقة بعد العدوان، ظهر فيه أعضاء الفرقة الموجودون في غزّة، باستثناء رهف التي تسبب العدوان بنزوحها إلى مكان بعيد عن مكان وجود رفاقها. الفيديو بالأبيض والأسود، بإطار واحد ثابت، لا يتغيّر على خلاف فيديوهات الفرقة السابقة التي تضج بالألوان والحياة. "وصدري لو تشهد طالع سُحب دخّان/طالع موّال جديد، ماتت كل الزّغاريد، افتح عزا يا لسان، افتح عزا يا لسان"، يغنّي حمادة مرثية للشهداء، عازفاً على غيتاره، فيما يفترش بقية أعضاء الفريق الأرض صامتين ساهمين، بينما نسمع أصوات القذائف في الخلفية.
بعد أيام من ذلك الفيديو، وبداية التوغّل البرّي لقوّات الاحتلال الصهيوني، يكتشف حمادة من خلال فيديو منتشر أن أحد جنود الاحتلال قد سطا على غيتاره الأعز إلى قلبه، وهو هدية من والده تشجيعا له في بداية مشواره الفني. يخبر حمادة العالم بما اكتشفه، فيما يعرض فيديو للجندي الذي يحمل الغيتار بين يديه مغنّيا بصبيانية من دون أدنى معرفة موسيقية، مقابل فيديو قديم لحمادة عازفاً على ذات الغيتار الأسير.
تلك الحادثة لا تثبط من عزيمة شباب "صول"، فنراهم مستمرين في الغناء في الشوارع ما بين حطام المباني المدمّرة، عازفين ومغنّين بمشاركة أعداد من الأطفال النازحين هاتفين "بلدي غزّة يا غزّة!".
وفيما غزّة ما زالت تشهد جرائم الإبادة بحق أهلها ومعالمها المدنية والتاريخية، يتابع الشباب مسيرتهم بأمل كبير مطلقين فيديو يدعون فيه المشاهدين لدعم مسيرتهم الموسيقية عبر جمع تبرّعات لبناء استوديو خاص بهم في غزّة دون سواها.
الفيديو ذاته المذكور في بداية هذا النص، تتعاقب فيه الصورة بين مشهد بخلفية قليلة الألوان يظهر فيه أعضاء الفرقة واحداً تلو الآخر، وبين مشاهد من حفلاتهم حول العالم، ثم نرى مشاهد لمناطق تضجّ فيها الحياة قبل العدوان تليها مشاهد من الدمار الحاصل حالياً لمبانيها وشوارعها وطبيعتها.
يخبر كل من حمادة وسعيد وفارس وعبد القادر، جزءاً من قصّتهم. فهم الأصدقاء الذين اجتمعوا منذ الطفولة بشغف كبير لنقل رسالة عبر الأغنية تعكس حياتهم كفلسطينيين، وحياة غزّة كمدينة نابضة بالحياة. يحكون عن انعدام الأفق كحال كل من في غزّة وصعوبة رؤية المستقبل، في مقابل أن تلك الظروف لم تمنع من أن يقدموا رثاء للشهداء نابع من القلب. وتختتم رهف من مكان نزوحها رسالة "صول"، لدعوة المشاهد لمساعدتهم في جمع التبرعات لبناء الاستوديو ليتمكنّوا من إنتاج أغنياتهم وصنع موسيقى جديدة يتمكنّون من خلالها أن يدعموا أطفال غزّة نفسياً لتجاوز الصدمات والخوف الذي يعيشونه اليوم.
وإلى جانب كل ذلك، حضّرت الفرقة أغنية جديدة يأملون أن يطرحوها مع إعلان وقف إطلاق النار النهائي، يشاركنا حمادة الأبيات الأخيرة من الأغنية المرتقبة، "احنا فلسطينية وما في اشي بوجعنا/ بننادي بلادي ولا بد يوم حد يسمعنا/ ولو كل العالم معك، احنا الله معنا".