يوم الأربعاء الماضي (24 يناير/ كانون الثاني)، استُشهد الأخوان الفتيان نزار وناهض بربخ، بعدما أطلق قناص في جيش الاحتلال الإسرائيلي النار عليهما، في خانيونس. لم تلقَ صورتهما انتشاراً واسعاً؛ صورة من شأنها أن تُدين العالم على هذا الصمت. الطفلان جثتان هامدتان تعلو إحداهما الأخرى، والراية البيضاء هي فقط التي تفصل بينهما.
خرج الأخ الأصغر ناهض (13 عاماً)، حاملاً الراية البيضاء، في طريقه للحاق بعائلته التي كانت تهمّ بالنزوح من حي الأمل في خانيونس إلى منطقة المواصي، وفقاً لأوامر إرهابيي الاحتلال الإسرائيلي. تلقى ناهض رصاصات في بطنه ورقبته. لحق به شقيقه الأكبر نزار (20 عاماً)، كي يتحقّق مما حصل لأخيه، ليتلقّى هو الآخر رصاصةً في قلبه الغضّ، سيقضي بها شهيداً على الفور.
يوم السبت الماضي (27 يناير/ كانون الثاني)، انتشرت صورة مزيفة، مولّدة عبر الذكاء الاصطناعي لما يفترض أنّهما شقيقان ينامان في خيمة على أرض شربت من البرد والمطر ما يكفي لتغدو بركةً صغيرة أسفل الصغيرين. مرّةً أخرى، ها نحن أمام صورة مزيفة، أمام مشهد مزيّف، تغطّي وقائع وحقائق لما يعانيه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتنتشر بسرعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي. حتى أن كثيراً من الصحافيين، وأولئك الذين يتولّون مهمّات تتمثّل بالتحقق من الأخبار والصور الزائفة أو المضللة يساهمون في نشر هذه الصور والأخبار من دون أن يمعنوا في التحقق منها، ويأتي ذلك كله على حساب صور وأخبار ووقائع حقيقية لا تلقى أي اهتمام.
يشير كثيرون إلى أن هذه الصور المزيفة ليست إلا صناعة الذباب الإلكتروني التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الهدف منها تشتيت الجمهور عن الوقائع وإلهائه بصور مزيّفة وأخبار كاذبة، ستُلحق الضرر بالقضية العادلة التي نُدافع عنها.
نشر الصور المعدلة بالذكاء الاصطناعي يُضرّ ولا يفيد، حتى لو وجدها بعضهم تعبيرية وإنسانية، لكنها مُضرّة لأنها مزيفة، وإن وجدها بعضهم تقارب الواقع. هذه الصور تعني أنه ليس لدينا ما يكفي من الحقيقة. من ليس لديه أي شيء من الحقيقة هو الاحتلال الإسرائيلي، لهذا يضطر إلى اختلاق سرديات وصور كاذبة كي يبيع قصته للعالم. نحن لسنا مضطرين إلى فبركة شيء ولا اختلاق أي شيء. قصتنا موجودة بسرديتها وصورها وشهودها.
يُحاجج بعضهم بالقول إن هذه الصور حتى لو كانت مزيفةً، إلا أنها تعبّر عن سوء الحال في واقع الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة. لا يحتاح الإنسان الفلسطيني هناك إلى صور من هذا القبيل للتعبير عن سوء حاله وواقعه. يكفينا فقط أن ندخل إلى وكالة تصوير أجنبية، حتى تلك المنحازة أو المحايدة منها، ونبحث عن صور من قطاع غزة، سنجد آلافاً من المشاهد واللقطات الكافية لإدانة هذا الاحتلال، من دون الاضطرار إلى فبركة صور واختلاق وقائع وأخبار مزيفة من شأنها أن تضرّ بالقضية التي ندافع عنها.
إلى جانب ذلك، يستغل كثيرون صور الأطفال هذه، سواء كانت حقيقية أو مزيفة، بهدف استقطاب التضامن العالمي، من دون أن يعي كثيرون أن استخدام الأطفال بهذه الطريقة ليس فعلاً أخلاقياً. لهؤلاء "حُرمةٌ" لا بدّ من الانتباه إليها والتفكير فيها قبل التسرّع بنشر صورهم. سينجو بعض من هؤلاء الأطفال، وسيكبرون. هل يريدون أن ينظروا إلى صورهم هذه وهم يبدون فيها بهذا الشكل والضعف؟ لا نظن ذلك.