صورة معتقلي مستشفى الشفاء... أخطاء ليست بشرية

27 مارس 2024
في الطريق إلى دير البلح بعد التهجير من مستشفى الشفاء (ياسر قديح / الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- جيش الاحتلال الإسرائيلي يعترف بخطأ بشري في نشر كولاج يضم صور 358 شخصاً متهمين بالإرهاب، مما يعكس استخدام الأخطاء كجزء من الحرب النفسية ضد الفلسطينيين.
- الأخطاء في نشر الصور تسهم في نزع الإنسانية عن الفلسطينيين وتعزيز صورة الإرهاب العالمية، مع تكرار مماثل في استخدام الصور بطرق مضللة.
- الفشل في استخدام البروباغاندا يعكس تراجع مصداقية السردية الإسرائيلية ويسلط الضوء على أهمية الحقيقة والشفافية في النزاعات، معرضاً إسرائيل لخطر فقدان الثقة الدولية.

نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي، أخيراً، كولاجاً يحوي صوراً لمن قال إنه ألقى القبض عليهم في مستشفى الشفاء في غزة. تحتوي الصورة 358 وجهاً لمن اتهمهم جيش الاحتلال بأنهم "إرهابيون"، ليعتذر لاحقاً قائلاً إنه ليس كل من في الكولاج/الصورة ألقي القبض عليه، بل هناك من هم طلقاء. وعزا ما حصل إلى "خطأ بشري"، مُغفِلاً أن هذا الفعل يمثّل جزءاً من الحرب النفسيّة، خصوصاً أنه ما من أسماء لأصحاب هذه الوجوه حتى الآن.
هذه ليست المرة لأولى التي يظهر فيها "خطأ بشري" في صور بثها جيش الاحتلال الإسرائيليّ. حصل الأمر سابقاً في صور الرهائن التي عُرضت في محكمة العدل الدوليّة، إذ انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تكرار بعض الأوجه.
في كلتا الحالتين، وعلى رغم إنكار الجيش الإسرائيلي، نحن أمام حرب نفسيّة تتمثّل في تكديس الأوجه بهذه الطريقة في صورة واحدة. أسلوب لإثارة الفزع ومحاولة تسعى إلى خلق انتصار ما زال إلى الآن غير محقق، فضلاً عن أنه يسهم في نزع الإنسانيّة عن الفلسطينيين، مهما كانت تُهمهم. نشر الصور بهذا الشكل من دون هويات أصحابها، يعني أن "الجميع متشابهون".
الهدف من هذا "الخطأ البشري" هو التركيز على الكثرة، والتركيز على العدد، للقول بجدوى العملية العسكرية الإسرائيليّة التي وصلت إلى حد غضب أميركا ذاتها (أو هذا ما تدّعيه الأخيرة على الأقل)، التي تهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حال قرر دخول رفح بـ"احتمالية وجود عواقب". الكثرة هنا هي محاولة لرفع المعنويات من جهة، وتأكيد الادعاءات بخصوص مستشفى الشفاء بشكل عام.
استعراض الصور أيضاً بهذا الشكل، يندرج ضمن "ًصورة الإرهاب" العالميّة، تلك التي انتشرت بعد هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ تُوزّع صور المطلوبين قبل إلقاء القبض عليهم، وليس بعد ذلك. وهنا تكمن المفارقة، "الخطأ البشري" يشكّك في قدرة جيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه المضطر إلى فبركة أكاذيب من أجل إعلان انتصار ما، هو نفسه ليس واثقاً منه.
تكشف حجة "الخطأ البشري"، أيضاً، أن ما يُقال إنه انتصار ليس دقيقاً، بدليل إنكار اعتقال القيادي في حماس، رائد سعد، ويدفع إلى التشكيك في جدوى اقتحام مستشفى الشفاء مرة ثانيّة؛ فهذا الاقتحام ليس إلا استمراراً للإبادة الجماعية وتدمير المنظومة الصحية في قطاع غزّة، فبين الصور هناك ثلاثة أطباء، وقتلى بعضهم كان جريحاً.
لا نظن أن فرضية الحرب النفسية التي تم تداولها بخصوص الصور تستهدف الفلسطينيين في غزة أو حركة حماس، بل الجيش الإسرائلي نفسه، خصوصاً أنه يعاني خسائر يوميّة، ونقصاً في الذخيرة بحسب تقارير إسرائيلية، بل يستخدم قنابل مدفعية تعود إلى سبعين عاماً، كما واجه الاحتلال تهديدات بإيقاف إرسال السلاح، تعتبر كندا أول من طبّقها.
لا داعي إلى الخوض في مدى حقيقة الصور، لكن الفشل في إبراز الأدلة لا يقتصر على جيش الاحتلال. مرافعة الدفاع في محكمة العدل الدولية التي قدمها ممثلو إسرائيل وصفت بـ" الساذجة" و"المتخبطة"، وهذا ما ينعكس في كل السردية المدافعة عن الاحتلال الإسرائيلي التي دفعت إلى التشكيك في مركزية الهولوكوست، والخطاب النسوي، والأكاديميات في العالم والنظام القضائي، بسبب الكذب والتهويل وخطاب الضحية المفرط.

التخبط السابق يندرج ضمن الأثر طويل الأمد الذي يمكن النظر إليه بعد 7 أكتوبر. فشل تقنيات البروباغاندا الإسرائيلية التقليديّة، وقدرتها على التأثير على المؤسسات العالميّة، أصبح محط الانتقاد الشديد، ولم تعد سياسة تكميم الأفواه وشراء الذمم مجدية.
تضارب المعلومات ونشر صور غير دقيقة، سواء للرهائن أم للأسرى، أو اقتحام مستشفى الشفاء يعني أن المنظومة الإعلامية للاحتلال الإسرائيلي تُعزّز من دخولها في نظام الأخبار المزيفة؛ إذ لا تهم الحقيقة. لم تعد إسرائيل تواجه خطورة تتعلّق بخفض المعنويات، بل في غرقها في الكذب نفسه، والتحول من موقع "نشر الحقيقة" إلى "تصحيح الخطأ" و"درء الأكاذيب".

المساهمون