يصف الملياردير إيلون ماسك نفسه بأنه "مؤيد بالمطلق لحرية التعبير"، وقد توصل الشهر الماضي إلى اتفاق مع شركة تويتر للاستحواذ عليها مقابل 44 مليار دولار أميركي، ما أثار مخاوف أميركية وأوروبية من أن تشهد الشبكة الاجتماعية سيلاً من الرسائل البغيضة والتحريضية. لكن هذه الحرية التي ينادي بها ماسك يمكن أن تكون موضع اختبار في الدول العربية، حيث يقول منتقدون إن الحكومات الاستبدادية تستخدم المنصة لتعقب المعارضين وتشويه سمعتهم ونشر معلومات مضللة.
في منطقة تخضع فيها وسائل الإعلام المحلية لسيطرة الدولة، يعتمد ملايين الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي لمتابعة الأخبار والتعبير عن آرائهم. وأظهر تطبيقا تويتر وفيسبوك قدرتهما على التأثير في أحداث الحياة الواقعية خلال انتفاضات الربيع العربي عام 2011. لكن حدثت ردة عن الكثير من المكاسب الديمقراطية، ويرجع السبب في ذلك جزئياً إلى قدرة الحكومات على تعقب أنشطة المعارضين على مواقع التواصل الاجتماعي واعتقال من ينتقدها.
ترهيب الناشطين
قال مؤلف كتاب "الاستبداد الرقمي" المرتقب في الشرق الأوسط والأستاذ المساعد لدراسات الشرق الأوسط في جامعة حمد بن خليفة في قطر، مارك أوين جونز، إن بعض الدول اختارت موقع تويتر للترويج لها وترهيب الناشطين. وأضاف متحدثاً لوكالة رويترز الأسبوع الماضي: "تملّك إيلون ماسك لموقع تويتر سيؤدي ببساطة إلى تفاقم المشكلات التي نراها في المنطقة، وسيزيد من احتمالية استغلال تويتر كأداة للمراقبة والقمع". وأوضح أن "أيديولوجية (أي شيء مقبول) التي ينتهجها ماسك ستصب في مصلحة الدول الاستبدادية التي تستغل تويتر لإنشاء حسابات وهمية وترهيب الآخرين تحت ستار حرية التعبير".
أبرم ماسك صفقة لشراء "تويتر" مقابل 44 مليار دولار أميركي في 25 إبريل/نيسان، وهي صفقة ستمنحه السيطرة على منصة التواصل الاجتماعي وستحول المجموعة من شركة مدرجة في البورصة إلى شركة خاصة. وقال ماسك في بيان يومها إن "حرية التعبير هي القاعدة الصلبة لعمل الديمقراطية، وتويتر هو الساحة الرقمية المفتوحة لمناقشة المسائل الحيوية لمستقبل الإنسانية".
حذف آلاف الحسابات
يتوقع بعض الناشطين السياسيين أن تكون قيادة ماسك أقل اعتدالاً وأنه سيعيد الحسابات المحظورة، وبينها حساب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. هذا وقد رحّب ترامب باستحواذ ماسك على "تويتر"، لكنه أكد أنه لن يعود إلى المنصة، ودشن قبل أيام حساباً على منصته الخاصة "تروث سوشال".
ودعا ماسك إلى إجراء تعديلات لتسهيل استخدام الخدمة، مثل زر التعديل والقضاء على "سبام بوتس" أو برامج الرسائل المزعجة التي ترسل كميات هائلة من التغريدات غير المرغوب فيها.
ألغى موقع تويتر عام 2020 آلاف الحسابات المرتبطة بمصر وهندوراس وإندونيسيا والمملكة العربية السعودية وصربيا، إما لتلقي توجيهات من الحكومات أو للترويج لمحتوى مؤيد للحكومة. وعام 2019، أكد موقع تويتر أنه حذف ما يقرب من ستة آلاف حساب لكونها جزءاً من عملية معلومات مدعومة من الدولة نشأت في المملكة العربية السعودية. ولا تتسامح السعودية ودول أخرى في الخليج مع المعارضة أو النقد العلني، وتحظر الأحزاب السياسية والاحتجاجات. وتستغل هي ودول عربية أخرى القوانين الجنائية وقوانين الجرائم الإلكترونية للحد من حرية التعبير على الإنترنت.
رئيس قسم الخليج في مؤسسة الديمقراطية الآن للعالم العربي، عبد الله العودة، على دراية بعواقب استخدام "تويتر" في السعودية. وهو نجل الداعية الإسلامي السعودي البارز سلمان العودة، واحد من عشرات رجال الدين والناشطين والمثقفين الذين اعتقلوا في المملكة منذ صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة عام 2017. ألقي القبض على الداعية سلمان العودة الذي كان يجذب عدداً كبيراً من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي في سبتمبر/أيلول عام 2017، في منزله، بعد ساعات قليلة من نشره تغريدة يحث فيها قطر والسعودية على إنهاء الخلاف الدبلوماسي. وكان قد انتقد الرياض في السابق بشأن حقوق الإنسان.
قال العودة لـ "رويترز": "يجب أن يكون من الصعب اختراق حسابات تويتر"، في إشارة إلى قضية اتهمت فيها وزارة العدل الأميركية عام 2019 موظفين سابقين اثنين في "تويتر" ورجلاً ثالثاً من السعودية بالتجسس لصالح المملكة من خلال البحث عن بيانات خاصة لمستخدمين.
أما مريم الخواجة، وهي ناشطة بحرينية تعيش في منفى اختياري في الولايات المتحدة ويقضي والدها حكماً بالسجن مدى الحياة لدوره في الحركة المؤيدة للديمقراطية في البحرين، فقالت إن "تويتر" كان أداة فعالة خلال انتفاضة 2011. لكنها أضافت، في حديثها لـ "رويترز"، أن التطبيق سرعان ما أصبح موقعاً يُستهدف فيه الأشخاص. وأشارت إلى أن "تويتر كان بالفعل مليئاً بمشكلة المضايقات، وهذا سيزيد فقط".
لاحقت السلطات المصرية ناشطين بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، من بينهم المدافع عن حقوق الإنسان حسام بهجت الذي فرضت عليه غرامة قيمتها 10 آلاف جنيه، بعد أن اتهم مفوضية الانتخابات على "تويتر" بالتزوير عام 2021. وترى منظمة العفو الدولية أن "تويتر" يتحمل مسؤولية حماية الحق في العيش دون تمييز أو عنف.
محظور في إيران
حظرت السلطات الإيرانية تطبيقي تويتر وفيسبوك في البلاد منذ الاحتجاجات المناهضة للحكومة عام 2009، لكن ملايين الإيرانيين وجدوا طرقاً لتجاوز قيود الدولة. العديد من القادة الإيرانيين، مثل المرشد الأعلى علي خامنئي وأعضاء البرلمان، لديهم حسابات على "تويتر" رغم الحظر، ومعظمهم يمتلك حسابات متعددة بلغات مختلفة.
وألقي القبض على الصحافي الإيراني المستقل محمد مساعد عام 2019، بعد تغريدة عن قطع الإنترنت خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة بسبب ارتفاع أسعار الوقود. وكتب وقتها "هل من أحد هنا؟ أهلاً أيها العالم الحر! لقد استخدمت 42 برنامجاً مختلفاً لكتابة هذا! ملايين الإيرانيين ليس لديهم إنترنت. هل يمكنكم سماعنا؟". واحتجزته السلطات الإيرانية لأسبوعين. وأفادت لجنة حماية الصحافيين، وهي منظمة غير حكومية تدافع عن حرية الصحافة وعن حقوق الصحافيين، بأن الحرس الثوري اعتقل مساعد بعد أشهر عدة لانتقاده النظام الإيراني.