صحافيو شمال غزة في مواجهة توحش إسرائيل

09 نوفمبر 2024
حول جثمان الصحافي محمد الطناني، 9 أكتوبر 2024 (عبود أبو سلامة/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استهداف الصحافيين الفلسطينيين: منذ أكتوبر 2023، قُتل 184 صحافياً فلسطينياً في غزة، مع استمرار استهداف البنية التحتية للإعلام. أدانت الجهات الإعلامية هذه الأعمال، مطالبةً المجتمع الدولي بالتحرك لوقف الجرائم وملاحقة إسرائيل قانونياً.

- القيود على التغطية والمجاعة: تعاني غزة من نقص حاد في الغذاء والمساعدات بسبب الحصار، مما يعيق عمل الصحافيين. حذرت الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة، بينما يواجه الصحافيون نقصاً في الطعام والمياه النظيفة وانقطاع الاتصالات.

- التحريض والاعتقالات: تعرض الصحافيون لحملة تحريض واعتقالات من القوات الإسرائيلية، مع اتهامات بالانتماء لحركات إرهابية، مما يهدد حياتهم ويهدف لإسكاتهم.

ارتفع عدد الصحافيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل خلال حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى 184 صحافياً وصحافية، بعد اغتيال الصحافي في إذاعة صوت الشباب المحلية خالد أبو زر، شمالي القطاع، وفقاً لما أعلنه المكتب الإعلامي الحكومي مساء الجمعة. وأدان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة "استهداف وقتل واغتيال الاحتلال للصحافيين الفلسطينيين". وحمّل إسرائيل "كامل المسؤولية عن ارتكاب هذه الجريمة"، ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط "لوقف جريمة قتل واغتيال الصحافيين". كما طالب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بـ"ردع الاحتلال وملاحقته في المحاكم الدولية على جرائمه المتواصلة، والضغط عليه لوقف جريمة الإبادة الجماعية".

هذا وقد صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي من استهدافها الصحافيين والبنية التحتية للإعلام، إذ تواصل تنفيذ مخططها في شمال قطاع غزة منذ الشهر الماضي، مع توسيعها عمليات تفجير المنازل والبنية التحتية واستهداف كل متحرك في المنطقة مع إطباق كامل للحصار على كل مناطق الشمال واستهداف طائراتها المسيّرة كل متحرك في المنطقة.

وقد قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن خمسة صحافيين في أكتوبر الماضي، وأطلقت حملة للتحريض على ستة من صحافيي قناة الجزيرة يغطون عدوانها على شمال قطاع غزة. والآن لم يعد هناك أيّ صحافيين محترفين تقريباً في الشمال لتوثيق التطهير العرقي الذي تقوم به إسرائيل. ولم تسمح إسرائيل لوسائل الإعلام الدولية بالوصول المستقل إلى غزة منذ بدء عدوانها في أكتوبر 2023.

وفي هذا السياق، قال الصحافيون الذين أجرت لجنة حماية الصحافيين (CPJ) مقابلات معهم في أواخر أكتوبر الماضي وأوائل نوفمبر/تشرين الثاني الحالي إن الاستهداف المستمر لوسائل الإعلام، إلى جانب نقص الغذاء والنزوح المستمر وانقطاع الاتصالات الذي يعانيه جميع أهالي غزة، قيّد بشدة تغطية آثار العدوان في شمال غزة. بدأ العدوان في الخامس من أكتوبر الماضي، باستهداف بلدة جباليا ومخيم اللاجئين فيها، قبل أن يتوسع إلى شمال غزة بالكامل.

وقال مدير برنامج لجنة حماية الصحافيين، كارلوس مارتينيز دي لا سيرنا، في تقرير نشرته اللجنة أمس الجمعة: "تُتهم إسرائيل بتبني سياسة التجويع أو الإخلاء، لإجبار الفلسطينيين على الخروج من شمال غزة. ويبدو من الواضح أن الهجمات المنهجية على وسائل الإعلام والحملة لتشويه سمعة الصحافيين القلائل الذين بقوا هي تكتيك متعمد، لمنع العالم من رؤية ما تفعله إسرائيل هناك. بدون مراسلي الحرب، لن يتمكن العالم من كتابة التاريخ". وحذرت لجنة حماية الصحافيين، ومقرها مدينة نيويورك الأميركية، من أن "الفجوة الإخبارية" هي أحد الآثار المباشرة لما ترتكبه إسرائيل في شمال غزة، "مما قد يترك جرائم الحرب المحتملة من دون أدلة أو توثيق".

ووثقت اللجنة بعض ما شهده الصحافيون في شمال غزة خلال الأسابيع الأخيرة:

قتل صحافيين بغارات جوية

أكدت اللجنة استشهاد خمسة صحافيين على الأقل في جباليا ومدينة غزة منذ 6 أكتوبر الماضي، بينهم المصور الصحافي حسن حمد في مخيم جباليا شمال قطاع غزة. ووصل جثمان حمد الذي يعمل مصوراً مع عدد من وسائل الإعلام، بينها وكالة الأناضول، إلى مستشفى كمال عدوان عبارة عن أشلاء وسترة صحافية كان يرتديها. ومن خلال شعره، علم شقيقه محمد حمد أن الأشلاء تعود إلى أخيه حسن الذي كان في الـ18 من عمره.

وقتلت غارة إسرائيلية محمد الطناني، وهو مصور فلسطيني كان يبلغ من العمر 26 عاماً ويعمل لصالح قناة الأقصى، وذلك في مخيم جباليا. أدت الغارة نفسها إلى إصابة زميله المراسل تامر لبد. وكان كل منهما يرتدي سترة وخوذة عليها كلمة "صحافة".

خلال الشهر نفسه، قتلت إسرائيل الصحافيين نادية عماد السيد وسعيد رضوان وحنين بارود، إلى جانب ثمانية آخرين، بغارة جوية على مدرسة تؤوي نازحين في مدينة غزة. وأصابت القنابل إحدى الصفوف التي حولوها إلى غرفة أخبار مؤقتة.

وقال المصور في قناة الغد، عبد الكريم الزويدي، للجنة حماية الصحافيين: "الوضع كارثي، ولا يمكن وصفه. لا نعرف ما سيكون مصيرنا في ضوء هذه الظروف".

المجاعة وعرقلة المساعدات

منعت إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ بداية العدوان، وتعرقل دخول الطعان والمساعدات الإنسانية من إلى شمال القطاع منذ الأول من أكتوبر الماضي، وأمرت الكل بإخلاء المنطقة، مما جعل من المستحيل تقريباً على الصحافيين مواصلة عملهم.

وقد حذرت مساعدة المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني ترمبلي، من "احتمال وقوع مجاعة وشيكة في شمال غزة إن لم يتم التحرك خلال أيام لإنقاذ الأرواح بحسب إنذار صادر للتو عن لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي والتي أصدرت إنذاراً/ تقريراً حول ذلك تعرب فيه عن قلقها". ويشير الإنذار إلى "أن المجاعة تحدث في شمال غزة أو وشيكة الحدوث في أجزاء من شمال غزة" بسبب الأوضاع المتدهورة. وفي أول تعليق رسمي لها على التقرير على منصة إكس (تويتر سابقاً)، قالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيدني ماكين، "إن المجاعة على الأغلب تحدث الآن أو على وشك الحدوث في شمال غزة. ولا بد من اتخاذ الخطوات الفورية الآن من أجل السماح بتدفق آمن لمنع وقوع كارثة واسعة النطاق".

وصرّح الزويدي، للجنة حماية الصحافيين، بأن الصحافيين، مثل معظم الفلسطينيين في شمال غزة، "لم يحصلوا على طعام أو مياه نظيفة للشرب منذ أكثر من 20 يوماً". وأضاف أن معظم الصحافيين "يحاولون تناول الحد الأدنى من الطعام الذي يبقيهم على قيد الحياة"، ويشربون "مياه شبه صرف صحي مليئة بالجراثيم".

اعتقالات

اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي رئيس تحرير قناة القدس اليوم الفضائية نضال عليان في الثاني والعشرين من أكتوبر في بيت لاهيا. وقالت زوجته، للجنة حماية الصحافيين، إن قوات الاحتلال أصدرت أمراً عبر مكبر صوت طائرة بدون طيار للأهالي بإخلاء المنطقة والتوجه إلى مدرسة بالقرب من مستشفى كمال عدوان. وعندما وصلوا، فصل الجنود الإسرائيليون الرجال عن النساء، واحتجزوا عليان. ولا يزال مكانه مجهولاً.

كما احتجز جيش الاحتلال الإسرائيلي عبد الكريم الزويدي من قناة الغد لعدة ساعات في الخامس والعشرين من أكتوبر. بعد نحو أربع ساعات من القصف وإطلاق النار على مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، قال الزويدي للجنة حماية الصحافيين إن القوات الإسرائيلية أمرت الجميع في المستشفى بالخروج إلى الساحة والتعري تماماً. وأضاف أن أيديهم كانت مقيدة بإحكام، وأجبروا على السير إلى ثكنة عسكرية إسرائيلية قريبة، يتبعهم الجنود والدبابات. وأفاد بأن الجنود وضعوا فوهات بنادقهم على رؤوس المعتقلين، وأمروهم بالركوع ورؤوسهم على الأرض لأكثر من خمس ساعات في الشمس. وقال إن الجنود ضربوه مرتين قبل إطلاق سراحه.

قيود على التغطية

الصحافيون الذين تحدثوا إلى لجنة حماية الصحافيين أكدوا أن عدد المراسلين المتبقين لتوثيق الفظائع في شمال غزة قليل للغاية. ويتعين على أولئك الذين بقوا أن يكافحوا مع انقطاع الاتصالات والإنترنت الذي يحد من قدرتهم على التغطية. ويحاول الصحافيون الاستمرار في التحايل على هذه القيود باستخدام بطاقات SIM الإلكترونية، لكن الحاجة إلى العثور على مناطق مرتفعة لالتقاط إشارة تزيد من خطر استهدافهم من قبل القوات الإسرائيلية. وقال الزويدي: "أواجه الموت في كل لحظة في محاولاتي لتوفير التغطية الإعلامية وإبقاء شمال قطاع غزة في دائرة الضوء".

تحريضٌ على آخر الشهود في شمال غزة

في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حرّض جيش الاحتلال الإسرائيلي مباشرة على ستة صحافيين فلسطينيين في غزة. وزعم أن الصحافيين الستة الذين يعملون في قناة الجزيرة "إرهابيون" و"ينتمون إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي". والصحافيون هم: أنس الشريف، وعلاء سلامة، وحسام شبات، وأشرف السراج، وإسماعيل أبو عمر، وطلال العروقي. ومعظمهم سبق أن تعرّضوا لاستهدافات واعتداءات إسرائيلية بالفعل خلال الأشهر الأخيرة.

ونبهت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فرانشيسكا ألبانيز، إلى أن "هؤلاء الفلسطينيين الستة هم من بين آخر الصحافيين الذين نجوا من الهجوم الإسرائيلي على غزة (...) وصفهم بالإرهابيين يبدو كحكم بالإعدام".

وردّ الصحافي حسام شبات على مزاعم الاحتلال حينها ببيان، قال فيه إن "الجيش الإسرائيلي نشر ملفات ملفقة تتهمنا، نحن آخر الصحافيين في شمالي غزة الذين يغطون حملة الإبادة والتطهير العرقي التي تشنها إسرائيل، بالإرهابيين. هذه المحاولة الصارخة والعدوانية لتحويلنا، نحن آخر الشهود في الشمال، إلى أهداف للقتل، تشكل تهديداً بالاغتيال ومحاولة واضحة لتبرير قتلنا مسبقاً". وأضاف شبات: "نود أن نذكّر الجميع بأنه بعد اغتيال زميلنا إسماعيل الغول، نشرت إسرائيل وثيقة زعمت أنه حصل على رتبة عسكرية في الأول من يوليو/تموز 2007، عندما كان طفلاً في العاشرة من عمره". ورأى أن "هذا التهديد العلني من دون أي دليل هو جزء من حملة دعائية منهجية لتبرير ما لا يمكن تبريره، بينما تواصل إسرائيل استهداف المدنيين في غزة".

المساهمون