صحافيو الضفة الغربية في مواجهة الرصاص والجرافات

09 سبتمبر 2024
مراسل التلفزيون العربي عميد شحادة (العربي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تصاعد الاعتداءات على الصحافيين**: شهدت الضفة الغربية تصاعداً في الاعتداءات على الصحافيين خلال تغطية اقتحامات جيش الاحتلال، مما جعل التغطية الإعلامية محفوفة بالمخاطر.
- **استهداف مباشر وملاحقات**: تعرض الصحافيون لمحاولات دهس بالجرافات وإطلاق نار مباشر، مما جعلهم يشعرون بخطر حقيقي على حياتهم، كما أكدت الصحافية شذى حنايشة ومراسل التلفزيون العربي عميد شحادة.
- **التضييق على الصحافة الفلسطينية**: توثق تقارير مركز "مدى" 673 انتهاكاً بحق الصحافيين، بما في ذلك استشهاد 172 صحافياً واعتقال 98 آخرين، مما يعكس سياسة ممنهجة لتقييد حرية الصحافة.

يشهد العمل الصحافي في الضفة الغربية تعقيدات متزايدة، خصوصاً خلال تغطية اقتحامات جيش الاحتلال الإسرائيلي المتكررة. هذه الاقتحامات باتت أكثر خطورة مع تصعيد الجيش الإسرائيلي لاعتداءاته على المراسلين والمصوّرين، وقد ازدادت حدتها خلال العمليات العسكرية الأخيرة، خصوصاً في مخيمات شمالي الضفة. ويعاني صحافيو الضفة الغربية استهدافات خطيرة تشمل إطلاق النار المباشر، وملاحقات بالجرافات، ما يجعل من التغطية الإعلامية مهمة محفوفة بالمخاطر.

صحافيو الضفة الغربية... استهداف مباشر

خلال الأشهر الأخيرة، تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية، وعاش صحافيو الضفة الغربية الذين يغطون الأحداث على وقع استهدافات متكررة. وشهدت الأيام العشرة الأخيرة التي ترافقت مع اجتياح مخيمات شمالي الضفة عشرات الاعتداءات والمضايقات، التي شكلت خطراً حقيقياً على حياة الصحافيين. ووثّق المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية "مدى" خمسة اعتداءات خطيرة خلال هذه الفترة، من بينها حادثتا إطلاق نار في بلدة كفردان ومدينة جنين، ما أسفر عن إصابة خمسة صحافيين، وهم: محمد منصور، وأيمن النوباني، ويزن حمايل، وشذى حنايشة، ورونالدو شميدت. كما أصيبت مركبة مصورة وكالة رويترز رنين صوافطة، بينما تعرضت مواقع أخرى عدة لإطلاق النار، مثل مدينة الخليل.
إلى جانب خطر الرصاص، كان لافتاً مشهد ملاحقة الصحافيين بجرافة ضخمة من نوع D9 في مدينة جنين، ومحاولات دهسهم في مخيمات طولكرم ونور شمس. وفي حديثها مع "العربي الجديد"، تروي الصحافية شذى حنايشة تفاصيل تلك اللحظات المرعبة قائلة: "كنا نصور تجريفات الجيش على أطراف شارع نابلس، حين حاولت الجرافة دهسنا. اضطررنا إلى الهرب في كل اتجاه، لكن جنود الاحتلال أطلقوا الرصاص علينا، وأصبت بشظايا في فخذي الأيمن".
تضيف حنايشة أن الاستهداف كان متعمداً وممنهجاً، حيث تم تكرار محاولات دهس الصحافيين أكثر من مرة، سواء باستخدام الجرافات أو المركبات العسكرية. كما أشارت إلى أن الهدف الأساسي من هذه الاعتداءات هو منع نقل الحقيقة، قائلة: "يحاولون إسكات صوت الصحافة الفلسطينية، والسماح فقط بنقل رواية الاحتلال التي تصور الفلسطينيين إرهابيين".
بينما قال مراسل التلفزيون العربي عميد شحادة: "كل ما غطيناه والخطر الذي رافقنا في السنوات السابقة، لا يشبه ما تعرضنا له في العملية العسكرية التي استمرت عشرة أيام في جنين ومخيمها" مضيفاً: "لقد شاهدت الموت حرفياً وليس مجازاً".
تابع شحادة في حديثه مع "العربي الجديد": "تعرضت أنا وزميلي المصور ربيع منيّر وعدد من الزملاء للاستهداف بشكل مباشر، أكثر من مرة في يوم واحد وهو اليوم السادس للعملية، تعرضنا لمحاولات قتل عدة، الأولى عبر إطلاق الرصاص عن مسافة أمتار، ولاحقاً عندما هاجمتنا جرافة واضطررنا إلى الهروب منها إلى  مخزن صغير فلاحقتنا وبدأت بهدم المخزن علينا، ثمّ توقفت عندما اكتشف سائق الجرافة أن هدم الأعمدة الإسمنتية على المخزن يحتاج إلى وقت طويل".
وتابع شحادة: "لا يوجد أي مكان آمن في جنين ومخيمها للصحافيين، كنا نعتقد أن الفندق الذي يقيم فيه جميع الصحافيين في جنين هو الأكثر أماناً، لكن بمجرد أن بدأت العملية العسكرية قام القناصة باعتلاء الأبنية العالية المقابلة للفندق وألقوا النار على الغرف والشرفات". وأضاف: "خلال عشرة أيام استطعت العودة إلى البيت مرة واحدة لأحضر ملابس نظيفة، حينها وقفت طفلتي كرمل (4 سنوات) على الباب من الداخل وبدأت بالصراخ والبكاء لا تريدني أن أخرج من البيت خوفاً من أن يقتلني الجنود".

ملاحقات غير مسبوقة واستهداف مباشر

أكد الصحافي خالد بدير، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ما شهده خلال الاجتياح الأخير لم يكن مسبوقاً، واصفاً تلك الأحداث بأنها "تنفيذ لقرار باستهداف الصحافيين بشكل مباشر". ويروي بدير تفاصيل ملاحقة الجرافة لهم قائلاً: "اعتقدنا أن الجرافة ستتوقف عند نقطة معينة، لكنها واصلت التقدم وحاصرتنا. كدنا نُسحق عندما حاولنا اللجوء إلى أحد المحلات التجارية".
لم تكن هذه الحادثة الوحيدة، فقد تعرض بدير وزملاؤه لإطلاق النار مباشرة حين حاولوا الوصول إلى دوار عصفور في جنين لتغطية الأحداث. على الرغم من محاولاتهم التعريف عن أنفسهم باللغات العربية والإنكليزية والعبرية، لم يلتفت جنود الاحتلال لهذه المحاولات وأطلقوا النار عليهم، على الرغم من ارتدائهم السترات الصحافية التي تميّزهم.

النجاة من الموت في طولكرم

في مدينة طولكرم، تحديداً في مخيمها، عاش صحافيو الضفة الغربية لحظات مرعبة، ويروي مصور قناة الجزيرة فادي ياسين تفاصيل محاولة النجاة من الموت بعد أن أوهم جيش الاحتلال الأهالي والصحافيين بانسحابه من المخيم في 4 سبتمبر/أيلول الحالي، بينما كان ياسين مع طواقم صحافية أخرى بينها التلفزيون العربي. يقول ياسين: "دخلنا المخيم مع طواقم صحافية أخرى لتوثيق آثار الدمار، لكن سرعان ما فوجئنا بتجدد الاقتحام وإطلاق النار علينا". كانت الطواقم ترتدي السترات التي تميّزهم صحافيين، لكن ذلك لم يمنع من إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة، ما زاد من شعورهم بالخطر.

الحوادث المتكررة التي تعرضت لها الطواقم الصحافية في طولكرم لم تقتصر على إطلاق النار فقط، بل تشمل أيضاً محاولات دهس متعمدة، أو تخويفهم بالاقتراب السريع من الجرافات والمركبات العسكرية. تقول الصحافية نغم زايط: "تعرضنا لاعتداءات متكررة، خاصة خلال التغطيات الليلية، ما أدى إلى إصابتي في رجلي نتيجة الهروب من قنابل الغاز".

التضييق على الصحافة الفلسطينية

لا يتوقف استهداف الصحافيين الفلسطينيين عند محاولات القتل أو الإصابة، بل يتعداه إلى محاولات مستمرة لمنعهم من نقل الحقيقة على الأرض. يرى صحافيو الضفة الغربية أن هذه الاعتداءات جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى تقييد حرية الصحافة في الأراضي المحتلة، ومنع العالم من الاطلاع على الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
يقول خالد بدير: "نتلقى رسائل واضحة من الاحتلال، مفادها أن الصحافة الفلسطينية غير مرحب بها، وأن نقل الحقيقة يعد جريمة تستوجب العقاب. ورغم المخاطر الكبيرة، نحن نواصل العمل لتقديم الصورة الحقيقية".

إحصاءات وأرقام

تؤكد تقارير مركز "مدى" أن الصحافيين الفلسطينيين يعانون اعتداءات يومية، سواء في غزة أو الضفة الغربية. على مدى 11 شهراً، وثق المركز 673 انتهاكاً وجريمة ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الصحافيين. هذه الجرائم أدت إلى استشهاد 172 صحافياً في قطاع غزة برصاص الاحتلال وقذائفه، إضافة إلى اعتقال 98 صحافياً، ما زال 52 منهم يقبعون في سجون الاحتلال حتى اليوم.
ولا تأتي الاعتداءات المتكررة على الصحافيين الفلسطينيين عشوائية، بل تعد جزءاً من سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى السيطرة على الإعلام وحجب الحقائق. تستهدف هذه السياسة التضييق على الصحافيين الفلسطينيين، وتعطيل عملهم لمنعهم من نقل الأحداث كما هي، خصوصاً في أوقات الاجتياحات العسكرية الكبيرة.
ورغم المخاطر الكبيرة التي يواجهها الصحافيون الفلسطينيون، يواصلون عملهم بإصرار، مدركين أن نقل الحقيقة هو واجبهم الأساسي، مهما كان الثمن.

المساهمون