يخوض صحافيون لبنانيون المعركة الانتخابية النيابية المرتقبة في 15 مايو/ أيار 2022. واللافت أنّ أغلبهم اختار شعار التغيير ومواجهة المنظومة السياسية التي كان لهم دور إلقاء الضوء على فسادها، معوّلين على "فورة" انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 والأزمة الاقتصادية التي عرّت الطبقة الحاكمة في البلاد، وآملين أن يُترجم ذلك في سحب ثقة المواطنين عنها في الانتخابات.
ويخوض الصحافيون بغالبيتهم الاستحقاق ضمن تحالفات مستقلة، بعدما خلع بعضهم زيه الحزبي باستثناء قلّة دخلت لوائح السلطة، علماً أنّ من بينهم من سبق أن خاض التجربة عام 2018 ووصل إلى سدّة البرلمان، وآخرين عجزوا عن الفوز لكنهم قرروا إعادة الكرّة إيماناً بإحداث الفرق هذه السنة بحكم انعكاس التطورات على الحسابات الانتخابية، فيما قسمٌ يخوض غمار المعركة للمرة الأولى بتوقيت يعتبره مثالياً للتغيير.
ووفقاً للباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، فإنّ 13 صحافياً ترشحوا لدورة 2022، في حين ترشح عام 2018 17 صحافياً وإعلامياً.
الإعلامية بولا يعقوبيان التي كسبت انتخابات 2018، وقدمت إبان انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب 2020 استقالتها من مجلس النواب تعود اليوم لتترشح عن مقعد الأرمن الأرثوذكس في دائرة بيروت الأولى ضمن "تحالف وطني". وتقول لـ"العربي الجديد" إن "الصحافيين هم الأكثر جهوزية لخوض غمار السياسة، خصوصاً العاملين في مجال الصحافة السياسية، ويتمتعون بالقدرة على التعبير وإيصال أفكارهم بطريقة أفضل. وحسب التجربة فإن الصحافيين كانوا أكثر السياسيين إلى جانب الناس، كونهم على تماسٍ معهم ويعرفون همومهم ومعاناتهم".
وتلفت يعقوبيان إلى أن مهنة الصحافة تؤهل الشخص لأن يكون سياسياً جيّداً في موقع جيّد، معتبرةً أنّه "من المفرح أن نرى إقبال الصحافيين على الترشح، خصوصاً أن أكثريتهم من المستقلين الذين خرجوا من تجربة علمتهم وجعلتهم يدركون أن الأحزاب هدّامة ولن تبني يوماً دولة وقد أوصلت البلاد إلى الدمار الشامل، وإيماني كبير بالصحافيين باعتبارهم الأدرى بالملفات ويمتلكون الجرأة الكافية للمواجهة، كما أن حظوظهم تبقى أكبر عندما يكونون من الوجوه المعروفة والموثوقة، خصوصاً في ظل القانون الانتخابي الذي يعتمد على الصوت التفضيلي".
وتشير يعقوبيان إلى أن أكثر عمل مشرّف قامت به هو الاستقالة، "فماذا ينفع أن يكون في برلمان بوجه وحوش وبلوكات لا تقوم إلا بالضحك على الناس كي تعيد الاقتراع لها وتستمر هي في النهج نفسه؟"، مؤكدة في هذا الإطار أنّ "الاختلاف هذه المرة أننا سنكون كتلة لا شخصاً واحداً، ولن نقبل في حال الفوز أن نقبض رواتبنا ونستمر ونغطي مجلساً غير شرعي إذا لم نتمكن من إحداث التغيير الحقيقي في حياة الناس".
من جهتها، قررت الصحافية ليال بو موسى خوض معركة الانتخابات للمرة الثانية بعد دورة عام 2018 والترشح في قضاء البترون دائرة الشمال الثالثة عن المقعد الماروني، منضويةً ضمن "ائتلاف شمالنا" لإحساسها بواجب مواجهة السلطة وضرورة المبادرة لاسترجاع صوت الناس وتحقيق مشروع القوى التغييرية وصولاً لبناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة وقادرة، وفق ما تقول. وتضيف "عام 2018 ترشحت ضمن لائحة (كلنا وطني)، ونبهنا إلى أننا مقبلون على أزمة اقتصادية ومالية، بيد أن شعارات ودعايات كاذبة علت من جانب الطبقة السياسية ومرشحيها كـ(الليرة بخير)، بهدف سرقة أصوات الناس، ونحن اليوم نعيد ونكرر طلب نيل الثقة لنغيّر معاً ونبني الوطن الذي نحلم به".
وترى بو موسى في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ "تجربة الصحافي في خوض غمار الانتخابات النيابية والحياة السياسية محقة"، فعلى الصعيد الشخصي هي متابعة للأوضاع وملفات الفساد، ولا سيما ربطاً بعملها في التحقيقات الاستقصائية لسنوات طويلة عدا عن امتلاك رؤية اقتصادية سياسية من خلال التغطيات والرصد اليومي.
وفي وقت تؤكد بو موسى أنّها تحرص على نقل الخبر السياسي بموضوعية ضمن إطار المبدأ الأخلاقي المهني بمعنى عدم تأليف شائعات وما إلى ذلك، تشدد في المقابل على أنّها "غير موضوعية بين الخير والشر، وبين الظالم والمظلوم، هكذا هي كشخص وكصحافية وفي أي وظيفة تتولاها وتعمل على تطبيق شروطها بحذافيرها، إذ إنّ الهدف الأساسي ألّا نخذل مبادئنا أو نكذب على أنفسنا قبل الناس حتى". وكما في عام 2018، كذلك في 2022، اختارت بو موسى أن تترك العمل مؤقتاً في قناة "الجديد" لخوض المعركة الانتخابية.
الصحافي حسين درويش قرّر بدوره الترشح للانتخابات عن المقعد الشيعي في دائرة بعلبك الهرمل، واختار الدخول في لائحة وسطية بعيداً من حزب "القوات اللبنانية" و"حزب الله"، على أن يكون اهتمامه الأول الوضع المعيشي للمواطن اللبناني في ظلّ انهيار العملة الوطنية والغلاء الفاحش الذي أعدم قدرة الناس الشرائية، وفق ما يؤكد لـ"العربي الجديد". وعلى الرغم من علمه بصعوبة المعركة، فإن درويش يشير إلى أنّه "سيرفع الصوت عالياً كإنسان مستقل ولا نقبل التزكية، من هنا أهمية الترشح لإحداث التغيير"، آملاً أن يحظى بثقة الناس الذين هو منهم ويعيش همومهم ومشاكلهم وهو مستمرّ بأدائه هذا بغض النظر عن النتائج انطلاقاً من عمله الصحافي.
رياض طوق الذي قرر عام 2018 الترشح للانتخابات النيابية قبل أن يسحب ترشيحه ضمن المهلة المحددة لعدم القدرة على تشكيل لائحة يطمح إليها، عاد واختار هذه الدورة خوض المعركة عن المقعد الماروني في قضاء بشري دائرة الشمال الثالثة مع "ائتلاف شمالنا"، آملاً ليس فقط في الوصول إلى سدة البرلمان بل بتشكيل كتلة نيابية قادرة على إثبات وجودها وإحداث الخرق ورسم مشوار التغيير الذي يصبو إليه مستقبلاً. يقول طوق لـ"العربي الجديد" إن "الصحافي يملك حظوظاً أكبر للفوز باعتبار أنه اجتاز نصف المسافة المطلوبة لتعريف الناخب إليه، نظراً لعمله ومهنته التي تجعله منخرطاً مع الناس ووجهاً معروفاً، يبقى عليه إيصال مشروعه وأفكاره وطروحاته التي يمكن للشخص أن يتبناها ويمنحه صوته أو لا".
ويلفت طوق إلى "جرأة الصحافي يمكن أن تسهل له مهامه وأهدافه ومقاربته لجميع الملفات وتمنحه سلاح المواجهة وصنع الفارق لكن هذه المرة من داخل المؤسسات لا فقط عبر المنابر الإعلامية، فمثلاً هو تمكن من خلال برنامجه التلفزيوني وعمله ضمن الصحافة الاستقصائية من كشف فضيحة أموال (بي سي آر) مطار رفيق الحريري الدولي وتمكن من تحريك الرأي العام والقضاء واسترجاع مبلغ 50 مليون دولار لصالح الجامعة اللبنانية". ويشدد طوق على أنّ "الصحافي المستقل يمكنه أن يكون رأس حربة، وهو ما أظهرته الوقائع والأحداث بعد انتفاضة 17 أكتوبر تحديداً، خصوصاً إبان انفجار مرفأ بيروت التي لعبت فيه الصحافة اللبنانية دوراً كبيراً يوازي دور القضاء".
ومن بين الوجوه الإعلامية المعروفة في لبنان التي قررت الترشح لانتخابات 2022 أيضاً الإعلامي جاد غصن عن المقعد الماروني في قضاء المتن مع مجموعة "مواطنون ومواطنات في دولة" على لائحة "قادرين نخلي الأزمة فرصة". كما أعلن الصحافي في "النهار" محمود فقيه ترشّحه عن المقعد الشيعي في دائرة بيروت الثانية مع "تحالف وطني". كذلك، استقال رئيس تحرير "لوريان لوجور" ميشال الحلو من منصبه قبل أشهر، ليتقدم بترشيحه عن مقعد في بعبدا مع "الكتلة الوطنية اللبنانية".
بعيداً من لوائح المعارضة والمستقلين، قرّر مدير الأخبار والبرامج السياسية السابق في قناة "أم تي في" غياث يزبك أن يخطو خطوة زميلته جيسيكا عازار، بخوض الانتخابات مع حزب "القوات اللبنانية"، وذلك عن المقعد الماروني في قضاء البترون، معلناً استقالته من المحطة التي أمضى فيها أكثر من عشرين عاماً. يعوّل يزبك على خطاب الحزب التغييري ومواقفه إبان انتفاضة 17 أكتوبر التي يرى القوات نفسه ضمنها، معتبراً أنه خارج المنظومة الحاكمة التي أوصلت البلد إلى الانهيار. ويخوض يزبك معركة شرسة بمواجهة الغريم الأكبر لـ"القوات" النائب جبران باسيل، رئيس "التيار الوطني الحر" وصهر رئيس الجمهورية الذي سبق أن واجهه إعلامياً عبر مقدمات إخباريّة. ويطمح يزبك إلى كسب المعركة، معتبراً أن "القوات تشكل ضمانة لبقاء لبنان".
أيضاً على خطى يزبك، أعلنت المرشحة عن المقعد الماروني في دائرة كسروان جبيل الإعلامية كارن البستاني خوض الانتخابات بدعم من حزب "القوات اللبنانية". وترى بستاني أنها "بنت الثورة، والقوات حزب وضع استراتيجية وطنية سيادية وواضحة ترفض السلاح غير الشرعي من هنا تتحالف معه عن قناعة كاملة لإيمانه بلبنان السيد الحر المستقل"، مبررةً تحالفه مع عون الذي أوصله إلى سدة الرئاسة بأن التفاهم كان فرصة لإثبات وجه لبنان السيادي، لكنّ عون أضاعه.
وللمرة الثانية رغم خسارتها عام 2018، قررت الإعلامية ماغي عون الترشح عن المقعد الماروني في دائرة البقاع الغربي راشيا على لائحة "ائتلاف سهلنا والجبل" المستقلة، في مسار اختارته أيضاً من جديد الإعلامية غادة عيد عن المقعد الماروني في دائرة الشوف – عاليه مع القوى التغييرية. في حين قرر الإعلامي سيمون أبو فاضل سحب ترشحه بعد تسجيله عن المقعد الماروني في قضاء المتن.
وفي السياق الانتخابي، تقول مديرة البرامج في مؤسسة "مهارات" ليال بهنام، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ترشح الصحافيين ظاهرة ليست غريبة عن لبنان، فهم موجودون في الفضاء العام وعلى تماس مع الناس وهمومهم ومشاكلهم، ونحن رصدنا إبان تظاهرات 17 أكتوبر أن الصحافيين كانوا الأكثر تأثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي في تلك الفترة، وبالتالي لا نستغرب إعلان نيتهم الترشح وخوضهم هذه الانتخابات".
وتتوقف بهنام عند نقطة أساسية وهي ترتبط بعملهم الصحافي في مرحلة الانتخابات، إذ إنّ "القانون لا يوجب استقالتهم في حال أرادوا الترشح وهو حال الوزراء مثلاً وقد رأينا عام 2018 كيف أنّ وزراء مناطاً بهم إدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها كانوا في الوقت ذاته مرشحين واستغلوا المؤسسات العامة وعملهم الإداري الانتخابي لأهداف انتخابية، لكن في المقابل فإنّ المعايير المهنية تحتم تعليق العمل الصحافي في فترة الترشح لأنّ على الصحافي ألّا يستغل المنابر الإعلامية حيث يعمل لمآرب انتخابية والظهور للترويج لنفسه".