شينيد أوكونور... حياة عبرت وانتهت بداعي الإرهاق

27 يوليو 2023
أحدث ألبومها الأول "ذا لاين أند ذا كوبرا" ضجة كبيرة فور صدوره (كيتلين موغريدج/Getty)
+ الخط -

عام 1992، مباشرة على هواء برنامج "ساترداي نايت لايف"، حملت شينيد أوكونور صورة بابا الفاتيكان آنذاك، يوحنا بولس الثاني، ومزقتها بهدوء وهي تغني، تنديداً بالاعتداءات الجنسية على الأطفال داخل الكنيسة. كان ذلك في زمنٍ آخر. زمن كان الحديث فيه عن هذه الاعتداءات فعل جنون، وزمن كان فيه يوحنا بولس الثاني، الرجل الأقوى في العالم، بعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفييتي. فعلتها الفنانة الأيرلندية خلال برنامج أميركي، ما تسبب لها بمشاكل كثيرة، في وقت كان الكاثوليك الأميركيون يقدسون كنيستهم، ما تسبب بدهس عربة صناعية لأسطواناتها في ساحة تايمز سكوير أمام أعين الصحافيين وتهليلات "المؤمنين" الخائفين على سمعة الكنيسة، ورأسها، أي بابا الفاتيكان.

رحلت أوكونور الأربعاء عن 56 عاماً، بعد مسيرة امتزجت فيها الموسيقى بالمواقف الصاخبة، وتلك الجنونية في أحيانٍ كثيرة. اشتهرت الفنانة الأيرلندية بأغنيات عاطفية من أشهرها "ناثينغ كومبيرز تو يو" Nothing Compares 2 U.

في مسيرتها المهنية التي بلغت ذروتها في التسعينيات، أصدرت المغنية ذات الرأس الحليق عشرة ألبومات فردية، بدءاً من عام 1987 من خلال ألبوم "ذا لاين أند ذا كوبرا" The Lion and the Cobra، وانتهاءً بـ"آيم نات بوسي، آيم ذا بوس" I'm Not Bossy, I'm the Boss عام 2014. وتطرقت في هذه الأعمال المتعددة إلى مختلف الأنماط، من الموسيقى الأيرلندية التقليدية إلى البلوز والريغي.

وُلدت شينيد أوكونور في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1966 في دبلن، وعاشت طفولة صعبة، إذ تعرّضت في سنوات صغرها إلى إساءات "جنسية وجسدية ونفسية وروحية وعاطفية ولفظية". وقد قُبض عليها مرات عدة على خلفية اتهامها بالضلوع في عمليات سرقة، قبل إرسالها إلى إصلاحية تديرها الكنيسة، حيث شجعتها راهبة في تنمية شغفها بالموسيقى عبر شراء غيتار لها.

وكانت بدايات أوكونور من الشوارع والحانات في دبلن، حيث ساعدتها الحاجة إلى إسماع كلمتها وسط الضجيج السائد. في سن العشرين، انتقلت إلى لندن وسجلت ألبومها الأول عندما كانت حاملاً بطفلها الأول. طلبت منها شركة الإنتاج حينها اعتماد مظهر أنثوي أكثر، ما أثار استياءها. وقالت أوكونور لصحيفة ذا ديلي تلغراف البريطانية عام 2014: "لقد دعوني لتناول الغداء، وقالوا إنهم يرغبون في رؤيتي أرتدي تنانير قصيرة وأحذية ذات كعبٍ عالٍ وأن أترك شعري ينمو". بعد فترة وجيزة، طلبت المغنية من مصفف شعر يوناني شاب حلق رأسها، "لم يكن يريد أن يفعل ذلك، لقد كاد يبكي. أما أنا فقد كنت سعيدة بالأمر"، قالت في إحدى المقابلات.

أحدث ألبومها الأول "ذا لاين أند ذا كوبرا" ضجة كبيرة فور صدوره. وتلاه بعد ذلك بثلاث سنوات ألبوم "آي دو نات وانت وات آي هافنت غوت" I Do Not Want What I Haven't Got الذي ضم أغنية "ناثينغ كومبيرز تو يو" التي كانت عاملاً رئيسياً في شهرتها العالمية، من تأليف الفنان الأميركي برينس. وصرّحت أوكونور عام 2013: "أعتقد أن عليّ القول إن الموسيقى أنقذتني. لقد كنت أمام خيارَي السجن أو الموسيقى. كنت محظوظة".
جعلها رأسها الحليق ونظراتها الثاقبة وصوتها الرقيق نجمة في أنحاء العالم كافة، ودائماً ما كانت تقدم حفلات استُنفدت كل تذاكرها. كما كانت معروفة أيضاً بمناصرتها لحقوق المرأة وانتقادها للاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة الكاثوليكية في أيرلندا. ولم تكن تكشفت بعد يومها آلاف حالات الاعتداءات الجنسية على الأطفال والمراهقين التي ارتكبها رجال الدين في أيرلندا بين ستينيات القرن العشرين وتسعينياته. وتسببت مرة أخرى في فضيحة عام 1999 عندما أعلنت كنيسة أيرلندية منشقة سيامتها "كاهنة". أعلنت أوكونور عام 2018 اعتناقها الإسلام، موضحة أنها ستغير اسمها إلى شُهداء.
وكانت مسيرتها قد بدأت بالتراجع اعتباراً من منتصف التسعينيات، ولم تعد ألبوماتها تثير الاهتمام نفسه. وفيما كانت تخوض معركة حضانة ابنتها رويزين، باتت مشاكلها الشخصية تغطي على أعمالها الموسيقية. وقررت عام 2003 وضع حد لمسيرتها الموسيقية، لكنها عادت وأصدرت بعد عامين ألبوماً لموسيقى الريغي بعنوان "ثرو داون يور آرمز" Throw Down Your Arms.
تزوجت أربع مرات، ورزقت أربعة أطفال وُلِد آخرهم في نهاية عام 2006. وقد صدر ألبومها الأخير عام 2014 بعنوان "آيم نات بوسي، آيم ذا بوس" ولقيَ استحساناً نقدياً. لكنّ أوكونور ألغت كل حفلاتها في منتصف عام 2015 بداعي "الإرهاق"، وفق وكالة فرانس برس.
في السنوات الأخيرة، كانت أوكونور تعبّر عن تقلباتها النفسية على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد هددت شركاءها السابقين باتخاذ إجراءات قانونية ضدهم، وتحدثت عن مشاكل صحتها الجسدية والعقلية، وأظهرت ميولها الانتحارية، وتطرقت إلى علاقتها المعقدة مع عائلتها وأطفالها. كما أعلنت في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 عبر موقع فيسبوك أنها حاولت الانتحار. وعام 2022، أنهى نجلها شاين البالغ 17 عاماً حياته. وشكّل انتحاره صدمة تركت أثراً سلبياً كبيراً على حياتها، وأُدخلت المستشفى بعدما كشفت عبر شبكات التواصل الاجتماعي أنها تعتزم الانتحار هي الأخرى.
المساهمون