تجسد ملصقات وشعارات كأس العالم لكرة القدم، أول اتصال مرئي بالبطولة. لم تتغير وظيفة الشعارات لإعلان البطولة، رغم تطور البث التلفزيوني واحتوائه على جميع العناصر المرئية اللازمة، إلا أن الشعار وملصقاته تتخذ حيزاً تعبيرياً كثيفاً، يشكّل سجلّاً في خزانة التاريخ لنمو الرياضة الأكثر شعبية. ها نحن نقترب من موعد انطلاق بطولة كأس العالم في قطر، بشعار جديد، سيصاحب كل أحداث البطولة، ويبقى علامة ثابتة لها. يمتاز شعار البطولة المنتظرة بتصميم للكأس على هيئة رقم 8، باللونين العنابي والأبيض، لوني العلم القطري، وما تجسده التماوجات اللونية للتعبير عن الكثبان الرملية؛ أي مكان التنظيم وملامحه الثقافية.
هنا، نعود إلى عدد من الملصقات/الشعارات التي رافقت بطولات بارزة، ونسلّط الضوء على أفضلها، وعلى أكثرها تواضعاً. ونبدأ من الأفضل.
الأوروغواي 1930
هناك شبه إجماع حول أفضلية هذا الملصق، الذي يمكن شراء نسخته الأصلية من دار المزادات العالمية كريستيز بعشرين ألف جنيه إسترليني. يظهر الملصق أذرع حارس المرمى ممدودة لتمسك الكرة من الزاوية 90 في قمة إطار المرمى، مرتدياً الألوان الوطنية للأوروغواي، فيما اتخذت الكتابة مسحة زخرفية في الجزء السفلي من الإطار. ويمتاز تصميم جيليرمو لابورد (Guillermo Laborde) ببهجة لونية وبساطة تعبيرية، تتفق مع أسلوب ديكو الفني (Art Deco).
فرنسا 1938
تغلب على ذلك الشعار نبرة الدعاية المتسلطة، والتي تميز أيضا عصر فن ديكو. وتجسد روحا انتصارية واثقة؛ إذ يضع لاعب قدمه على كرة فوق كوكب الأرض. وربما حاكت الوضع المشحون في أوروبا الممهد لاندلاع الحرب العالمية الثانية، بنبرة تحد إزاء تهديدات هتلر. يلخص الملصق التعبيرية بالألوان، والحس المرهف الزخرفي للكتابة بتصميم رومنطيقي لافت. وتلك سمات جسدت كثيراً من خصائص الحداثة.
إيطاليا 1934
استغل موسوليني كأس العالم مروّجاً للفاشية. يتخذ الشعار صورة لاعب كرة قدم بألوان الفريق القومي الإيطالي، وهو في لحظة تسديد، بينما يتقاطع مع شريط لأعلام الدول المشاركة في البطولة. تصميم ينتمي إلى حقبة ديكو آرت.
روسيا 2018
يختلف الطراز الفني لهذا الملصق مقارنة بسابقه، نظراً إلى الفارق الزمني بين العصرين. لكن الملصق للمونديال الروسي حمل منحى جيدا لتجاوز أزمة المنشطات واتهامات الفساد والدكتاتورية المحيطة بروسيا. ألوان جذابة وخطوط تحاكي رقعة العشب لملاعب الكرة، مع إبراز أسطورة حراسة المرمى الروسي ليف ياشين ممسكاً بكرة في إحدى يديه. فيما يبدو أن أزمة أخرى تحلق فوق سماء أوروبا مع إقدام الرئيس الروسي بوتين على غزو أوكرانيا. ومخاوف من انفلات الوضع العسكري بصراع عالمي.
سويسرا 1954
يسجل الملصق اللحظة الأكثر أهمية في البطولة: الهدف. ويظهر الحارس فاغر الفم وهو ينظر إلى الكرة في شباكه، بوجه نصفه في الظل. يمتاز الملصق بالبساطة والبراغماتية السويسرية، خلافاً لألوانه المريحة. تصميم سويسري يعكس حداثة اتبعت الثورة الصناعية. بدوره، يترجم النص بطولة كأس العالم لكرة القدم إلى ثلاث لغات؛ الألمانية والفرنسية والإيطالية، وهي اللغات الأكثر ارتباطا بسويسرا. بطولة تعيد إلى الأذهان ما أُطلق عليه معجزة بيرن، عندما نجح منتخب ألمانيا الغربية بقلب النتيجة أمام المنتخب المجري القوي لتحقيق أول ألقاب البطولة. كما لو كانت إيذانا بحقبة إعادة الإعمار الألمانية في فترة ما بعد الحرب، وتحقيق معجزة أخرى على صعيد الاقتصاد.
إسبانيا 1982
اهتم الشعار بأن يكون بياناً معبراً عن الهوية الوطنية الإسبانية. ويمكنه أن يكون أحد أفضل الشعارات التي مثلت البلد المضيف. مع الاحتفاظ بأسلوب فني جذاب يجسد الفن الإسباني. صمم الشعار الفنان التشكيلي الكتالوني خوان ميرو، عبر عنصرين رئيسيين يمثلان لوني العلم الإسباني، ليكون علامة واضحة على الملصق لا تتطلب توقيعاً مباشراً. ورغم المنحى التحويري للأشكال، كان مبتكراً إلى حد كبير بإظهار شقلبة احتفالية تم إغداقها بألوان علم البلد المضيف. قد يجد البعض تصميمه منفصلاً عن كرة القدم، إلا أنه يختزل مشهداً فنياً تعبيرياً.
كما كان لبطولات كأس العالم تصاميم مبتكرة، وإن عبّرت في بعض الأحيان عن تعصّب قومي، أو مثّلت رسالة سياسية، كان هناك تصاميم أخرى ضعيفة فنياً، وهنا أبرزها.
السويد 1958 وتشيلي 1962
جاءت البطولتان بالتزامن مع تحقيق البشرية أول اختراق حقيقي للفضاء، بعد نجاح رواد الفضاء الروسيين برحلة حول القمر على سبوتنيك الروسية. وفي السويد، لاحت الكرة بمجسم ضخم من الفضاء عليها شريط من الأعلام. قد تكون مواتية لعصرها، لكن ألوانها نافرة، وهيئتها كالحة.
وفي بطولة تشيلي التالية، عاد الفضاء الخارجي، ممثلا عصر الصعود بشكل أوضح؛ إذ يتم استبدال القمر بالكرة، لكنه يبدو قريباً من رسومات قصص غزو الفضائيين للأرض بسحنته المتجهمة.
الولايات المتحدة 1994
يمثل الشعار أبلغ تعبير عن زهو الحقبة المنتصرة للتسعينيات في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وكان المكان الأمثل لتنظيم كأس العالم هو الولايات المتحدة. وكما عودنا الأميركيون بالكثير من الجرأة والفخر الوطني، انعكس على الألوان الرضا المفرط، بوهج الأحمر والأصفر، وشقلبة لاعب فوق إطار للكرة الأرضية تكتفي بخريطة أميركا. صمم الملصق/الشعار بيتر ماكس (Peter Max)، مجسدا الذاتية الأميركية على أكمل وجه، لكنه أخفق على الجانب الآخر في تكوين شعار مبهج.
فرنسا 1998
خلافا للمأساة البرازيلية، نجح الفرنسيون في ثاني تنظيم لهم لكأس العالم بانتزاعه من حاملة اللقب البرازيل. ونجح الشعار في إضفاء هذا الطابع الاحتفالي مسبقاً للبلد المضيف، بإبرازه ألوان العلم الوطني. الكرة تعلو الاستاد، المحاطة أرضيته بأعلام الدول المشاركة، وتنتصفه فرنسا كما لو أنها الشمس. لكن المبالغة اللونية المفرطة بالثقة، أحالت التصميم إلى فوضى وازدحام. كانت تلك أول بطولة ترتفع فيها البلدان المشاركة إلى 32 منتخباً.
كوريا الجنوبية واليابان 2002
يلح الشعار على استحضار ضربات فرشاة آسيوية للتعبير عن ثقافة البلدين المشتركين بالتنظيم. وهي أول بطولة تستضيفها القارة الصفراء، من أقصاها الشرقي. وبعد عقدين، يعود التنظيم من الضفة الآسيوية الأخرى في قطر. غير أن شعار كوريا الجنوبية واليابان، رغم بساطته، قابل للنسيان.
ألمانيا 2006
وُضعت هيئة كرة بحدود متلألئة على مساحة تنم عن الجرم الكوني، وتكتظ بالعلامات المضيئة. من الواضح أن الغرض من الشعار أن يكون ذات دلالة على ترابط كوكبنا وما تمثله كرة القدم في جمع الناس معاً. لكنه يفتقر إلى مخيلة مبتكرة، ويظهر كواحد من الشعارات الباهتة في تاريخ المونديال.
البرازيل 2014
خلافا لشعار البرازيل المبتكر في 1950، بدلالته الكونية، عمل هذا الشعار على أن يكون برازيلياً مائة بالمائة. جاء الشعار بتعبير يركز على لوني العلم البرازيلي، في إطار زخرفي لتجسيد أحراش الأمازون الاستوائية، وقدمي لاعبين تتصارعان على كرة، في إطار يكون خريطة البرازيل. لكنه بصورة ما بالغ في نزوعه الوطني، خصوصاً مع ما أحاطه من زركشة مبهرة أخفقت في إضفاء الطابع الكرنفالي لبطولة تقام في موطن عشاق كرة القدم. ومثل بطولة 1950، انتهت مشاركة البلد المضيف بخاتمة تراجيدية.