شتّي يا بيروت: الخروج من "الكليشيهات"

21 ديسمبر 2021
تتحول القصة إلى حرب مافيات (فيسبوك)
+ الخط -

في عرض البحر، قارب نجاة صغير يبحر من لبنان باتجاه أوروبا، محملاً عشرات الحالمين بحياةٍ أفضل. فجأة، يرن الهاتف ليستقبل "عبد الله" (عابد فهد) اتصالاً من أخيه، يطالبه بالعودة إلى سورية لرؤية أبيه المريض. يحمل ابنه على كتفه ويعود.
هذا المشهد، يمر في مسلسل "شتي يا بيروت" قصة بلال شحادات، إخراج إيلي السمعان، ليبدو أشبه بصورة تحاول أن تختزل ضياع السوريين اليوم ما بين بلاد الغربة التي تلوح لهم بطيف المستقبل، وما بين بلدهم الأم وماضيهم المنهك والمتهالك.
يحاول عابد فهد أن يختزل، بنظراته التائهة في عرض البحر، ضياع السوريين، ليضيف إلى المسلسل المزيد من الكليشيهات والمشاعر المستهلكة التي قلّما يخرج عنها. إلا أن الأمر الذي يزيد المشهد سوءاً، يتعلق بإشكالية شخصية "عبد الله" بحد ذاتها، التي تبدو شخصية مغلوباً على أمرها تجسد آلام وأوجاع اللاجئين السوريين في لبنان، لكنه يختلف عن البقية بكونه يعمل كمهرّب، ويتاجر بأرواح البشر على الحدود البرية والبحرية.
حقيقةً، هناك كثير من المشاهد التي تمر في مسلسل "شتي يا بيروت"، ينجح فيها صنّاع المسلسل في الخروج من قوقعة الكليشيهات والصور النمطية الجاهزة التي يستهلكها الإعلام، يؤديها عابد فهد بحساسية عالية، ليعكس، درامياً، جزءاً مهمشاً من واقع اللاجئين السوريين في لبنان، كما هو الحال في المشاهد التي يقف فيها عاجزاً أمام مخفر الشرطة بعد اختطاف ابنه، كونه يدرك أن الأمر الوحيد الذي سيهتم به رجال الأمن اللبناني عند دخوله هو أوراق إقامته.


لكن الجانب الآخر من الشخصية، المافيوي، الذي يجعل "عبد الله" شبيهاً بغالبية الأبطال السوريين في المسلسلات اللبنانية، يعكّر صفو هذه اللحظات الدرامية الرائعة، التي تمر بشكل خاطف لترفع النسق، كلما ابتعدنا عن الحكاية الرئيسية السيئة في المسلسل، والتي لا تشبه الواقع في شيء.
الحكاية الرئيسية في المسلسل تتمحور حول شقيقين يرغبان في الزواج من ابنتي عمهما. طلبهما يُقابل بالرفض، ليعزموا النية على الهرب معاً. وفي منتصف الطريق، تقرر إحدى الأختين"يم" (لين غُرة) التخلي عن الفكرة والعودة إلى بيت أهلها، بينما تهرب الأخت الكبرى"مريم" (ديما بياعة) مع "عبد الله"، ليعيشا معاً عدة سنوات في مخبأ داخل دمشق. في النهاية، يكتشف العم والد مريم مكانهما ويذهب لقتل ابن أخيه "عبد الله" وإعادة ابنته. هناك تدور معركة تنتهي بشكل ميلودرامي، يقتل فيها العم نفسه، في الوقت الذي تتوافد فيه كل شخصيات العائلة، ليضحي "أبو عبد الله" بحريته ويحمي ابنه"عبد الله"، فيدّعي بأنه هو من قتل أخاه ليدخل السجن، لكن العم المقتول يوصي ابنه "منّاع" (رامز أسود) بالانتقام.
"مريم" زوجة "عبد الله"، تلد أثناء رحلتها الشاقة لعبور الحدود البرية سيراً على الأقدام، وتموت إثر الولادة؛ لتزيد جرعة الميلودراما منذ الحلقة الأولى، ويبقى "عبد الله" وحيداً مع الطفل الذي ولد (من ذوي الاحتياجات الخاصة). وتستكمل هذه القصة بعد خمس سنوات، عندما يتعاون شقيق "عبد الله" مع ابن عمه للعثور على أخيه وقتله، طمعاً في زواج الفتاة التي يحبها.
سرعان ما تتحول القصة إلى حرب مافيات في إطار درامي رخيص. لوهلة، تشعر أثناء متابعة أحداث القصة الرئيسية، التي تتطور بشكل عبثي، أنك تتابع مسلسلا تركيا مدبلجا، وذلك لعدة أسباب، منها: الموسيقى، التي تبدو شبيهة للغاية بموسيقى المسلسلات التركية على غرار "سنوات الضياع"، وبسبب أصوات بعض الممثلين المألوفة في الدوبلاج مثل رامز الأسود، الذي يبدو أيضاً جامداً على الكاميرا، ويزداد الأمر سوءاً بحواراته مع لين غرة، التي تقدم أداء مصطنعاً، وتتحدث بصوت بارد وتنفعل ظاهرياً.

كان المسلسل سيصبح أفضل، لو تخلى عن حكايته الرئيسية، وعن كل الممثلين الذين يلعبون شخصياتها الرئيسية، باستثناء عابد فهد، الذي يزداد جودة بدوره في مشاهد الحبكات الجانبية.
في المقابل، فإن أفضل حكاية يتم تقديمها في المسلسل، هي حكاية سائقة التاكسي وشقيقتها الممرضة "نور"، التي تضطر إلى العمل كعاملة جنس لمعالجة أبيها. فمع هذه الحكاية التي تنقلها إلسا زغيب وزينة مكي بحساسية عالية؛ ليتم تقديم صورة كاملة هذه المرة، لا تجعل من طرف ضحية للطرف الآخر، كما كان الحال في التقارير الإعلامية التي تضعهما على طرفي نقيض. إلا أن المشكلة في هذا الجزء تتعلق برداءة التمثيل عند الشخصيات المحيطة، ولا سيما عبدو شاهين، الذي يهبط بسوية العمل مع كل حرف ينطقه، وهو يكرر ذات النمط الذي قدمه ببداية السنة في مسلسل "لا حكم عليه".

سينما ودراما
التحديثات الحية

وبغضّ النظر عن الأداء وما ينجم عنه من تشويش في اللحظات الدرامية الجيدة التي تتخلل الحكاية الميلودرامية الضعيفة؛ فإن مسلسل "شتي يا بيروت" يحتوي العديد من الأمور التي تجعله يستحق المتابعة؛ فالعمل على الأقل ينجح في صناعة بعض اللحظات الدرامية الجيدة، ويطرح قضايا اللاجئين والأحياء الفقيرة في لبنان بشكل هو الأفضل منذ مسلسل "غداً نلتقي" عام 2015.

المساهمون