"سيري" تتنصّت على حمَلَة "آبل"... أجهزة ذكية ومستخدمون غافلون

09 يناير 2025
ننصاع بسرعة للتكنولوجيا الجديدة كونها "مرحة" و"مسلية" (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في عام 2014، تعرضت شركة آبل لفضيحة كبيرة بعد اختراق سحابة التخزين وتسريب صور خاصة، مما أثار قلق المستخدمين بشأن خصوصية بياناتهم.
- وافقت آبل على دفع تسوية بقيمة 95 مليون دولار بعد اتهامها بالتنصت عبر "سيري"، حيث أظهرت الدعوى أن "سيري" كانت تستمع للمستخدمين دون تفعيلها، مما يثير تساؤلات حول حماية الخصوصية.
- كشفت تحقيقات عن تعاون آبل مع شركات للاستماع إلى محادثات المستخدمين، مما يعكس انتهاكًا للخصوصية ويثير القلق حول مستقبل الأجهزة الذكية.

لطالما تفاخرت شركة آبل بحفاظها على خصوصية مستخدميها وقدرتها على حماية بياناتهم. لكنها، كأي شركة تكنولوجيا قائمة على جمع بيانات المستخدمين، هناك دوماً فضيحة، أشهرها ربما ما حصل عام 2014، عندما اختُرقت سحابة التخزين الخاصة بـ"آبل"، وتسربت آلاف الصور الخاصة للمشاهير والناس العاديين، ما شكّل حدثاً دفع "الجميع" إلى إعادة النظر في طبيعة البيانات التي يخزنونها.
مع تطور التكنولوجيا، ازداد خوف المستخدمين على بياناتهم وخصوصيتهم، كوننا أمام كم كبير من "الأدوات" التكنولوجية التي تحيط بنا، كالهاتف الذكي، والساعة الذكيّة، والكاميرا الذكية، والتابليت الذكي، وكلها متهمة بحصاد معلوماتنا، لكن أشهرها وأكثرها إثارة للجدل كانت "سيري"، نسخة "آبل" من المساعد المنزلي الذكي التي تحولت إلى محط التكهنات والشبهات والاتهامات بالتنصت على المنازل، كونها موجودة دائماً، وقادرة على الحوار مع الموجودين حولها.
لكن، يبدو أن الظنون تأكدت؛ إذ وافقت "آبل" على دفع تسوية بمقدار 95 مليون دولار للمستخدمين، كونها تتنصت عبر "سيري" عليهم. جاء في نص الدعوى المرفوعة منذ خمس سنوات، أن "سيري" تشغل كل أجهزة "آبل" المتصلة بها لتتنصت على أصحابها، حتى إن لم يُفعّل المُستخدم "سيري". بالطبع، تباع هذه البيانات لشركات الإعلانات (وربّما لجهات أخرى لا نعرف عنها).
لن نخوض في النواحي القانونية، لكننا مرة أخرى أمام انتهاك جديد لحقوق الإنسان وحقوقنا نحن المستخدمين. هكذا، ننصاع بسرعة للتكنولوجيا الجديدة، كونها "مرحة" و"مسلية" و"تسهل حياتنا". وهذه بالضبط نماذج الحملات الإعلانية الخاصة بـ"سيري"، وغيرها من التطبيقات والخدمات والأجهزة الذكيّة، فكلمة ذكي تحيل إلى أنها تعرف ما نريد، ليس لتسهيل حياتنا أو اختزال مهامنا اليوميّة، بل لترسم نموذج لشركات التسويق لاستهداف كل واحد منا على حدة.
لم يعد من المجدي عد الأفلام الدستوبيّة التي تصف مستقبلنا عندما تسيطر علينا هذه الآلات، بل أصبحت الفضائح والدعاوى القضائية دليلاً واضحاً أن كل الضمانات التي تقدم لنا ليست دقيقة، وهذا يعود أصلاً إلى النموذج الاقتصادي الذي تعمل وفقه هذه التكنولوجيا. خذ جهازاً يساعدك في شؤونك، مقابل أن نحصد بياناتك ونبيعها للمعلنين. هناك دوماً رأسمال استهلاكي يحاول الانقضاض على جيوبنا ووعينا.
يزداد الموضوع إثارة للقشعريرة حين نقرأ تحقيق صحيفة ذا غارديان البريطانية عام 2019، الذي يكشف تعاون "آبل" مع شركات خاصة للاستماع إلى محادثات المستخدمين، إلى حد "التنصت" على "النقاشات الخاصة بين الأطباء والمرضى، وصفقات العمل، والأنشطة الإجرامية، واللقاءات الجنسيّة". بصورة ما، نحن أمام انتهاك لمختلف جوانب الحياة الشخصية للأفراد، تماماً كما نرى في أفلام ومسلسلات الخيال العلمي.
وهنا المفارقة: "سيري" قادرة على تقديم إعلانات عن كل شيء، سواء عن أحذية جوردان أو الأدوية، حسب اثنين من المدعين. لا يفرّق وحش الاستهلاك بين حاجات أساسية وضرورية كالصحة، وبين حذاء رياضي مكلف يصلح لصور "إنستغرام". هذه كلها "بيانات" يمكن تحويلها إلى ربح وخلق للرغبة، رغبة لا حد لها تكبر وتتنوع ولا تشبع ضمن قاعدة رأس المال المستعد للتلصص على أدق تفاصيل حياتنا، كي يقدم لنا منتجاً لشرائه، منتجاً قد لا نحتاجه أبداً، لكن "سيري" سمعت به مرّة، فقررت إمطارنا بإعلانات عنه.

علوم وآثار
التحديثات الحية

يعود إلى الذاكرة دوماً عند الحديث عن هذه الفضائح إدوارد سنودن، الذي يتهم الجميع ولا يستثني أي شركة من ممارسة التنصت على المستخدمين، ليس فقط لصالح شركات الإعلانات، بل أيضاً لصالح المخابرات الأميركية. حقيقة نتجاهلها مراراً كل يوم، بل وازداد الأمر خطراً بعد عملية البيجر التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي في لبنان؛ فإن كان من الممكن تفخيخ آلاف الأجهزة التي تعود إلى الثمانينيات واستهداف الآلاف من البشر، ما الذي يمكن فعله بأجهزة متطورة منتشرة بيد "الجميع"؟

المساهمون