أخيراً تمّ الاعتراف قبل أيامٍ قليلةٍ مضت بقرية سيدي كاوكي المغربيّة الواقعة بنواحي مدينة الصويرة (موكادور سابقاً)، كأجمل القُرى السياحية في العالم.
لا شك أنّ اختياراً كهذا، نابعٌ بالأساس من اعتراف "الجمعية العامّة لمُنظّمة السياحة العالمية" بمدريد حول الدور المركزي الذي غدا يلعبه التراث المغربي داخل العالم العربي. في وقتٍ لا يعرف فيه الكثير من المَغاربة قرية سيدي كاوكي الموجودة في تخوم الصويرة وعلى منطقة سياحية وبحرية لعبت دوراً كبيراً في تاريخ المغرب الحديث، لا سيما إبّان الغزو الإيبيري (البرتغال واسبانيا) للسواحل المغربيّة. واعترافاً بجماليّة القرية وسُكونها ومَوقعها الجغرافي البارز المُطلّ على البحر، حيث تعوّد بعض المَغاربة على قضاء فصل الصيف، بين رمالها الذهبية وشمسها الساطعة صيفاً، بما تنطبع به القرية في مُتخيّل السياحة المحلّية من سحرٍ ودهشة، تجعل السائح يتردّد عليها لأكثر من مرّة، بحكم الهدوء الذي تتّسم به وشساعة بحرها وتكاليفها اليوميّة البسيطة وما يرتبط بها من مقاهٍ ومطاعم وفنادق.
تُعرف قرية سيدي كاوكي بأنّها أكثر المناطق السياحية في المغرب جلباً وتأثيراً على عُشّاق ممارسة رياضة ركوب الأمواج
رغم محدودية القرية فيما يتعلّق بمَرافقها السياحية المُقتصرة على ضريحٍ مُقدّس، تقول الروايات الشفهية أنّه كان عبارة عن منزل طبيبٍ أجنبي سكنه أواخر القرن التاسع عشر وعُرف داخل ساكنة القرية في كونه كان يُعالج الحيوانات في مرحلة جد عسيرة من تاريخ المنطقة، التي شهدت الكثير من الأوبئة والتغيّرات المُناخية القاهرة. كما تُعرف قرية سيدي كاوكي بأنّها أكثر المناطق السياحية في المغرب جلباً وتأثيراً على عُشّاق ممارسة رياضة ركوب الأمواج بسبب ارتفاع حدّة الأمواج في فتراتٍ مُتقطّعة من اليوم الواحد.
والحقيقية أنّ إعلان المنظّمة الاسبانية، يُضاف إلى سلسلة اكتشافاتٍ وتتويجاتٍ واعترافاتٍ شهدها المغرب خلال سنة 2021. وذلك على خلفية اللقى الأثريّة التي اكتشفت داخل البلد، مُؤكّدة المكانة التي لعبها المغرب خلال الحقبة القديمة. فقد بدا التاريخ أكثر قوّة في تبيان خصوصية البلد وما يحبل به من أسرارٍ ومُفاجآت ضاربة في قدم الحضارة العربيّة، أكثر ممّا يُقدّم به راهناً داخل الإعلام الوطني من لدن فنانين ومُثقّفين وسياسيين يتبارزون على مَصالحهم الذاتية، انطلاقاً من خيرات المغرب وتاريخه وذاكرته. ورغم أنّ اختيار سيدي كاوكي كأفضل القرى سياحة وجمالاً من حوالي 170 قرية عالمية، فإنّ حوالي 40 قرية أخرى استأثرت بلجنة مُبادرة "أفضل القرى السياحية" الإسبانية من بلدانٍ مُتعدّدة أبرزها سلطنة عمّان ولبنان.
تبقى سيدي كاوكي أكثر المناطق عُرضة للتهميش من لدن جماعة المنطقة والقطاع السياحي المغربي ككلّ
هذا وتبقى سيدي كاوكي أكثر المناطق عُرضة للتهميش من لدن جماعة المنطقة والقطاع السياحي المغربي ككلّ. فهذه القرية على تاريخها وجمالها وذاكرتها، تظلّ مُهمّشة طيلة فصول الخريف والشتاء والربيع، بسبب غياب السائح الأجنبي وما يُدرّه من أرباحٍ مادّية على ساكنة المنطقة. فهي لا تعرف منشآتٍ صناعية أو أماكن أخرى للتسلية والترفيه من أجل تثمين تراث القرية وجعله قاطرة صوب التنمية. وبالتالي، فإنّ رواجها الاقتصادي، يظلّ حكراً على فصل الصيف، فالزائر المحلّي/ المغربي غير قادرٍ تغذية اقتصاد المنطقة، مقارنة بالسائح الأجنبي الذي يفرض عليه سحر الطبيعة والبحر والناس والتاريخ الإقامة طويلاً داخل القرية والاستفادة من فنادقها ومَطاعمها وكافّة مَرافقها السياحية البسيطة والشعبية.
كما أنّ المناطق السياحية ذات الوجهة البحرية في المغرب، تُعاني دوماً من هشاشة السياحة الداخلية، نظراً إلى أنّ خصائص الترفيه لا تتأتّى، إلاّ بارتفاع درجة الحرارة ونضارة لون البحر واصطفاف البواخر الصغيرة على مقربة من القرية كل يوم، قبيل أفول شمس الغروب. كما أنّ عدم نجاعة وزارة السياحة في المغرب وعدم قُدرتها على التعريف بالمنطقة وخلق استثمارات اقتصادية تُساعد المنطقة على نموّها، جعل من قرية سيدي كاوكي أكثر تهميشاً وأقلّ حظاً من ناحية التثمين والاستثمار. هذا الأخير، وإنْ وُجد فعلاً داخل أماكن أخرى، فإنّه سرعان ما تتضارب مَصالح لوبياته في أحيان كثيرة حول المَوقع وقيمته، قبل الشروع في تحقيق هذا الحلم المُؤجّل دائماً وأبداً.