سويفت V/S طارد الأرواح: من يُطيح الآخر؟

06 سبتمبر 2023
تايلور سويفت في "جولة العصر" (22 يوليو 2023): حفلةٌ تسبق الفيلم (Getty)
+ الخط -

 

فيلمٌ لتايلور سويفت "يُطيح" فيلماً منتمياً إلى السلسلة السينمائية "طارد الأرواح الشريرة"، قبل أسابيع على بدء عروضهما التجارية الدولية. الإطاحة معقودةٌ، فقط، على "تحديد" موعد بدء العروض تلك. الفيلمان جديدان، واختلاف أحدهما عن الآخر كبير. الأول موصوف بأنّه "فيلم ـ حفلة موسيقية"، وعنوانه تأكيدٌ على ذلك: "تايلور سويفت: جولة العصور (Taylor Swift: The Eras Tour)" لسام رانش. التعريف به (2023، 170 دقيقة) مختَزَلٌ بجملةٍ منشورة في الموقع السينمائي IMDb، تدعو الجميع إلى "الاستمتاع بالحفلة المُبهرة "جولة العصور"، التي تؤدّيها الواحدة والوحيدة تايلور سويفت". الثاني غير محتاج إلى تعريف، فالكلمة الأولى فيه كافيةٌ لكشف محتواه: The Exorcist، مع إضافة Believer، الذي يُنجزه ديفيد غوردون غرين عام 2023 أيضاً (121 دقيقة).

 

قلقٌ بسبب "الإطاحة"

الإطاحة المقصودة مُتعلّقة بتحديد 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 موعداً لإطلاق العروض التجارية لـ"فيلم ـ حفلة موسيقية" في الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، أي اليوم نفسه المُحدَّد من "يونيفرسال" لإطلاق العروض التجارية الدولية لـ"طارد الأرواح الشريرة ـ المؤمن"، قبل تقديم الموعد أسبوعاً واحداً (6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل) بسبب اختيار الموعد نفسه لإطلاق فيلم سويفت.

لكنْ، هل يكفي أسبوعٌ واحدٌ لتبيان مسار الإيرادات المتوقّعة لـ"طارد الأرواح الشريرة"، علماً أنّ فيلم سويفت مُنجز لإتاحة الفرصة لمحبّيها كي يُشاهدوا جولتها تلك (بل على بعض حفلاتها) على الشاشة الكبيرة، والجولة (السادسة لها) مُقامة بين 17 مارس/آذار 2023 و23 نوفمبر/تشرين الثاني 2024؟ بمعنى آخر: هل ستقتصر الإطاحة تلك على موعد بدء العروض فقط، أمْ أنّ فيلم رانش سيُكمل إطاحة فيلم غوردون غرين بتحقيق إيرادات أكثر؟

لعلّ مفردة "إطاحة" غير ملائمة تماماً للحاصل بين الفيلمين. غير أنّ استخدامها هنا ناجمٌ عن تعبيرٍ يكتبه جايزون بلوم، أحد منتجي "طارد الأرواح الشريرة"، في تغريدةٍ منشورة في X ("تويتر" سابقاً)، في 1 سبتمبر/أيلول 2023: "انظري ما الذي جعلتِني أفعله. "طارد الأرواح الشريرة: المؤمن" مُنتقلٌ إلى 6 أكتوبر #تايلور تفوز". فهل يُفهم من هذا الـ"هاشتاغ" (#TaylorWins) أنّ هناك مخاوف كبيرة لدى منتجي فيلم غوردون غرين من ألاّ تكتفي "جولة العصور" بـ"إطاحةٍ" كهذه (تغيير موعد بدء العروض التجارية)؟ أم أنّه مجرّد "دعابة"، غير خاليةٍ من سخرية وقلق؟

 

موقف
التحديثات الحية

 

النسخة الجديدة من سلسلة "طارد الأرواح الشريرة" مُنجزة بمناسبة مرور 50 عاماً على إنجاز أول فيلمٍ (1973) لويليام فريدكِن (1935 ـ 2023)، الذي يُحقِّق 441 مليوناً و306 آلاف و145 دولاراً أميركياً إيرادات دولية، في مقابل ميزانية إنتاجية تبلغ 11 مليون دولار أميركي فقط. الفيلم الأول مستوحى من رواية بالعنوان نفسه (1971)، للكاتب الأميركي اللبناني الأصل (ويكيبيديا) ويليام بيتر بلاتّي (1928 ـ 2017): "لأنّ ابنتها الصغيرة مسكونةٌ بكيان غامضٍ، تلجأ الوالدة إلى كاهنين لمساعدتها على إنقاذها". اختصارٌ يُكثّف نصّاً سينمائياً أعمق وأجمل في مقاربة مسائل متداخلة ومعقّدة، غير مُسطّحةٍ في طرح أسئلة عن الشرّ والخيبات والانكسار والمتاهة، وغيرها: "مجنونٌ أنا عند إنجازي هذا الفيلم. التصوير خطر للغاية. عاملون، بينهم أنا، مُصابون بالملاريا. آخرون تتفشّى فيهم "غرغرينا". التصوير حاصلٌ في أماكن خطرة جداً. اليوم، لن أخوض مغامرة كهذه. ما من أحد يقبل خوضها. حالياً، يُتيح الكمبيوتر إتمام مشاهد كهذه، أمّا نحن، فغير لاجئين إلى أي خدعة بصرية. كلّ الظاهر في الفيلم حقيقيّ"، يقول فريدكِن في حوار قديم (الفقرة هذه مستلّة من مقالة عنه، منشورة في "المدن" الإلكترونية، في 5 مايو/أيار 2015).

للسلسلة 5 أفلام، آخرها بعنوان "دومينيون: مُقدِّمة لطارد الأرواح الشريرة" (2005، 117 دقيقة) لبول شرايدر، الذي يُحقِّق 251 ألفاً و495 دولاراً أميركياً فقط (موجو بوكس أوفيس)، في مقابل 30 مليون دولار ميزانية إنتاج ("نيويورك تايمز"، 2 مايو/أيار 2005)؛ وسلسلة تلفزيونية يبتكرها جيريمي سلايتر لحساب "فوكس" (موسم واحد، 20 حلقة/20 ـ 25 دقيقة، بين 23 سبتمبر/أيلول 2016 و15 ديسمبر/كانون الأول 2017)، بالإضافة إلى مسرحية لجون بيلْماير (2012 ـ 2018)، و"لعبة فيديو" (2018).

اللاحق من أفلامٍ متتالية غير متساوٍ وجماليات صنيع فريدكِن، والإيرادات (موجو بوكس أوفيس) تؤكّد تراجعاً كبيراً في المُشاهدات الدولية، قياساً إلى الميزانيات (المواقع الإلكترونية الرسمية للأفلام): الحلقة الثانية بعنوان "الزنديق" (1977، 118 دقيقة) لجون بورمان ، تُحقِّق 30 مليوناً و749 ألفاً و142 دولاراً أميركياً، في مقابل ميزانية إنتاجية تبلغ 6 ملايين و735 ألف دولار أميركي؛ الحلقة الثالثة، "الفيلق" (1990، 110 دقائق) يُنجزها بلاتّي نفسه، مقتبساً إياها من رواية له بالعنوان نفسه (1983)، فتُحقِّق 39 مليوناً و24 ألفاً و251 دولاراً أميركياً، في مقابل ميزانية إنتاجية تبلغ 9 ملايين و312 ألفاً و219 دولاراً أميركياً. أما نسخة عام 2004، "البداية"، لريني هارلن، فتُحقِّق 78 مليوناً و110 آلاف و21 دولاراً أميركياً، في مقابل ميزانية إنتاجية تساوي 80 مليون دولار أميركي.

 

صناعة وفن

سؤال الإيرادات مهمّ في الجانب الاقتصادي لصناعة السينما، ومهمّ أيضاً بالنسبة إلى الجولات الغنائية الموسيقية، لنجوم/نجمات حاضرين في يوميات ملايين المعجبين/المعجبات في العالم. في وسائل تواصل اجتماعي متنوّعة، تصف تايلور سويفت "جولة العصور" بأنّها "أهمّ تجربة حياتية لي"، قائلةً إنّها تفيض فرحاً لإعلانها أنّ تلك الجولة ستُبثّ على الشاشة الكبيرة: "الثلاثينية في عمرها ظاهرةٌ ثقافية، و"محدلةٌ" تجارية مُذهلة"، كما في تقرير لـ"فرانس برس" (1 سبتمبر/أيلول 2023). AMC، أهمّ سلسلة صالات تجارية أميركية، ستعرض الفيلم في 4 حفلات كلّ يوم بين الخميس والأحد، "رغم أنّ الديون لا تزال تُثقل عليها". تقرير الوكالة نفسها يُشير إلى أنّ ثمن بطاقة الدخول إلى الصالة يبلغ 19،89 دولارا للبالغ، و13،13 دولارا للمراهق وكبير السنّ. إدارة AMC تَعِد بتعزيز خادم موقعها الإلكتروني، لإتاحة "تدفّق أكبر بـ5 مرّات"، لتمكين الجميع من شراء التذاكر بسلاسة، علماً أنّ البيع حاصلٌ منذ فترة.

هل يشهد أكتوبر/تشرين الأول المقبل صراعاً بين نمطين سينمائيين، يختلف أحدهما عن الآخر كلّياً؟ هل يتمكّن "طارد الأرواح الشريرة" من استعادة نجاحٍ تجاريّ، كالحاصل مع أول فيلمٍ؟ هل يُشبه "الصراع" (أم أنّه لن يحدث صراعٌ أساساً؟) ذاك الحاصل في الأسابيع القليلة الأولى على إطلاق العروض التجارية الدولية لـ"أوبنهايمر" (2023) لكريستوفر نولان، و"باربي" (2023) لغريتا غرويغ (بدءاً من 21 يوليو/تموز 2023)، علماً أنّ الفيلمين يختلف أحدهما عن الآخر كلّياً، أيضاً، والفرق في الإيرادات بينهما لا يزال لمصلحة الدمية، التي تبلغ إيراداتها الدولية، في 6 أسابيع/44 يوماً، ملياراً و384 مليوناً و9 آلاف و254 دولاراً أميركياً (140 مليون دولار ميزانية إنتاج)، بينما صانع القنبلة الذرية يُحقِّق، في الفترة نفسها، 852 مليوناً و984 ألف دولار أميركي (100 مليون دولار ميزانية إنتاج).

 

 

يُذكر أنّ إيرادات أول حفلة في "جولة العصور" تتجاوز مليونين و400 ألف بطاقة مبيعة، بحسب Ticketmaster (جمعية أميركية تُعنى ببيع وتوزيع بطاقات الحفلات الاستعراضية والمباريات الرياضية)، التي تُضيف أنّ سعر البطاقة الواحدة يبلغ 50 جنيهاً إسترلينياً، بينما بطاقة VIP تساوي 899 جنيهاً إسترلينياً. فهل يُحقّق "فيلم الحفلة" إيرادات كهذه؟ بحسب "فارايتي" (مطبوعة وموقع أميركيان معنيان بصناعة السينما) يُحقِّق بيع تذاكر الفيلم، إلى الآن، "رقماً قياسياً يُساوي 26 مليون دولار أميركي في المبيعات المسبقة" (1 سبتمبر/أيلول 2023).

يُذكر أنّ Ticketmaster مطلوبة لجلسات استماع في الكونغرس الأميركي (واشنطن)، بسبب "ممارسات مزعومة منافية للمنافسة". رغم هذا، يتوقّع محلّلون أنْ تؤدّي دوراً إيجابياً كبيراً لمصلحة فيلم سويفت/رانش، مشيرين، في الوقت نفسه، إلى أنّ إيرادات تلك الجولة ستبلغ مليار دولار أميركي، استناداً إلى معلوماتٍ مفادها أنّ لسويفت 146 موعداً تُقام كلّها في ملاعب "مكتملة العدد".

 

أفلامٌ

لسويفت اشتغالٌ سينمائيّ أيضاً، بعيداً عن "أفلام الحفلات الموسيقية ـ الغنائية". 6 أفلامٍ روائية طويلة، آخرها بعنوان "أمستردام" (2022) لديفيد أو. راسّل، العائد إلى عام 1933، مع أصدقاء قدامى يلتقون في نيويورك، ويبحثون عن سبب موت ضابطٍ يعرفونه في الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918). قبله، هناك وثائقيّ بعنوان "ملكة جمال أميركا" (2020) للانا ويلسون، وسابقٌ عليهما فيلم تحريك موسيقي (2012)، بعنوان Dr Seuss’ The Lorax لكريس رونو وكايل بالْدا.

رغم هذا، لا تملك سويفت سيرة سينمائية (لها أعمال تلفزيونية أيضاً) تُبهر بجمالياتٍ، تتساوى (على الأقلّ) مع جماليات أغنياتها وألحانها وحفلاتها المختلفة. مثلٌ على ذلك، فيلم "قطط" (2019) لتوم هوبر، الذي يجمع الفانتازيا بالميوزيكال، والمقتبس من كوميديا موسيقية بالعنوان نفسه (1978 ـ 1979) لأندرو لويد ويبر، المأخوذ بدوره من رواية Old Possum’s Book Of Practical Cats للأميركي البريطاني تي. أس. إيليوت (1888 ـ 1965)، الصادرة عام 1939. فهناك إجماع نقديّ على أنّه "سيئ للغاية"، والأمثلة عدّة، منها عناوين مقالات متفرّقة: "كارثة" (آدم غراهام، "ديترويت نيوز"، 19 ديسمبر/كانون الأول 2019)؛ "أسوأ فيلم على الإطلاق" (مايكل بيرس ولوران كارمو، "أوكلاند بوست"، 8 يناير/كانون الثاني 2020)؛ "أسوأ فيلمٍ جديد على الإطلاق" (جوني أولكْسينسكي، "نيويورك بوست"، 14 مايو/أيار 2020). إيراداته الدولية تبلغ 75 مليوناً و558 ألفاً و925 دولاراً أميركياً، في مقابل ميزانية إنتاجية تساوي 95 مليون دولار، بحسب "موجو بوكس أوفيس".

هذا لا يعني أنّ "تايلور سويفت: جولة العصور" سيشهد الأمر نفسه، فسام رانش غير مُنجزٍ فيلماً منتمياً إلى الكوميديا الموسيقية، أو الاستعراضات الموسيقية ـ الغنائية، المبنية على حكاية وتفاصيل وشخصيات، إذْ يكتفي بمقتطفات من الحفلات المُقامة منذ بداية الجولة. هذا يعني أنّ تحقيق إيرادات كثيرة واردٌ، فكثيرون وكثيرات "يحلمون" بمشاهدة سويفت في حفلة لها، من دون قدرةٍ على تحقيق المبتغى. الفيلم، ربما، يُحقِّق شيئاً من هذا، على الأقلّ.

لـ"طارد الأرواح الشريرة" أناسٌ ذوو مزاج مائل إلى هذا النوع السينمائي، من دون قدرةٍ على التأكّد، مسبقاً، من مدى "جماهيرية" فيلم ديفيد غوردون غرين. معرفة النتائج قريبةٌ، فأسابيع قليلة تفصل اليوم عن بدء العروض المنتظرة للفيلمين معاً.

المساهمون