سوريون بعد إدانة أنور رسلان في ألمانيا: خطوة نحو محاسبة رأس النظام

14 يناير 2022
دين رسلان بارتكاب 27 من بين 58 اتهاماً بالقتل والاغتصاب (توماس فري/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن حلم السوريين بالعدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات بحقهم، التي اعتمدها النظام السوري في قمع مطالبتهم بالحرية والعدالة، منذ انطلاق الثورة عام 2011، عاد ليستيقظ، مع إصدار حكم في ألمانيا بالسجن المؤبد بحق ضابط مخابرات سوري سابق.

وكان القضاء الألماني قد أصدر، هذا الأسبوع، حكماً بإدانة أنور رسلان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

ورحب معارضون سوريون بهذا الحكم، الذي وصفوه بأنه "مجرد خطوة نحو محاسبة رئيس النظام بشار الأسد وكبار مساعديه".

ودين رسلان (58 عاماً) بارتكاب 27 من بين 58 اتهاماً بالقتل والاغتصاب والاعتداء الجنسي، في منشأة احتجاز في دمشق، تديرها وحدة استخبارات كان يرأسها وتتبع أجهزة أمن بشار الأسد. وأنكر رسلان التهم الموجهة إليه.

وجرت محاكمة رسلان بموجب قوانين القضاء في ألمانيا التي تسمح للمحاكم بالنظر في الجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب في أي مكان في العالم.

وقال مؤسس "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" التي قدمت مساعدات للادعاء وتقوم بإعداد قوائم بالضحايا، فاضل عبد الغني، لوكالة "رويترز"، إن الإدانة تكشف أن "هذه الجرائم ضد الإنسانية هي (جرائم) منهجية وواسعة النطاق لا يمكن لفرد ارتكابها، وهي سياسة نظام، وبالتالي هذه إدانة لكل النظام، وفي مقدمته رئيس النظام بشار الأسد".

وعلق عمر الشغري، وهو ناشط مسؤول عن ملف المعتقلين في "المنظمة السورية للطوارئ"، لـ"رويترز"، أن "الحكم لن يرمم قلب الأم التي فقدت ابنها تحت التعذيب والمعاناة التي عاشها المعتقل تحت التعذيب، لكنه فرصة لنجدد الأمل في أن النظام السوري سيسقط".

وغرّد المفاوض المعارض السابق محمد صبرا: "الحكم على أنور رسلان انتصار للعدالة وانتصار لمبدأ تحمل التبعات والمسؤولية... هو خطوة صغيرة، رغم أهميتها، باتجاه محاسبة جميع مرتكبي جرائم الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان في سورية".

وكتبت الكاتبة والمعارضة السورية ريما فليحان، عبر صفحتها على موقع "فيسبوك": "تحققت العدالة في سورية عبر إصدار الحكم على أنور رسلان؟ بالتأكيد لا، لكنها خطوة مهمة على طريق العدالة، وكل حكم سيصدر بحق أي مجرم حرب من أي طرف كان هو تحقيق لأجزاء من العدالة. حيثيات الحكم والشهادات والأدلة في المحاكمة هي إدانة لكل النظام السوري وأجهزة مخابراته". 

وأضافت: "ستتحقق العدالة في سورية حين تتم محاسبة كل المسؤولين عن جرائم الحرب والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من كل الأطراف، وبإطلاق سراح كل المعتقلين والمعتقلات وتبيان مصير المختفين قسرياً والمختطفين، وحين تعود الحقوق لأصحابها وتتحقق تطلعات السوريين والسوريات عبر الوصول لوطن حر ديمقراطي ودولة مدنية تحفظ حقوق وكرامة مواطنيها ومواطناتها. حينها فقط ستتحقق العدالة".   

وعلقت الناشطة نوران الغميان: "في هذا اليوم أنور رسلان أخذ حكما مؤبدا. لما كنت الصبح في قاعة المحكمة والقاضية نطقت بالحكم... ما كنت قدرانة (قادرة) حدد شعوري، كنت غرقانة (غارقة) تماماً بكل شي صار من عشر سنين وبكل شي كان اليوم عم يصير... أعرف أنو هاد (هذا) الشخص اليوم هو عم يتلقى عقاب جزاء أعماله... أديه (إلى أي درجة) الإنسان فينا، لحظة وحدة متل هي قادرة أن تحييه".

وأضافت: "رضيانة (راضية) عن الحكم وسعيدة فيه، وناطرة كل الراحة لكل شخص كان ضحية لمجرم متل أنور، فعلى مدى قرابة السنتين قدرنا أنا والناجين والناجيات نستمر بقضية ما كانت سهلة أبداً نفسياً وعاطفيا"، معتبرة أنه "خلصت قضية أنور، بس قضية الشعب السوري مكملة، وأكيدة كثير أنو هي خطوة بلشنا (ابتدأنا) فيها، ورح نكمل كلنا يوماً ما... على أمل نوصل لمحاكمة بشار الأسد (رأس النظام السوري)".

وأبدى ناشط معارض في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، لـ"العربي الجديد"، مخاوفه من انعكاس نتائج قضية رسلان على الداخل السوري، قائلاً إن "ضباط النظام اليوم سيكونون أكثر تمسكاً بالنظام والدفاع عن بقائهم في صفوفه، لحماية أنفسهم، فهم اليوم أصبحوا أكثر وحشية، وقد يرون في كل معتقل خطراً على مستقبلهم، إذ سيكون شاهداً عليهم في حال أقيمت محاكم لمحاسبة مجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان، وقد يعمدون إلى قتلهم داخل المعتقلات". 

وحول ما أثير عن انشقاق رسلان عن القوات النظامية، لرفضه العنف المفرط والانتهاكات التي تمارس بحق السوريين، قال مدير "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" المحامي أنور البني، الذي يعتبر الشخص الأول الذي عمل على ملاحقة رسلان قانونياً، عقب اكتشافه بالصدفة تواجده في ألمانيا، في تصريح صحافي، إن "أنور رسلان لم يعلن انشقاقه عن النظام لا عندما غادر سورية ولا أمام المحكمة، بل قال أمامها إنه اضطر لمغادرة سورية عقب مجازر الحولة، ولم يعرب عن رفضه لما يقوم به النظام من قتل وتعذيب، بل في بيانه الأخير تحدث عن تركه خلفه 26 سنة من الخدمة العسكرية، وكأن هذه الخدمة تشرفه". 

ولفت البني إلى أنه "حتى المحكمة لم تقتنع بأن رسلان انفصل عن النظام، بل ما زال يعمل ضمن دوائره، واكتشفت من أقواله وتصرفاته أنه لم يغادر عمله، بدءاً بخطابه الرافض لوجود تعذيب أو منهجية، وحتى وجود أدوات تعذيب، إذ قال إن فرع المخابرات هو مركز تثقيف للمواطنين، وتبنى خطاب النظام عندما قال للمحكمة: كنا ندافع عنكم. يجب أن تشكرونا. كنا نحارب الإرهابيين. وهو على علم بأسماء الشهود وتهديد النظام لهم، رغم عدم الإعلان عن أسمائهم، وعلى معرفة دقيقة بجوانب لم تذكر في المحكمة، بل في الضبوط الأمنية، ما يؤكد أنه لم يغير عمله، بل غير مكان عمله". 

وكان "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" أصدر، الخميس، بياناً رحب فيه بقرار الإدانة، واعتبره "علامة فارقة في تاريخ القضاء الألماني وتاريخ العدالة العالمية، لأنه يصدر بحق مجرم برتبة عالية، دين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضمن سياق الجرائم التي يرتكبها، ولا يزال يرتكبها، النظام الاستبدادي في سورية".

وأشار إلى أنه "على الرغم من أن الحكم يبدو على متهم واحد، إلا أن حيثيّات قرار الاتهام ومطالب النيابة العامة، ومرافعات محامي الادعاء، وحتى مرافعات محامي الدفاع عن المتهم، وصولاً إلى حيثيّات قرار الحكم، طالت ودانت النظام الذي يحكم سورية بالحديد والنار والخوف والإرهاب منذ أكثر من خمسين عاماً".

يشار إلى أن الحكم لاقى ترحيباً وتأييداً من المنظمات الدولية والسورية، إذ أشادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" به، واصفة إيّاه بـ"التاريخي".

وقال مسؤول "منظمة العفو الدولية" في ألمانيا، ماركوس بيكو، إن المحكمة "ثبتت بشكل واضح ورسمي ظروف الاعتقال غير الإنسانية وأعمال التعذيب المنهجية والعنف الجنسي والقتل في سورية". وكذلك، رحبت بالحكم مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، معتبرة أنه "يجب أن يعمل حكم اليوم على دفع كل الجهود إلى الأمام لتوسيع شبكة المساءلة لجميع مرتكبي الجرائم التي لا توصف والتي تميز هذا الصراع الوحشي". 

المساهمون