لم يكن سمير غانم (1937 ــ 2021) مجرد فنان يقدم الضحك ليتقاضى عنه أجراً. لم يكن من هذا النوع من الفنانين، وما ميّزه عن أقرانه أنه كان يفلسف الضحك من دون ادعاء أو تنظير. كان تلقائياً وموهوباً بالفطرة.
على خشبة المسرح كان فتى وسيماً بلا عيوب، أضحك الناس من القلب. لكم امتلك سمير غانم من خفة الدم والخيال الخصب، وكم استطاع أن يوظف موهبته بطريقة ساحرة! كان نموذجاً فريداً من الكوميديا، واستطاع أن ينحت لنفسه مكاناً؛ ليس فقط داخل قلوب الجماهير وإنما في تاريخ الكوميديا المصرية والعربية.
قَدّم الكوميديا بحسّ مصري ولكن بسمة عالمية. تعمّد أن يرسم لنفسه شخصية من خلال ملابسه المميزة والباروكات التي كان يرتديها ونظاراته السميكة. والأهم كانت طريقة إدارته لكل المقابلات التلفزيونية رائعة، التي أسر فيها المشاهدين، لبساطته وذكائه اللحظي وصدق إجابته من دون ادعاء.
إن إصرار سمير غانم المدهش على عدم تنويع أدواره بين أنواع الدراما المختلفة كان ناجحاً برأيي، لأنه استطاع أن يحافظ على عقد الضحك بينه وبين الجمهور حتى آخر لحظة. كان شديد الوفاء لفن الضحك.
وهنا تحضرني حكاية الكاتب الكبير لينين الرملي (1945 ــ 2020) عندما عرض على سمير غانم فيلم "الرجل الذي عطس" (1985). حاول الرملي تقديم غانم في قالب تراجيدي-كوميدي، في موضوع أقرب إلى الكوميديا السوداء. لكن غانم ــ رغم قوة الموضوع المطروح في الفيلم ــ لم يستسغ نفسه في تقديم هذا النوع من الأعمال. فشل المشروع لوفاء سمير غانم لمشروعه الأثير، أي الكوميديا الحقيقية، تلك التي تُدخل الضحك إلى قلوب الجماهير من دون استئذان.
غانم رحل الخميس الماضي إلى حيث رحل صديقاه اللذان بدأ حياته الفنية معهما: الضيف أحمد وجورج سيدهم. ثلاثي أضواء المسرح، هؤلاء ملأوا الدنيا شباباً وبهجة وسعادة.
يحضرني الآن مع حزني لرحيل سمير غانم، رثاؤه لزميل دربه الضيف أحمد بكلمات مؤثرة: عزيزي الضيف أحمد، بفكر فيك كل ما بضحك. وهي أيام بنقضيها يا ضيف، وحنتقابل بلا تكليف.
صدق سمير غانم، ولحق بالضيف وجورج سيدهم، وقابلهما بلا تكليف.