اختبارٌ جديد في مجال سينمائي، مصنوع أولاً في أميركا الشمالية. "فيلم طريق (Road Movie)" يسهل تفسيره العام، رغم أوصافٍ له تتوافق في تفسيره، كـ"فيلم تجوّل"، و"فيلم سائق". يقول التفسير إنّ هذا نوعٌ سينمائي، يكون خطّه الأساسي/نواته الدرامية رحلةً، أو جرياً/ركضاً على الطرقات، باستخدام وسائل نقل مختلفة، كالدرّاجة النارية، كما في Easy Rider، لدونيز هوبّر (1969)، أو سيارة، كما في "تيلما ولويز" (1991) لريدلي سكوت.
"فيلم طريق" ترجمة عربية لنوعٍ سينمائي ابتكرته السينما الأميركية نهاية ستينيات القرن الـ20. سماته تتمثّل بالتالي: شخصٌ، أو أكثر، يختار/يختارون الطريق حيّزاً للتحرّر من مساحة مُغلَقة، تُفرَض بالإكراه عليه/عليهم؛ ثم بلوغ مكان/وُجهة/غاية غير معروفة مسبقاً. تنتهي الرحلة الطويلة، غالباً لكنْ ليس دائماً، بشكلٍ سيئ، من دون أنْ يكون الأمر ممنهجاً.
التفسيرات اللاحقة متنوّعة. يحدث شيءٌ ما على الطريق، فتبدأ خفايا كثيرة بالانكشاف. أو يبقى كلّ شيءٍ، أو بعضه، مخفياً. لا ثوابت. مطاردة غير مفهوم سببها الأصلي، أو أسبابها. إسقاطات عدّة يُمكن اعتمادها في فهم جوهر النصّ السينمائي، رغم أنّ براعة الاشتغال تظهر، أحياناً، في "عبثية" المطاردة، أو عدم وضوح أهدافها (المطاردة). في "الطريق"، تنكشف أمور وحالات وانفعالات وآمال وخيبات. يُقال كلامٌ كثير، ومعظمه مرتبطٌ بنفسٍ وروحٍ مُتعبتَين وساعيتَين إلى خلاصٍ، أو إلى اختبار خلاصٍ.
"أبو صدّام" (2021)، للمصرية نادين خان ("العربي الجديد"، 11 مايو/أيار 2022)، "فيلم طريق" بامتياز: سائق الشاحنة، أبو صدّام (محمد ممدوح)، يقود شاحنته في طرق صحراوية، ويُعرّي ذاته وحكاياته ومشاعره ونفسه بكلامٍ متماسكٍ في ارتباطه الوثيق بسيناريو مُحكم البناء (قصة نادين خان، سيناريو وحوار محمود عزت). إضافة إلى تفاصيل تحصل في يوميات سائقي الشاحنات على الطرقات الطويلة.
جديد "أفلام الطريق" يتمثّل بـ"سكة طويلة" (2022)، للّبناني عمر نعيم ("نتفليكس"، إنتاج "أم بي سي استديو" و"إيماج نايشن" أبو ظبي). عنوانه الإنكليزي "طريق 10"، أي تلك الطريق التي تشهد أحداثاً غامضة للثنائي مريم (فاطمة البنوي) وشقيقها ناصر (براء عالم)، الذي يقود السيارة من الرياض إلى أبو ظبي، لحضور عرسٍ، بعد "إلغاء" تذكرتي السفر بالطائرة، في اللحظة الأخيرة. في الطريق، يُطاردهما رجلٌ، غير ظاهرة معالمه إطلاقاً، يقود سيارة رباعية الدفع، محاولاً القضاء عليهما.
مفردات "فيلم طريق" مشغولة بمهنيّةٍ واضحة. انكشاف خفايا، تخصّ العائلة، يُصبح سريعاً جوهر النصّ والرحلة. نوعٌ من تعرية روح ونفس، في لحظات قلق ورعب ومخاطر. التشويق فاعلٌ أساسيّ في تشكيل المتتاليات البصرية، ولحظات الهدوء ضرورية لالتقاط الأنفاس. شخصيات عابرة تظهر، ووالد الشقيقين، محمد (عبد المحسن النمر)، يظهر بين حين وآخر، منتظراً إياهما في حفلة العرس، ومتحدّثاً مع ناصر هاتفياً في مسائل العمل.
كلّ شيءٍ يجب أنْ ينكشف، كي يتمكّن ناصر ومريم من الاغتسال من أثقالٍ عليهما، وبعض الأثقال متأتٍ من ماضٍ وأهلٍ واجتماع. الاشتغالات الفنية والتقنية تساهم في رفع منسوب التشويق والقلق، كالتصوير (ماثيو إيرفينغ) والصوت (رنا عيد) والموسيقى (عمر فاضل). التوليف (زينة أبو الحُسن) يُفعِّل التشويق، ويمنح الشخصيتين حضوراً شبه متساوٍ، في لقطاتٍ مقرّبة غالباً، أو في التركيبة الفنية للمتتاليات البصرية.