سفينة شراعية فرنسية تبحث عن "شعب خفيّ" في المحيطات

13 ديسمبر 2020
انطلقت سفينة تارا في الذكرى الخامسة لاتفاقية باريس للمناخ (فرانس برس)
+ الخط -

أبحرت السفينة الشراعية "تارا"، أمس السبت، من فرنسا إلى النصف الجنوبي للكرة الأرضية، في مهمة علمية جديدة، تسعى خلالها إلى استكشاف ألغاز "الشعب الخفيّ" للمحيطات، أي الكائنات الحية البحرية الدقيقة، بغية فهم دورها المهم في المنظومة البيئية البحرية.

وانطلقت السفينة الشهيرة في الذكرى الخامسة لـاتفاقية باريس للمناخ، متجهة مباشرة إلى بونتا أريناس في جنوب تشيلي، حيث سيصعد على متنها العلماء في فبراير/شباط المقبل للشروع في مهمتهم. وعلى مدى 21 شهراً، تجوب "تارا" ما مجموعه 70 ألف كيلومتر في البحر وتتوقف في 21 محطة.

من ميناء لوريان في بريتانيه (غرب فرنسا) الذي بدت أرصفته مقفرة بسبب جائحة كوفيد-19، كانت بداية رحلة "تارا" التي صممها المستكشف جان لوي إتيان، ويبلغ طولها 36 متراً وعرضها عشرة أمتار.

وعلّق المدير العام لمؤسسة "تارا أوسيان"، رومان تروبليه، قائلاً "إنه أمر غريب جداً، إذ ترافق إطلاقنا رحلاتنا عادةً أجواء احتفالية يشارك فيها حشد من الناس". وأعرب عن ارتياحه لبدء المشروع أخيراً بعد تأجيله غير مرة بسبب الأزمة الصحية.

ورأى أن إبحار السفينة في هذا التاريخ الرمزي "يذكّر بأن المدى القصير الذي تطغى عليه أزمة كوفيد-19، يجب ألا يكون سبباً لإهمال القضايا بعيدة المدى" المتمثلة في الاحتباس الحراري الذي تشكّل البحار والمحيطات "ضحية" له.

وتتولى السفينة فحص "الميكروبيوم"، وهو الجانب الخفي للمحيطات المكوّن من ملايين الأنواع، تكون في الغالب غير مرئية بالعين المجردة، كالجراثيم والفيروسات التي يضم سطل واحد من مياه البحر عشرة مليارات منها، والكائنات أحادية الخلية كالطلائعيات أو الأركيا، وهي ليست نباتات ولا حيوانات، ويمكن أن تعيش عائمة، مرتبطة بكائنات أخرى كالعوالق الحيوانية أو داخل كائنات أخرى، كالكائنات الحية الدقيقة البشرية الموجودة بالمليارات في أمعاء الإنسان.

كرة بلورية

وشرح المدير العلمي لاتحاد "تارا أوسيان"، كريس بولر، أن هذه الكائنات الحية الدقيقة البحرية التي وصفها عالم الأحياء الألماني إرنست هايكل في نهاية القرن التاسع عشر، ووضعت مهمة "تارا أوسيان" السابقة لائحة بها، تمثل "ما لا يقل عن ثلثي الكتلة الحيوية للمحيطات"، أي أربع مرات أكثر من الكتلة الحيوية التراكمية لكل الحشرات على الأرض.

لكنّ طريقة عمل هذه الكائنات الحية الدقيقة لا تزال مجهولة. وبالتالي، فإن التحدي أمام "تارا ميكروبيوم" يتمثل في استكشاف "مسرح نشاط" هذه الحياة الميكروبية الضرورية للمنظومة البيئية المحيطية بأكملها، والتي تشكل الحلقة الأولى في السلسلة الغذائية.

كيف ينتج هذا "الشعب غير المرئي" الأكسجين؟ كيف يخزّن ثاني أكسيد الكربون؟ كيف يتفاعل مع الاحتباس الحراري والتلوث؟

وقال مدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي المدير المشارك لبعثة "ميكروبيوم"، كولومبان دو فارغاس "سنضع أنفسنا مكان الميكروب لكي نفهمه".

فعلى متن السفينة ، سيعمل الطاقم على فحص مياه البحر حتى عمق ألف متر، وجمع عشرات الآلاف من العيّنات ثم تخزينها في درجات حرارة شديدة البرودة في النيتروجين السائل.

وبعد إنجاز مهمتها في تشيلي، تبحر السفينة الشراعية في محاذاة الساحل الأميركي الجنوبي وصولاً إلى قناة بنما، وتمر عبر جزر الأنتيل الفرنسية، وتواصل رحلتها على امتداد الأمازون انطلاقاً من الأرجنتين، ثم تتجه إلى بحر ويديل في القارة القطبية الجنوبية.

ومن هناك، تعاود الاتجاه صعوداً إلى جنوب أفريقيا في مارس/آذار 2022، ثم تبحر على طول القارة الأفريقية، متوقفة في أكثر من محطة، قبل أن تصل إلى لشبونة في سبتمبر/أيلول 2022 وتعود منها إلى فرنسا.

تتولى السفينة فحص "الميكروبيوم"، وهو الجانب الخفي للمحيطات المكوّن من ملايين الأنواع

ومن شأن هذا المسار القريب بما يكفي من الساحل، أن يتيح أخذ عينات من "التدرجات"، وهي معلمات بيئية تتغير بسرعة كبيرة في مساحة صغيرة بسبب التفاعل بين الأرض والبحر (الاختلافات في الملوحة ودرجة الحرارة عندما يذوب نهر جليدي، ومستوى التلوث عندما يتدفق النهر إلى البحر، وما إلى ذلك).

وشرح مدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي كولومبان دو فارغاس "هذه التدرجات هي ملخص على نطاق صغير للتغير الذي سيحدث على نطاق العالم. إنها أشبه بكرة بلورية".

ومن المتوقع أن يتناوب على المشاركة على متن السفينة 15 بحاراً و 80 باحثاً، علماً أن عدد المؤسسات العلمية المعنية بمهمة "تارا" هو 42 من 13 دولة، من بينها فرنسا وتشيلي والبرازيل وإيطاليا وجنوب أفريقيا.

وتشكّل "تارا ميكروبيوم" الرحلة الاستكشافية الثانية عشرة لهذه السفينة الشراعية التي أطلقها إتيان بورجوا ومصممة الأزياء أنييس عام 2003. وقد سبقتها رحلات أخرى، من أبرزها "تارا مايكروبلاستيكس" و"تارا باسيفيك" و"تارا أوشنز".

(فرانس برس)

المساهمون