في محاولة لتحسين صورة روسيا إثر خسارتها الواضحة في الحرب الإعلامية بعد غزوها لأوكرانيا، لا تتوانى بروباغندا الكرملين عن استخدام الأدوات كافة لتثبيت الرواية الروسية للغزو. ومع فشل تعديل الأوضاع، يبدو أن الكرملين قرر الاستعانة بخدمات الممثل والمنتج الأميركي ستيفن سيغال، الحائز على الجنسية الروسية منذ سنوات بمرسوم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكشف أحد كبار المشرفين على بروباغندا الكرملين، فلاديمير سلافيوف، عبر صفحته في تطبيق تيليغرام، عن زيارة سيغال، الثلاثاء الماضي، لسجن أولينيفكا، في إقليم دونيتسك الانفصالي عن أوكرانيا، حيث قتل نحو 70 مقاتلاً من الأسرى الأوكرانيين الشهر الماضي وجرح العشرات. تبادلت كييف وموسكو المسؤولية عن قصف السجن وسقوط الضحايا. وقال سلافيوف إن سيغال "اطلع على الأدلة بشأن تورط أوكرانيا في مذبحة ضد شعبها"، مشيراً إلى أن الممثل عاين عدداً من شظايا الصواريخ الأميركية التي تورط الجيش الأوكراني في الحادثة.
تدّعي موسكو أن أوكرانيا أطلقت النار على السجن بصواريخ هيمارس الأميركية، فيما قالت كييف إن روسيا نفذت القصف للتستر على "آثار التعذيب وإعدام سجناء". في أوائل الشهر الحالي، بدأت الأمم المتحدة تحقيقاً في الوفيات في سجن أولينيفكا، بناء على طلب كل من روسيا وأوكرانيا.
والتقى رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية الانفصالية عن أوكرانيا والمدعومة من روسيا، دينيس بوشيلين، الممثل الأميركي. وقال بوشيلين عبر قناته في "تيليغرام" إن "نجم هوليوود يريد إعداد فيلم وثائقي عن الأوضاع في دونباس شرقي أوكرانيا (دونيتسك ولوغانسك)"، وأشار إلى أن سيغال ذكر أن "98 في المائة ممن يتحدثون عن الصراع (في أوكرانيا) في وسائل الإعلام لم يحضروا هنا إطلاقاً، لذلك فالعالم لا يعرف الحقيقة". وأضاف بوشيلين أن سيغال أكد أنه "يريد تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى هذه الحرب". وخلص الزعيم الانفصالي إلى أن المهمة ليست سهلة، وتمنى التوفيق لسيغال، وشكره على زيارة "الجمهورية" في هذه الفترة غير الآمنة.
في 10 إبريل/نيسان الماضي، احتفل سيغال بعيد ميلاده السبعين في موسكو، بحضور عدد من أبرز صانعي بروباغندا الكرملين، من ضمنهم سلافيوف الذي ترجم إلى الروسية أقوال سيغال، ورئيسة شبكة آر تي الحكومية مارغاريتا سومينيان، وزوجها المقدم التلفزيوني تيغران كيوسيان. وفي مقطع فيديو نشره سلافيوف على "تيليغرام"، قال سيغال: "أنتم عائلتي وأصدقائي، وأنا أحبكم جميعاً، ونحن نقف معاً في السراء والضراء".
وظهر سيغال، معلم الفنون القتالية، في السنوات الأخيرة في لقاءات وجولات مع بوتين الشغوف برياضة الجودو والفنون القتالية، والذي يصغر النجم الأميركي بأشهر فقط. وتكشف الصور ومقاطع الفيديو عن علاقة طيبة بين الرجلين، إذ وصف سيغال بوتين، قبل سنوات، بأنه "أحد أعظم قادة العالم، إن لم يكن أعظمهم على قيد الحياة اليوم"، في حديثه لقناة فوكس نيوز الأميركية. وفي لقاء مع القناة نفسها، في 2 مارس/آذار الماضي، بعد أيام من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، دافع عن السردية الروسية للحرب على الدولة الجارة، وقال إن "بوتين رجل ذكي ذو عقل استراتيجي لامع". ورأى أن الأوكرانيين والروس "أسرة واحدة"، وأعرب عن اعتقاده بوجود "كيان خارجي ينفق مبالغ ضخمة لإثارة الخلاف بين البلدين"، ووجّه انتقادات حادة لفبركة الأخبار ضد روسيا في الولايات المتحدة. وختم اللقاء بقوله: "أدعو الله أن يتوصل البلدان إلى حل إيجابي وسلمي، يمكنهما من خلاله العيش معاً وتحقيق الازدهار معاً بسلام".
ومعلوم أن بوتين وقّع في 2016 على مرسوم منح الجنسية لسيغال الذي لعب أدوار البطولة في عدد من أفلام الإثارة في تسعينيات القرن الماضي. حينها، عزا الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، منح سيغال الجنسية الروسية إلى أنه "معروف بحبه لروسيا، كما أن مركزه كممثل مرموق خوّله الحصول على الجنسية"، وزاد أن السلطات الروسية لم تجد سبباً لرفض طلب مَن لديه مشاعر ودية واضحة نحو بلادنا. وفي 2018 ذكرت وزارة الخارجية الروسية على موقعها الرسمي في بيان "تعيين ستيفن سيغال ممثلاً خاصاً لوزارة خارجية روسيا لشؤون الاتصالات الإنسانية الروسية الأميركية".
يقيم سيغال بشكل شبه دائم في روسيا. وعلى عكس معظم المسؤولين الروس، اختار في مايو/أيار من العام الماضي الانتساب إلى حزب "روسيا العادلة - من أجل الحقيقة" الذي تقول وسائل إعلام روسية إن الكرملين أسسه من أجل سحب جمهور ناخبي الحزب الشيوعي الروسي. ونفى سيغال في أكثر من لقاء تلفزيوني نيته الترشح لمنصب حاكم في أحد الأقاليم الروسية في سيبيريا.