زين مالك: لا أحد يستمع

19 يناير 2021
"الحنين إلى الماضي... يا له من شعور مضحك" (فيسبوك)
+ الخط -

بعد أكثر من عامين على آخر ألبوم له، يعود المغني الإنكليزي الشاب، زين مالك، بألبوم منفرد جديد حمل عنوان "لا أحد يستمع" NOBODY IS LISTENING. هذا الإصدار هو الثالث في مسيرته، بعد أن قدم أربعة ألبومات برفقة فرقته السابقة "ون دايريكشن" التي انفصل عنها عام 2015.

ضم الإصدار إحدى عشرة أغنية، غلب عليها الطابع الرومانسي. في الأغنية الافتتاحية CALAMITY، يصوغ مالك مقاطع شعرية على طريقة الراب. خطاب سردي تقوده مفردات ساخرة موجهة من صميم ذاته: "الحنين إلى الماضي، يا له من شعور مضحك"، لتعكس تشوهًا خلفه واقعٌ مضطربٌ يكابده، فأضحى شخصًا باردًا مستهترًا يعرف أخطاءه: "الموت الممزق الذي لا أفتقده اطلاقًا".

جاءت الأغنية باهتة، فقيرة موسيقيًا تناسب المزاج الخطابي فيها. وإن اختتم الأغنية بعبارة "لا أحد يستمع لي"، فإنما ليس لكسر وصلة الراب التي استهل بها الأغنية، وليعود إلى أسلوبه المعتاد في غناء نمط الآر أند بي فحسب؛ بل لتضيف نكهةً متهكمة وحزينة تمهد لأجوبة، ستقود باقة الأغنيات اللاحقة من الألبوم، أشكالها، كتفريغ نفسي مفعم بألحان دافئة ورومانسية. 
على المستوى الشعري، قد لا نجد ما هو ملفت وعميق. بساطة الكلمات تموج في حنجرة مالك؛ فتغدو مطواعة للصوت الرقيق، إذ تنساب مع الإيقاع البسيط، وتصبح متدفقة الشجن والمغنى.

نميز ذلك في أغنية BETTER وoutside وwindowsill. العلاقة بين باقي الأغنيات شبيهة لسابقاتها، لكن نميز منها الحضور الصوتي المتنوع لمالك. فأسلوب الأخير الغنائي لا نجد له شبيهًا في أعماله وألبوماته السابقة. إذ يعتمد مالك على فرز طبقات صوتية متنوعة ومختلفة، لم يكن قد تفرّد بها سابقًا، حتى عندما كان عضوًا في فرقة "ون دايركشن" الشهيرة. نلاحظ هذا الأسلوب في أغنية UNFUCKWITABLE، وكذلك أغنية CONNEXION التي تنضح بالرومنسية وبمشاعر الحب، بأسلوب هادئ، ثم ما تلبث الإيقاعات أن تتلون بتلون صوت مالك الذي يصبح أكثر حدّة وعمقًا ونعومةً توازيه ألحان مشوهة أضفت جمالية خاصة للأغنية. 

أغنيتان بارزتان ضمهما الألبوم، الأولى، SWEAT، التي يمكن اعتبارها أجمل وأفضل أغاني الإصدار، ومنحت طابعًا مختلفًا أكثر تحررًا موسيقيًا وغنائيًا. الغناء مفعم بحيوية وطاقة عاليتين، أظهرتا أداء مالك الصوتي على حقيقته، يرافقه حضور إيقاعي لافت لآلة الدرامز، تلائم بحيويتها جو الأغنية وأدائها.

أما الأغنية الثانية، TIGHTROPE، فهي أغنية نموذجية في شكلها. تحاكي موضوعات الألبوم ولا تشذ عنه. إلا أنها حملت في سياقها مقطعًا غنائيًا باللغة الباكستانية، على اعتبار أن أصول مالك باكستانية. وهي تجربة أعاد تكرارها الأخير بعد أن قدم أغنية كاملة باللهجة الباكستانية في ألبومه السابق "شلالات إيكاروس" عام 2018. وهي أغنية FLOWER INTERMISSION. اللافت أن دمج اللغة الإنكليزية مع المقطع الأخير في الأغنية بلغة باكستانية لم تمنح شعورًا شاذًا يخرج الأغنية من ثوبها الأساسي، بل جاء مناسبًا متناسقًا تماشى بشجنه مع الإيقاع العام الرومانسي للأغنية.

الأغنية الأخيرة في الألبوم حملت عنوان RIVER ROAD. تميزت بهدوئها واسترسالها على نغمات الغيتار، محمولة بروح كلاسيكية تحاكي أعمالًا لأشهر المغنين الراحلين، أمثال الأميركي الإيطالي بيري كومو، والفرنسي شارل أزنافور، والبريطانية أودري هيبورن.

حملت الأغنية طابعًا تجريبيًا مخالفًا لجميع أغاني وأعمال زين مالك، وأضفت تنوعًا في رصيد الأخير، يتماشى مع غاية الألبوم والتحولات القائمة فيه. إلا أن مالك أراد أن يختتم ألبومه بأغنية يتناقض محتواها مع ما بدأه في أغنيته الافتتاحية CALAMITY؛ إذ إن خطابه الساخر، والتشوهات النفسية والفكرية التي انطلق بها، أصبحت في النهاية تعبيراً عن مشاعر السلام الداخلي تحتويها لغة شعرية أكثر رقة ونضجًا، فيقول فيها: "أعلم أنني سأرى الشمس مجددًا، أوراق الأشجار اصطبغت باللون البرتقالي. الإجابات ستمكث بداخلي. ماذا سأترك ورائي؟ إلى أين سأختار أن أذهب؟ لا يمكننا التحكم بجميع العواقب، اترك زمام الأمور وأمتطي الإيقاع".

المساهمون