زيد الفاروقي يصمم التراث في رداء معاصر

02 يونيو 2021
استوحى الفاروقي بعض أعماله من عائلته ورحلتها (العربي الجديد)
+ الخط -

يبدو الأسلوب الشرقي عنواناً عريضاً لتصاميم زيد الفاروقي. هي من السمات الأساسية التي يتمسك بها، وكأن هويته الشرقية من أهم المواصفات التي لا يتخلّى عنها في أي تصميم له، وفي كل قصة يرويها من خلال الأزياء التي يعمل عليها.

في حديثه مع "العربي الجديد"، يؤكد المصمم الفلسطيني الأصل أنه ثمة مغزى من وراء كل قطعة تحمل توقيعه، ويحرص دوماً أن تكون مستوحاة من تراثنا العربي، مع تلك اللمسة العصرية المواكبة للموضة التي باتت تميّزه، حيث يمكن لكل من يرى تصاميمه أن يتعرّف إليها بسهولة. حَلم فاروقي من الطفولة بأن يصبح مصمماً للأزياء؛ فلاحق حلمه بشغف حتى النهاية، ولم يشأ التخلي عنه يوماً.

في مرحلة أولى، رفض أهله أن يتخصص في هذا المجال، ما دفعه إلى دراسة إدارة الأعمال في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كانت هناك حصص في الفن قرر حضورها. عندها، سرعان ما عاد وانجذب إلى المجال الذي عشقه دوماً، والذي كان يجد روحه فيها، على حد قوله، فقرر الجمع بين الفن والأزياء. انتقل إلى ميلانو حيث درس تصميم الأزياء، ثم في لندن أراد الغوص أكثر في المجال الذي كان دوماً شغفاً له، بحضور دورات في تقنيات التطريز والرسم باليد، وغيرها من النقاط التي سعى إلى أن يطوّر نفسه فيها.

هذا إلى أن انتقل إلى الإمارات، حيث بدأ بتصميم الأزياء بطريقة لافتة؛ إذ كان يصمم قطعاً فريدة من نوعها، ومصنوعة يدوياً، وكل منها يُرسم عليها لوحة. ثم بدأ بالتوسع وبالقيام بتعاون مع شركات عدة، ومنها إحدى شركات السيارات التي طلبت مجموعة محدودة من الملابس الجاهزة تكون مستوحاة من أسلوب السيارة. "في مرحلة لاحقة، لاحظت أنه ثمة نقص واضح في مجال تصميم الأزياء الرجالية؛ فقررت خوض هذه التجربة من خلال الملابس الجاهزة التي يمكن أن يرتديها كل من الرجل والمرأة على حد سواء، مع قطع فريدة تصمم على الطلب لأي منهما".

لطالما تميّز فاروقي بتصاميمه الفريدة المصنوعة يدوياً، وتنقل فناً معيناً، حيث إن كل النقشات ترسم يدوياً لتتحوّل إلى قطعة فنية. لا يتبع المصمم خطى غيره من المصممين، فلا يطلق مجموعة في كل موسم كما تجري العادة في عالم تصميم الأزياء، بل لكل مجموعة يطلقها قصّة ومغزى من ورائها، فيستوحي مجموعة من وحي قصّة معينة.

يشير في حديثه إلى المجموعة الأولى التي أطلقها وحملت عنوان Dripping Amends، وقد استوحيت من امرأة في قصر ورثته من أجدادها، وحين تمشي فيه ليلاً بحثاً عن قوة أسلافها وهويتها تذوب الشموع من حولها. لذلك، أتت مختلف التصاميم في المجموعة مستوحاة من تلك الشموع التي تذوب من حولها في الرسوم والتطريز.

أما المجموعة الثانية Revival، فاستوحاها من ملكة عربية تتميز بالقوة والصلابة، ففيها القطع البسيطة وتلك المصنوعة من الحديد، وترمز إلى هذه القوة قطع حتى هي من الأزياء الرجالية كـ "العقال" مثلاً، ترتديها على طريقتها، فتأخذ قوتها من الرجل، لتكون الملكة الملائمة بكل ما لديها من قوة وصلابة. يقول الفاروقي: "عندما أطلقنا مجموعة من الملابس الجاهز، تحت عنوان "أنا رجل واحد وأنت قبيلة من النساء"، أتت مستوحاة من كلمات الشاعر نزار قباني، وتضمنت قطعاً بسيطة لكن يمكن ارتداؤها بطرق متعددة، خصوصاً من قبل المرأة. فقوة المرأة تظهر فيها بشكل واضح".

أما في مجموعة "أنا شرقي"، فاستوحى المصمم من جذوره وعائلته التي تنقلت من بلدان بعيدة. فهي مستوحاة من التراث، وفكرة الهجرة، حيث يظهر التداخل ما بين قطع مختلفة في أسلوبها للتعبير عن هذه الفكرة. واحتفالاً بهذه، المجموعة قدّم المصمم قطعاً فريدة بإصدار محدود، طلب فيها من الشاعرة البحرينية فاطمة السعد أن تكتب شعراً خصيصاً للقطع، من جاكيتات جينز وتي شيرت وغيرها، تعبّر فيها عن معنى أن يكون الفرد شرقياً. وعبر التعاون مع علامات معينة، استطاع المصمم أن يثبت من فرادة في التصميم مع تنويع وإبداع لا حدود له.

وطبعاً ركّز الفاروقي دوماً على الإكسسوارات الملائمة لكل تصميم، وكلّها مستوحاة من الأسلوب العربي الشرقي، ومنها النياشين التي اعتمدها بأسلوب عصري والعقال، وغيرها من التفاصيل التي هدفت إلى الحصول على إطلالة متكاملة. وراء كل مجموعة وتصميم فن يجسدّه المصمم بقدرته الإبداعية من جهة، وشغفه في هذا المجال من جهة ثانية، حيث لا حدود للفن والإبداع. ويبقى العنوان العريض لتصاميمه الأسلوب الشرقي بامتياز. فسعى دوماً إلى تجسيد أصوله الشرقية العربية التي يفخر بها في تصاميمه. ما أراده فعلاً وضع لمسات عصرية مواكبة للموضة على تصاميم تحمل الهوية العربية.

في هذا السياق، يشير إلى أنه غالباً ما نأخذ من الغرب الأسلوب في الإطلالات المعتمدة، فيما نفقد بشكل أو بآخر الأسلوب العربي الأصيل الذي لم نشهد تطوراً فيه بشكل خاص. "أريد أن أقول إني شرقي عربي أفخر بذلك فيما أرتدي هذه الملابس التي تعكس هويتي في الدول الأجنبية. وعلى صعيد شخصي، أعرف أني وعائلتي تنقلنا كثيراً بين دول مختلفة، ما أعكسه أيضاً في تصاميمي التي تحمل جانب القوة والقدرة على التأقلم في مختلف المجتمعات. فأحتفل بكوني شرقيا من مكان غني بتاريخه وتراثه وألتزم بالأسلوب الشرقي المعاصر". 

في بداية مرحلة انتشار الوباء، شهد عالم الموضة جموداً إلى حد ما، فلا ينكر مرزوقي أنه مرّ بهذه المرحلة كأي شخص آخر. وبشكل عام، يشير إلى أن كورونا بدّلت في الأساليب المعتمدة في الإطلالات اليومية. فسرعان ما اتجه، كما بالنسبة إلى مختلف العلامات، إلى التصاميم والقطع المريحة والعملية التي تتناسب مع الأسلوب السائد في هذه المرحلة. "بدّلنا في تصاميمنا، وكان ذلك طبيعياً مع بداية انتشار الوباء لمواكبة هذه المرحلة، حيث تم التركيز على مجموعة الملابس الجاهزة التي تباع أونلاين. وشيئاً فشيئاً، أصبح التركيز على القطع العملية والخفيفة التي يسهل غسلها والتعامل معها. فكان الهدف تقديم أسلوبنا بقطع جديدة تواكب الظروف الحالية من حيث الأقمشة والستايل ونواح عديدة".

المساهمون