أثار مشروع قانون صيني يتيح للسلطات اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي نوع من الملابس التي "تؤذي مشاعر الأمة"، مخاوف كبيرة بشأن الحريات الشخصية في البلاد. وكان مجلس النواب الصيني قد اقترح قبل أيام إدخال تغييرات على قانون يسمح للسلطات بتغريم واحتجاز الأشخاص الذين يرتدون ملابس لا تتوافق مع روح الأمة. وتسعى اللجنة الدائمة للمجلس الوطني التي كشفت عن الاقتراح على موقعها الإلكتروني، لحظر الملابس والرموز التي تعتبر ضارة بروح الأمة الصينية. وفي حال إقرار التعديلات الجديدة، فإن من شأن ذلك أن يمنح السلطات صلاحيات واسعة في ملاحقة الشباب وتتبع أزيائهم، وهو أمر اعتبره حقوقيون مؤشراً على تآكل الحريات الشخصية وعودة عكسية للبلاد إلى حقبة الثورة الثقافية التي أطلقها الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ.
هذا وقد أعادت التعديلات المقترحة الذاكرة الصينية إلى ذروة التعصب الشيوعي في ستينيات القرن الماضي، حيث كان يُنظر إلى الجينز الأزرق على أنه رمز للرأسمالية الأميركية التي تؤذي مشاعر الشعب الصيني. وكان يُحظر آنذاك الشعر الطويل للرجال والنساء على حد سواء، وكذلك فرض الملابس الذكورية على الإناث (ارتداء البدلة الداكنة - سترة ماو- التي ميّزت الجيش الأحمر في أثناء الثورة الثقافية)، حتى إن التعبير عن المشاعر العاطفية آنذاك كان منبوذاً باعتباره مؤشراً على هشاشة الشخصية. وقد استمرت مثل هذه المفاهيم حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، واختفت لاحقاً بعد إطلاق الزعيم الصيني الراحل دينغ شياو بينغ، ما عُرف بسياسة الإصلاح والانفتاح في الصين، الذي لا يدور حول التحرير الاقتصادي فحسب، بل أيضاً تحرير الفكر والتسامح مع الاختيارات الشخصية، ما أتاح للناس قدراً أكبر من الحرية في خيارات نمط حياتهم، بما في ذلك حرية اختيار أماكن تناول الطعام في الخارج (كان الطعام يقتصر على مقاصف خاصة بالحزب الشيوعي)، وحرية السفر إلى خارج البر الرئيسي الصيني الذي ظل لعقود مقترناً بموافقة خطية من الحزب، وحرية ارتداء الملابس التي يفضلونها. ومنذ ذلك الحين توقفت الأزياء والملابس عن كونها قضية سياسية.
تصاعد النزعة القومية
في تعليقها على التعديلات المقترحة وتأثيرها في الأزياء والملابس الصينية، قالت الناشطة لي سونغ، في حديث لـ"العربي الجديد": "أولاً يجب أن نتفق على أنّ من المستحيل قانونياً تحديد فكرة غير ملموسة، فحين نتحدث عن (روح ومشاعر الأمة) هي عبارة فضفاضة تستخدم عادة للإشارة إلى مستوى الوطنية، أو الافتقار إليها. وبالتالي ليس هناك معايير محددة لطبيعة الانتهاكات المحتملة، ما يضع الشباب في مرمى سلطات إنفاذ القانون، ما يعني أن النظارة الشمسية قد تكون في أحد الأيام سبباً في إيذاء روح الأمة، وقد تودي بصاحبها إلى دوامة المساءلة كما كان يحدث في ستينيات القرن الماضي". وتساءلت: "هل يعقل أن نناقش ونحن في القرن الواحد والعشرين تداعيات ارتداء نظارة شمسية؟"، وتابعت: "لك أن تتخيل أنه بموجب القانون المقترح، سيكون لدى الشرطة أساس قانوني قوي لاستجواب ومعاقبة أي شخص بذريعة أن ملابسه غير ملائمة". ولفتت إلى أنه في حال إقرار التعديل، فإن سلطة تحديد هذه المصطلحات تقع على عاتق ضباط شرطة إنفاذ القانون. ومن المرجح أن يضيف ذلك ضغوطاً غير ضرورية على السلطات الصينية التي تواجه تحديات خارجية حقيقية.
من جهته، قال جيانغ بروان، وهو حقوقي يقيم في هونغ كونغ، إن التعديلات المقترحة تشير إلى "تزايد التعصب الذي قد يزرع بذور الانقسام في المجتمع الصيني". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "قد يؤدي ذلك إلى تصاعد النزعة القومية في وقت تعاني فيه البلاد من ضعف النمو الاقتصادي، والاستقطاب الشديد بين طبقات المجتمع. أيضاً من شأنه أن يؤدي إلى التراجع عن التقدم الذي أحرزته الصين خلال فترة الإصلاحات الاقتصادية التي شهدت تراجعاً واضحاً للسلطات عن التدخل في الحياة اليومية لأفراد المجتمع، ما أدى إلى التحرر من قبضة الدولة آنذاك والسعي نحو الرفعة والازدهار والرفاهية".
مخاوف مجتمعية
لم يخف وو ليانغ، مخاوفه في حديثه مع "العربي الجديد"، من تداعيات التعديل الجديد في حال إقراره، وقال إنه مثل معظم الشباب يفضل الملابس الحديثة التي تتفق وروح العصر، مثل: الجينز الممزق، أيضاً في بعض الأحيان يصبغ شعره باللون الأصفر، ويرتدي سلسالاً في رقبته، وهي أزياء قد تتعارض مع روح الأمة الصينية قياساً على مسلّمات سابقة شاعت وسادت خلال العقود الماضية في المجتمع الصيني. ولفت إلى أنه سيتوخى الحذر فور إقرار القانون، وسيحاول معرفة طبيعة الأزياء المحظورة قبل التورط في أي انتهاك محتمل.
في المقابل، دافع أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة صن يات سن، وي لي فنغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن المقترح الجديد، وقال إنه ضرورة للحفاظ على النسيج الاجتماعي الصيني في ظل موجات التغريب والغزو الثقافي الغربي الذي يستهدف الشباب. وقال إن الغاية حماية الهوية والثقافة الصينية، وبالتالي لا بأس من أن تكون هناك بعض الإجراءات القانونية لمعاقبة من يرتدون ملابس متطرفة تؤذي العين، حسب قوله، مثل: اللباس التقليدي الياباني، وقصات الشعر الغربية الغريبة عن التقاليد الصينية، والملابس الفاضحة. وأضاف أن الإجراء الصيني ليس بدعاً، ولفت إلى حظر السلطات الألمانية للزي الرسمي النازي لما يمثله من استفزاز لمشاعر الشعب الألماني. وأوضح أن الرقابة على الأزياء لا تعني بالضرورة فرض أنماط محددة من الملابس، ولكن هي محاولة للحفاظ على الذوق العام الذي ينسجم مع التقاليد والروح الصينية.
هذا ويعتقد مراقبون أن هذه الخطوة تتعارض مع نية الصين جذب المزيد من المستثمرين الدوليين، ومحاولة إقناع العالم بأنها بيئة صديقة ومنفتحة على الثقافات الأخرى. ويحذر هؤلاء من أن توسيع صلاحيات سلطة الدولة مرة أخرى في هذا المجال، من شأنه أن يشيع الخوف بين الناس، ويعيد البلاد عقوداً إلى الوراء.