يظهر رجل متنكر بزي رجل آلي أبيض لا وجه له، ليرقص على خشبة متواضعة، مثيراً الضحك بينما يعلو صوت الموسيقى الإلكترونية خلفه، قاطعاً عبر أسلوب حركته الشك باليقين. ما نراه ليس سوى رجل مُتنكر، هذا الأداء الساخر ينتهي حين يعتلي المليونير ورائد الأعمال وصاحب شركات الفضاء إيلون ماسك الخشبة ليخبرنا "هذا بالطبع ليس رجلاً آلياً حقيقياً"، لكن قريباً سيكون هناك نموذج أولي.
الإعلان الساخر الذي قام به ماسك أشبه برد فعل على التحذيرات الكثيرة التي أطلقها ماسك المتخوف من سيطرة الرجال الآليين على العالم ومن خطر الذكاء الاصطناعيّ، لكن، حسب قوله، فهذا الرجل الآلي سيعمل بذات المنطق و"الذكاء" الذي تعمل به سيارة تسلا، لكن هناك دوماً نكات متكررة على لسانه أثناء تقديم الرجل الآلي "هو لطيف" أو "بالإمكان الهروب منه" أو "نحن كبشر أقوى منه".
هذه التحذيرات والنكات تحاول أن تكسر الصورة النمطيّة عما يمكن أن يتحول إليه هذا الرجل الآلي، الذي لا يمتلك وجهاً، فالمهام المناطة به حسب ماسك هي "القيام بالمهام المبتذلة واليوميّة والخطرة والمتكرر"، ويضرب لنا مثالاً واحداً عليها، ألا وهو شراء البقالة، وكأنه يقول أن الأمر لن ينتهي بهيمنة الرجال الآليين على العالم وتحويلنا إلى عبيد، بل فقط، التقليل من "الجهد" اليومي المبذول، ليشير هنا إلى أن "الجهد" هو أساس الاقتصاد، ودخول رجل آلي سيدفع السلطة لإعادة النظر في نظام العمل، لكنه يؤكد أنه لن يستبدلنا كبشر، بل يمكن لنا القيام بذات المهام دون أن يحتكرها الرجل الآلي.
يرى البعض أن الرجل الآلي لن يكون فعالاً بكثرة على الأرض، بل هو تمهيد لمستعمرة المريخ التي يريد ماسك بناءها، فالروبوتات هناك من ستقوم بالمهام اليوميّة والخطرة لا البشر، لكن أيضاً، وجود هذا الروبوت هنا مثير للاهتمام، فإن حصل وتم فعلاً تطويره، سيغير من مفهوم وقت الفراغ، والعمل وتقسيمه، وهذا ما لا يشير إليه ماسك، فالمهام اليومية المقصودة ترتبط بالفضاء الخاص، شراء البقالة وتنظيف المنزل وغيرها، أي تلك التي يمكن لأي أسرة أن تحصل على رجل آلي من أجل القيام بها، لكن المفارقة أن هذه المهام لا تدخل ضمن ما يسمّى سوق العمل. ربما هنا يمكن أن نفهم المقصود بالمهام الخطرة، فهدف الرجل الآلي تحرير الأفراد من الجهد البدنيّ، لكن ما هي المهام الخطرة بدقة؟ حفر الأنفاق؟ العمل في المناجم؟ وهل الجهد البدني يعني الإرهاق، أم الدقة التي يمكن للآلة محاكاتها، كالعمليات الجراحية البسيطة التي تحتاج أيضاً جهداً عضلياً.
هناك غموض يحيط بالرجل الآلي المتوقع، لكن ما يثير الاهتمام أيضاً، أن ماسك أشار إلى أن الرجل الآلي بحاجة للتدريب، أي لا بد من تمرينه وتعليمه للقيام بالمهام المختلفة، وهنا قد يتحول إلى سلاح، خصوصاً أننا لا نعلم بعد إن كان سيلتزم بالقواعد الثلاث التي وضعها إسحاق عظميوف لبناء الرجال الآليين، كل هذه التساؤلات بالتأكيد مأخوذة بعين الاعتبار من قبل ماسك وفريقه وشركته. لكن السؤال الجدي، هل سيتمكن الشكل الاقتصادي الحالي من استيعاب العدد الكبير من البشر الذين سيصبح لديهم وقت فراغ أكثر؟ أي ماذا لو قرروا العمل أكثر لا الراحة والرفاهيّة؟
هناك أيضاً ما يثير الاستغراب في تصميم الرجل الآلي، هو ذو شكل بشري، وبلا وجه، بل ربما قد يكون وجهه شاشةً متغيرة، والتركيز فقط على جسده، وكأن في ذلك دلالة على أنه للعمل فقط، هو لا يفكر، بل ينفذ فقط بقوته الجسديّة، وهذا أيضاً ما يثير الرعب، هل يمكن تعديله أو قرصنته؟ ماذا لو أراد أحدهم تعديله وتدريبه على إسقاط نظام سياسي ما؟ هل سيتمكن من ذلك؟