رضا الباهي (1/ 2): "أصوّر مع ممثلين كبار وأتعلّم منهم"

12 ابريل 2024
رضا الباهي وابنه باديس: المسألة العائلية لا علاقة لها بالتمويل (فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- رضا الباهي، المخرج التونسي، بدأ شغفه بالسينما في سن مبكرة وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في فرنسا، متخصصاً في علم الاجتماع. أعماله تناولت قضايا اجتماعية وسياسية معقدة مثل الإرهاب وآثار الحروب، مما جعله يحصد 27 جائزة دولية.
- يعكس إنتاج الباهي تأثره بالأحداث الكبرى مثل انتفاضة الطلبة في باريس والحرب الأهلية اللبنانية، ويعمل حالياً على فيلم "زنوبيا" الذي يتناول التخلص من النفايات الكيميائية في أفريقيا، مستمراً في تسليط الضوء على القضايا البيئية والاجتماعية.
- الباهي يرى الجمهور العربي جزءاً أساسياً من نجاحه، مؤكداً على أهمية المحتوى على الجوائز ويشدد على العلاقة الخاصة بالمغرب. يُظهر أهمية العمل العائلي في مشاريعه السينمائية، معتبراً إياه جزءاً من العملية الإبداعية المشتركة.

رغم دراسته علم الاجتماع، وحصوله على ماجستير ودكتوراه في فرنسا، وُلِد اهتمام التونسي رضا الباهي بالسينما باكراً جداً، بفضل تجربة "نوادي سينما الهواة"، في مدينته "القيروان". بفضلها، أنجز أول أفلامه، وعمره حينها 16 عاماً: "المرأة التمثال". أعمال له معروضة في مهرجانات كبرى ("كانّ" وفينيسيا وتورونتو). أفلامه ذات إنتاج مشترك، نالت 27 جائزة من مهرجانات دولية، منذ عام 1971.

إنّه من جيل انتفاضة الطلبة في باريس عام 1968. أطروحة الماجستير بعنوان "السينما والمجتمع في تونس في الستينيات". لذلك، لن يكون غريباً أنْ تصطبغ سينماه بالقضايا الكبرى، كالإرهاب و"داعش"، كما في "زهرة حلب" (2016)، وآثار الحرب الأهلية اللبنانية على الشباب، كما في "ملائكة" (1984)، والقضاء على حِرَف محلية، كالصيد، لمصلحة رجال الأعمال، كما في "شمس الضباع" (1977)، وسطوة الحلم الأميركي على الشباب في البلدان العربية، والتنازلات التي تقودهم إلى الجحيم، كما في "دائما براندو" (2012)، وإشكالية التسامح ورفض الآخر، كما في "جزيرة الغفران" (2022) و"السنونو لا يموت في القدس" (1994).

أمّا أحدث أفلامه، الذي يعمل على إنجازه حالياً، "زنوبيا"، فيتناول جريمة التخلّص من النفايات الكيميائية في أفريقيا.

عن هذا كلّه، يتحدّث الباهي إلى "العربي الجديد".

 

(*) البداية بسؤال عن استقبال الجمهور لفيلم "زنوبيا" في بلدان عربية مختلفة، كتونس والمغرب ومصر.

محبة الجمهور تكفيني ولا تهمّني الجوائز. لكُلّ بلد تاريخ مع رضا الباهي. تاريخي مع السينما في مصر بدأ منذ زمن بعيد، فنجومها مثّلوا في أفلامي: كمال الشناوي ومديحة كامل ومحمود مرسي. لي فيها أصدقاء كثر. نقّادها دعموا أفلامي. أعتبر نفسي نصف مصري. لكنّ الجمهور المصري لم يرَ أفلامي، فقط "جزيرة الغفران". أول فيلم يُعرض جماهيرياً في مصر. أعجبتني وأدهشتني ردود الفعل. شعرت أنّه شوهد بشكل جيّد.

 

(*) لكنّ فيلمك "صندوق عجب" عُرض في مصر.

صحيح. عُرض في "دار الأوبرا المصرية"، لكنْ فقط لطلاب السينما، مع يوسف شاهين ورفيق الصبان. أفلامي لم تُعرض في مصر بحجّة أنّ اللهجة التونسية غير مفهومة للمصريين، وهذا غير صحيح، لأنْ حتّى أفلامي التي مثّل فيها مصريون لم تعرض في مصر، والسبب أنّها غير تجارية. أحد الموزّعين قال: "هذا فيلم مهرجانات".

 

(*) وماذا عن جمهور المغرب؟

تربطني علاقة خاصة ومختلفة بالمغرب، لأنّي صوّرت فيها عندما مُنعْتُ في تونس، إذْ سُمح لي بتصوير "شمس الضباع"، وفُتحت أمامي أبواب الفندق للتصوير، رغم أنّ السفير التونسي أراد منعي في المغرب وإغلاق الأبواب أمامي. عرضت أفلامي في المغرب، فهند صبري و"زهرة حلب" اسْتُقبِلا في المغرب بشكل جيّد. كذلك كُرِّمتُ مرّتين في "مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط"، قبل 10 أعوام، ثم عُرض "جزيرة الغفران" في دورته الـ28 (أُقيمت هذه الدورة بين 3 و10 مارس/آذار 2023 ـ المحرّر).

لديّ تاريخ مع المتفرّج المغربي. أعتبر أنّ لعرض الفيلم في تونس طعماً آخر، لأنّه حصل أمام الجمهور التونسي، ما جعله يحمل عمقاً في العواطف.

 

(*) في "جزيرة الغفران"، صنعت مزجاً لطيفاً بين المقاومة الشعبية وقصّة الحب والعلاقة المتشابكة المعقّدة بين أطراف قصّة الحب للتعبير عن التسامح.

في فترة ما قبل الاستقلال، كانت الأمور تغلي، كطعام يُعَدّ. عندما جاء الاستقلال عام 1956، حُسِمت أمور كثيرة. الاستقلال لم يحدث فجأة. في فترة ما قبله، كان كلّ واحد يحاول تصفية أموره. تصفية حسابات وأشياء كثيرة. لكنْ، لأنّي كبيرٌ في السنّ، لم تكن عندي الحرارة والسرعة في الإيقاع لقول كلّ هذا، كما في أفلامي القديمة. لن أقول إنّ الإيقاع بطيء في هذا الفيلم. لكنْ، هناك إيقاع خاص، يُتيح تفكيراً وتأمّلاً. لا شعارات ولا رسائل سريعة. كلّ شيءٍ يأخذ وقته.

 

(*) يتميّز الفيلم بأنّ الانتقال بين مَشاهِده سلس، والصوت هادئ وبعيد عن النبرة الزاعقة. مَشاهد عدّة تكتفي بالإيحاء أو التلميح. مشهد الزوجة التي تُصرّ على العلاقة مع زوجها، وهو لا يستجيب، كأنّه يستكمل معنى "الغفران". كأنّه لا يُعبّر فقط عن احتياجها. لكنْ، كأنّها تطلب منه الغفران، خاصة أنّ الزوج، في نهاية اللقطة، يُطبطب عليها. المَشاهد مفتوحة على معانٍ عدّة.

هل تكتب كافة التفاصيل في السيناريو وترسم الـ"ديكوباج"، أم تترك الأشياء لإلهام اللحظة؟

أكتب كلّ شيء في السيناريو، وأقوم بالتحضيرات مع الممثلين قبل التصوير. أفضّل التصوير في الأماكن الطبيعية الحقيقية. لا أصوّر في الاستديو. لذلك، يستغرق المونتاج ثلاثة أسابيع فقط. يجمع المونتير الفيلمَ وفق السيناريو. أحياناً، يحدث إعادة خلق وترتيب في المونتاج، لكنْ أنا الذي أقوم بهذا كمونتير، فأعمل كمؤلف صاحب الفكرة. من هنا، أحياناً، يكون في الـ"سْكريبت" اختلاف طفيف.

 

 

مثلاً: دور كلوديا كاردينالي كان أكبر. كلّ العلاقة بين روزا وعشيقها كانت "فلاش باك"، والدور الأكبر لها. لكنْ، عندما وجدتها تعاني ألزهايمر، وتسألني بعد كلّ مشهد: مَنْ أنت؟ شعرتُ بالمصيبة. هذا جعلني أعيد التفكير، وأجعل وجهة النظر للطفل، وأفكّر في توظيف الـ"فويس أوفر"، أو الراوي للأحداث. بينما في السيناريو الأصلي كانت روزا، ابنة كاردينالي في الفيلم، عجوزاً، وابنها في إيطاليا. ثم، في كورونا، زارها وهي تحتضر، فعاش معها أيامها الأخيرة. لذا، ظهر الـ"فلاش باك" لكلّ طفولته. لكن، بسبب ظروف الممثلين، غيّرتُ في التفاصيل الأساسية، والموضوع بقي كما هو.

لا بُدّ من المرونة، حتى إذا تغيّرت تفاصيل، لا يضيع الفيلم.

 

(*) وشريط الصوت؟ هل تشتغل عليه منذ مرحلة الكتابة، أم لاحقاً في المونتاج؟

دائماً أفعل ذلك في الكتابة. أضع الأغاني التي أسمعها، ويظلّ الصوت على حاله، ولا يتغيّر في المونتاج.

 

(*) متى وُلدت فكرة الفيلم، وكيف تطوّرت؟

منذ عام 1992. كانت العائلة يونانية. لكنْ، عندما قرأتُ عن "جربة"، وجدت أنّ الإيطاليين واليهود المالطيين والإسبان كانوا يسكنون فيها. لذلك، وجدتُ أنّ الأفضل أنْ تكون العائلة إيطالية، خاصة أنّ علاقتي بالسينما الإيطالية أقوى، فالمراجع الإيطالية الموجودة أقرب وأقوى عندي من اليونانية. غيّرتُ السيناريو. كذلك، لم يكن في السيناريو الأول أيّ حديث عن المقاومة والحركة الوطنية. مع مرور الوقت، شعرتُ أنّ تناول حركة المقاومة والاستقلال ضروريّ وأساسي، وعليّ دمج هذا في القصة، ما أعطى بُعداً إضافياً للعمل.

 

(*) لماذا فكّرت بالممثلة الإيطالية كلوديا كاردينالي؟ هل بسبب نجوميّتها، ووجودها يعطي ثقلاً للفيلم، أمْ لأنّها عاشت في تونس؟

منذ كان عمري 27 عاماً، والآن بلغتُ 75 عاماً، أعمل وأصوّر مع ممثلين كبار. أفلامي تشهد بذلك. أفلامي مُطعَّمة دائماً بنجوم كبار، أتعلّم منهم، ويُعطونني البركة. هذه عملية تواصل بين أجيال، وليست بحثاً عن شبّاك التذاكر، فبعض الكبار الذين عملوا معي حينها لم يكونوا "نجوم شبّاك التذاكر"، وبعضهم لم يكن يساوي شيئاً في أفلامه الأخيرة.

 

(*) عموماً، التفكير في "شبّاك التذاكر" مشروعٌ، ولا ينتقص منك أبداً. لكنْ، أحياناً، المخرج الشاب يخاف من سطوة النجوم الكبار وتوجيهاتهم، فيُفضّل التعامل مع ممثل جديد وشاب، ليُمارس حريته كاملة. كيف كان الأمر معك؟

بالعكس. مثلاً، كمال الشناوي غضب قليلاً، في اليوم الأول للتصوير، عندما قلتُ له: "لا أريد حركات كثيرة باليدين والأصابع والعينين، ولا أريد صوتاً مرتفعاً في الأداء. أريد كذا وكذا". أدّى الدور كما طلبته، وبكل حِرفيّة. أتذكّر أنّي لما وضعت يديّ على يديه، وجدتهما ترتعشان. لما انتهى التصوير، التفت إليَّ متسائلاً: "أجيّدٌ هكذا؟". قالها بعَتبٍ، بعض الشيء. لكنّه، في الوقت نفسه، كان تلميذاً نجيباً، ونجماً كبيراً محترفاً.

 

(*) يُشارك أغلب أفراد عائلتك في "جزيرة الغفران": ابنتك مديرة التصوير، وحفيدك هو الطفل الممثل، وابنك ساعي البريد. مهندس الديكور شقيقك، ومساعد المخرج الأول شقيق آخر لك. مموّلة الفيلم سميرة شقيقتك. هل المشاركة العائلية تمّت بسبب صعوبة التمويل؟

أخي توفيق يعمل معي مهندساً للديكور منذ زمن. بعد عملي مع مهندس الديكور الإيطالي أندريا كريستاني، بدأ توفيق العمل معي منذ عام 2001، و"صندوق العجائب". ابنتي نيفين كانت تخاف العمل معي كمديرة تصوير، وترفض قائلة: "لا أريد أنْ أبكي"، لأنّي قاسٍ في العمل بعض الشيء. لكنّها، مع هذا الفيلم، وافقت، واكتشفت أنّي لستُ قاسياً. كانت مساعدة مُصوّر في "صندوق عجب"، مع مدير تصوير يوناني. الطفل كميل كانيار حفيدي. أصوّره منذ ولادته. ابني باديس صَوّر معي في "زهرة حلب".

إذاً، لا علاقة للموضوع بالتمويل.

المساهمون