أثبتت السينما مدى ارتباطها بالذات والوجود الحيّ، في مختلف تمظهراتهما وتغيّراتهما، وعلاقتها بالمشترك الإنساني فينا. أفلامٌ كثيرة خلّدتها مكتبة السينما العربية، باختلاف مواضيعها وقدرتها على تقديم صُور للواقع، لا تخلو من نفحات الحلم، كـ"لا تطفئ الشمس" (1961) للمصري صلاح أبو سيف، و"إسكندرية ليه؟" (1979) للمصري يوسف شاهين، و"صمت القصور" (1994) للتونسية مفيدة التلاتلي، و"رشيدة" (2002) للجزائرية يامينا بشير ـ شويخ، و"باب الشمس" (2004) للمصري يسري نصرالله، وأفلام أخرى تناولت ما يعيشه المجتمع من مواضيع منفتحة على آماله وأمانيه وأحلامه المكتنزة بتفاصيل، فكانت السينما ملجأها، تلك التي ترى صوره المتعدّدة، واقعاً وخيالاً.
في هذا الإطار، تستكمل "العربي الجديد" نشر ملفٍ عن السينما العربية (الجلقة الاولى منشورة في 27 ديسمبر/كانون الأول 2023)، والتغيرات التي رافقتها اليوم، وكيفية اختبارها أسئلتها ومكانتها وملامحها، بطرح أسئلة مختلفة على عاملين وعاملات عرب في صناعة السنيما (الأجوبة منشورة بحسب الترتيب الأبجدي للاسم الأول لأصحابها):
(1) لماذا يحتاج الإنسان الحديث إلى السينما؟
(2) اليوم، هناك طفرة في المهرجانات السينمائية في الدول العربية. إلى أي مدى دعمت هذه الطفرة المهمة الأساسية التي نشأت من أجلها المهرجانات؟
(3) هل حقّقت السينما العربية هوية إبداعية تؤهّلها لامتياز المنافسة العالمية؟
(4) هل نفتقد اليوم إلى ما يُسمّى بالمرجعيات النقدية في المجال السينمائي العربي؟
(5) أيمكن القول إنّ الناقد السينمائي فَقَد سلطته في ظلّ العصر الرقمي؟
(6) بين المتعة والمعنى، كيف تختبر السينما العربية أسئلتها؟
جمال أمين
(مخرج عراقي)
1- نحتاج إلى الحديث عن السينما لأنّها الحياة. إنّها من أهم مصادر المعرفة والتنوير. إنّها من الفنون الشعبية المهمّة. نحتاج إلى السينما كاحتياجنا إلى الذهاب إلى المدرسة والجامعة، فالسينما تقليد اجتماعي وثقافي سابقاً. نحن بحاجة إلى أنْ نُرجع هذا التقليد إلى الناس، لأنّ الناس الآن مهتمّون بوسائط التواصل الاجتماعي، أكثر من اهتمامهم بالسينما.
2- أغلب المهرجانات السينمائية العربية نخبوية، وللمدعوين إليها. المهرجانات تأتي بأفلامٍ ليس سهلاً مشاهدتها في دور العرض. لذا، يجب إقامة المهرجانات في صالات العرض الجماهيرية والشعبية، للحصول على كَمّ من المشاهدين.
3- للأسف، الفيلم العربي الآن يمرّ في مرحلة السطحية. لدول كثيرة رقابة، ومنتجون عرب يعاملون الفيلم كأنّه بضاعة للاتّجار به. هذه الأجواء لا تخلق سينما مميزة. أغلب المُعلّمين الأوائل توفّوا، والجيل الجديد لا يحمل العمق الثقافي. معظم الأفلام الآن مدعومة من مهرجانات عربية وعالمية، وبعض المؤسّسات التجارية، ولهؤلاء شروط. نحن لسنا كاليابان وكوريا وإيران. نحن نمرّ في ظرفٍ إنتاجي صعب جداً، وأفلامنا وتجاربنا ليست واقعية وعميقة، كبقية الدول.
4- النقد يبحث عن الحرية، ومن دون حرية رأيٍ لا يوجد نقد. أغلب النقّاد في الدول العربية مجامِلون ومنافقون ولديهم مصالح. النقّاد الذين يعيشون في المهجر يكتب معظمهم بمصداقية وحِرفية وضمير. نقّاد يمدحون المهرجانات وأفلامها كي لا يخسروا تذاكر السفر وغرف الفنادق وليالي السمر. الناقد لا يخسر شيئاً في أيّ عصر. أتكلّم عن النقّاد المحترفين والحرفيين.
5- العصر الرقمي زاد عمل النقّاد وانتشارهم. لكنْ، بسبب البحث عن الصحبة والفلوس والشهرة، أصبحوا ينافقون. حتى أنّهم أصبحوا من دون مواقف إنسانية، ويتعاملون مع أي فئة مانحة لعملهم ودعوتهم، ويروّجون لمخرجين ومهرجانات ودول ليس لها أي تاريخ في صناعة الفكر والفنّ، وطبعاً السينما.
6- غالبية الأفلام العربية لا تبحث عن المعنى، بل عن المال والشهرة فقط. السينما العربية مرتبطة بالمنهاج السياسي للدولة، وبما تفرضه الرقابة وسياسة البلد. هناك أفلام، مُنتَجة خارج الدول العربية، تحمل المعنى والتنوير والإبداع. الفيلم العربي المُنتج في الدول العربية، نظراً إلى سطحيته، أصبح يعتمد الجنس والإسفاف والرمزية المهلهلة. لدينا نماذج سخيفة جداً في "نتفليكس".
كلّ ما قلته في هذا الموضوع لا يعني أنّنا لا نملك تجارب فيلمية جيدة جداً، في المغرب والمشرق العربيَّين. لكنّ أغلب هذه الأفلام تُصنع للمهرجانات والجوائز، لا للناس. دائماً تاريخنا أفضل من حاضرنا. الأفلام العربية سابقاً فيها حبّ وجمال ومتعة وفكر وتنوير. عكس أفلام الحاضر.
ريما التويجري
(ناقدة سينمائية سعودية)
1- أعتقد أنّنا نتطلّع إلى حديثٍ عن السينما، لأنّنا نحترمها ونحتمي بها كالمعلّم، كلّ ما يخرج منهُ يلمس، ولو شيئاً صغيراً، من المجتمعات، شرقاً وغرباً، ومن الإنسان ماضيه وحاضره ومستقبله. لا بُدّ أنْ يُعلّم ويؤثّر، فيفرض. هذه ثلاثية القوة الناعمة للفنّ السابع.
2- لطالما أعددتُ المهرجانات أسمى النافعين في مجال صناعة الأفلام، تأتي بعدها السينما في المرحلة الثانية، فسمتها الفضلى أنّها تساهم في صنع أفضل الأفلام، وأفضل الأفلام لم تسع أبداً إلى الربح. كما آملُ أنّ الطفرة تعجل وقعها على العاصمة الرياض، في ظلّ نهضة الصناعة السعودية الحالية.
3- عندما يُقال "السينما العربية"، كلّ ما يمكنني التفكير به مصر. من العدل سأنسب الفضل إلى دولة واحدة فقط بامتياز المنافسة العالمية، فمعظم الدول العربية ليست لديها هوية، أو هويتها مستنسخة، أو أنّها لم تُشيِّد بنية تحتية متينة الجودة، تقام عليها الصناعة، حتى تنافس منشآت أمسها بيومها، لتتأهّل إلى العالمية. فالجميع في دائرة المتنافسين يمتلكون جذوراً متأصّلة قوية، وتشملهم السينما المصرية، التي تعتمد كلّ السينمات العربية بصادراتها.
4- لدينا فجوة نحتاج إلى ملْئها بمرجعيات أساسية، وإلاّ لما ندرت في دور النشر العربية الكتب والمجلات السينمائية، العربية والمترجمة. على الناقد أنْ يفرض سلطته بجودة نقده. لكنْ، في المقابل، فإنّ مفاهيم النقد فُقِدَت بوجود المنصّات الاجتماعية الرقمية، إذْ أصبح الرأي والشعور الشخصيان عن فيلم يُسمَّيان نقداً، وشَرح فيلمٍ يسمّى نقداً، والمراجعات بما فيها من معلومات إضافية نُسبت إلى النقد، والتقييم من خمسة نجوم أُعِدَّ نقداً، مع أنّه اختصاص فني، له أشكاله واستراتيجياته.
5 و6 ـ سؤال المتعة والمعنى عميقٌ، يُحمّلني مسؤولية تسليط الضوء على جوانب عدّة مهمة، أوّلها: أين تكمن عبقرية العرب في سينماهم؟ إذا كانت قوّة السينما الأوروبية في حسّها الجمالي، وإبداع السينما شرق الآسيوية بالسيناريوهات المبتكرة، والسينما الأميركية بالأدوات، والإيرانية بالبساطة، والروسية بالشاعرية، والتركية بالدرامية، والهندية بالميلودرامية، فالسينما العربية الأصيلة، بعيداً عن تلك المُقتَبسة، ميزتها التنافسية التي أعجبتني، وجميلٌ أن ندركها، أنّنا نتميّز بهويةٍ ملامحها واضحة وجذّابة. لكنّنا أصبحنا ننسى ذلك، وشيئاً فشيئاً قَلّ الرهان والثقة بسحر السينما العربية، وخفّت التكلفة، وكثرت أفلام المتعة والتجربة، ولا شيء يُعيب ذلك، إلا أنّها أصبحت تطغى على الأفلام الوجدانية ذات المعنى، والفنّ ذي الوجه العربي.
سليمان ارتي
(ناقد سينمائي كويتي)
1- في الواقع، لا يقتصر دور السينما على التسلية فقط. علماء اجتماع وإعلام عديدون يؤكّدون أنّها عنصر أساسي في التنمية، وسلاح فعّال في توجيه الرأي العام. إنّها ليست ترفاً فكرياً، بل جزء أساسي في توجيه ثقافة الشعوب، كما يقول المفكّر الأميركي جوزيف ني. إنّها قوة ناعمة، لا تقلّ أهمية عن القوى الفتّاكة. يؤكّد الناقد السينمائي الأميركي جاك شاهين أنّها المعلم الأول لأطفالنا، والمدرسة التي تدخل كلّ بيت. نحن معنيّون بالاهتمام بمحتواها الفكري والفني، وقياس تأثيرها علينا أساساً. وعي الشعوب وثقافتها لا يتشكّلان بصورة عشوائية، فالمسرح كان عنوان تحضّر الشعوب، لما فيها من مادة أدبية غنية بالقيمة الفنية والأدبية. اليوم، يُكمِّل المسرح، بما يملك من إمكانيات فنية وتقنية، دوره في تشكيل نهضة مجتمعية تكون عنواناً لثقافة أي مجتمع.
2- شاركتُ شخصياً في مهرجانات سينمائية عدّة، محلية ودولية. الأمر يتعلّق بمستوى المهرجان، إعداداً وهدف إنشائها. لنتحدث عن المهرجانات الناجحة إعداداً، لها بالتأكيد أثر مباشر في تبادل الخبرات، والتعرّف على الإمكانيات والحلول الإخراجية، وتنظيم ورش سينمائية وتفعيلها، في الإخراج والتصوير والمونتاج والإضاءة وغيرها. هناك الإنتاج، الذي يجد مجاله الواسع في تبادل الخبرات، وإنشاء سوق للإنتاج المشترك، وتطوير التعاون. وهناك أيضاً أثر غير مباشر، عبر تكوين نواة لملتقى السينمائيين، والتعارف بين العاملين في السينما، وإمكانية تبادل الزيارات، وتطوير التعاون.
لذا، مهمّ أنْ تكون المهرجانات مدروسة في إعدادها، والجهات الراعية لها، وأن يكون مستواها عالياً، ويُطوّر أداؤها، ولا تُضيّع وقت المُشاركين فيها.
3- بسبب الظروف الإنتاجية السابقة، كانت الريادة للسينما الأميركية تحديداً. لكنْ، الآن، بعد وجود منصّات إنتاجية مختلفة، لم يعد هناك حاجزٌ للإبداع والإنتاج. هناك تجارب سينمائية عربية وجدت طريقها إلى الجمهور العالمي. إنّها ناجحة إلى حدّ كبير، بشهادة نقّاد. لكنّ المُلاحظ أنّ هناك سعياً إلى التواجد والانتشار الجماهيري بتقليد النموذج الهوليوودي والعالمي، فيخفق فنياً وإنتاجياً. لذلك، مطلوبٌ من السينمائي أنْ ينطلق من هويته المحلية، وخصوصيته الفنية، كما تفعل السينما الإيرانية مثلاً. المطلوب من السينمائيين العرب أنْ ينطلقوا من تلك الخصوصية، لتقديم توليفة فنية ذكية، تجمع بين الأصالة والتراث والثقافة العربية، وبين المستوى التقني العالمي. الغرب لا يريد نسخاً مُقلّدة من مجتمعاتهم، بقدر ما يريد التعرّف على ثقافاتنا السينمائية. مع تجربةٍ كهذه، يمكن القول إنّ لدينا هوية سينمائية.
4- العالم العربي يفتقد المرجعيات النقدية. إذا سألت السينمائيين أنفسهم، لا تحصل على أسماء معروفة للأسف. هناك قصور في المهرجانات التي لا تهتمّ بصنّاع الأفلام والنقّاد، بقدر اهتمامها بالسجادة الحمراء وألبسة الممثلين. العالم كلّه يعرف نقّاداً، كسيرغي أيزنشتاين وأندره بازان وجيل دولوز وغيرهم. في العالم العربي، لا وجود لأمثالهم، لأنّ الاهتمام نفسه مفقودٌ. لذا، مهمّ الإشارة إلى الحركة النقدية لأي حركة إبداعية. في مصر مثلاً، لا نجد أسماء لامعة في النقد السينمائي، بالقدر الذي نجده في النقدين المسرحي والتشكيلي.
5- يُمكن تفسير التحوّل الرقمي لصالح الناقد. هناك نقّاد شباب بدأوا النقد في منصّات التواصل الاجتماعي، بطريقة مبتكرة، فيها متعة ذهنية ومعلومات وخلفيات. تحتاج إلى تطوير في المحتوى. نحن بحاجة إلى وجود توليفة ذكية بين المادة النقدية والوسائط الإعلامية، وتحديداً الأقرب والأسهل انتشاراً. ولا شكّ أنّ العمل في وسائط رقمية أسهل وأكثر انتشاراً من الصحف، والتزام توجّهات مالكيها. أعتقد أنّ سلطة الناقد ستكون أقوى عند التزامه المحتوى النقدي، وطريقة إرساله.
6- السينما العربية تجد تحدّياً كبيراً بين تحديد مرتكزات النجاح في المادة، التي تدور في فلك الصراع بين الشكل والمضمون. الجميع يسعون إلى وجود توليفة فنية، تحقّق المتعة الذهنية وجمال المادة الفيلميّة، إلى مضمون فكري وأدبي يتناسب مع دوافع صنع الفيلم. المشكلة أنّ المخرجين الشباب انصرفوا، بشكل ملحوظ، إلى الاهتمام بالإمكانيات الفنية والتقنية.
رئاستي عدداً من المهرجانات السينمائية الشبابية، جعلتني ألاحظ حجم القصور في وجود ثقافة سينمائية موازية للجانب التقني.
يبقى سؤال جوهري: هل تقوم السينما بوظيفتها المجتمعية؟ هل نبضها انعكاسٌ حقيقي لقضاياها المختلفة؟ هناك تيار يستسهل الإنتاج، ويتجه إلى فرض نموذج معين في الدراما السينمائية، أي الإضحاك والتسلية، وهذا خطّ إنتاجي يسيطر على دور العرض، ويفرض نمطاً إنتاجياً مرتبطاً بالتسلية والمناسبات والعطلات. هذا لا يُحقّق للفنّ السابع أهدافه الحقيقية، لا سيما أنّه مرتبط بكثرة الإنتاج. نحن بحاجة إلى صوغ رؤية شمولية، تؤكّد دَور السينما بشكل يتجاوز الإطار الترفيهي إلى الإطار الفني التنموي. فالواقع يؤكّد أنّنا لا يُمكننا السير بهذا الخط النمطي من الإنتاج، لأن الوقت الذي نسعى فيه إلى إقامة مهرجان أفلام روائية طويلة وقصيرة، يحول دون العثور على حلول فنية لمستقبل السينما العربية.
سليمان الحقيوي
(ناقد سينمائي مغربي)
1- هذا السؤال يُعيدنا إلى سؤال مُشابه، واجهه الأدب من قبل، عن جدواه وحاجة الناس إليه. أعتقد أنّ السّينما حاجة وليست ترفاً بالنسبة إلى البشر. السينما تُغيّر الناس. فبفضل مُشاهدة الأفلام، تزيد جرعة الإنسانية فينا. لا نريد أن نرتكب أخطاء الشخصيات، ولا أن نُنزل ظلماً بالناس، كما تتعرّض له هذه الشخصيات. نريد أنْ يكون العالم أفضل. الإنسان الحديث يحتاج إلى هذا تحديداً، خاصة في ظلّ التعقيد، والطابع المادي الذي يُغلّف حياته.
2- بالنسبة إلى تعدّد المهرجانات، فهذه الطفرة أساسية لإسماع أصوات سينمائية مختلفة ومستقلّة، لولاها ستختنق السينما الحقيقة، وسط النمط التجاري المهيمن. لا يُمكن تعميم هذا الكلام على كلّ مهرجان. هناك أهداف وغايات ربما تتحقّق وربما تتوه وسط التكرار والتنظيم من أجل التنظيم فقط. فكرة المهرجان عظيمة، إنْ ظلّت وفيّة لدعم التجارب المختلفة وأصحابها. نرى شيئاً من ذلك يتحقّق خاصة عند التركيز على التجارب الأولى، وعلى كتاب السيناريو. أحياناً، تكون هذه المهرجانات منصات لإطلاق تجارب وأفلام نحو أفق أرحب، كـ"كانّ" وبرلين وفينيسيا.
3- أعتقد أنّ السينما العربية، أو أي سينما أخرى، غير مُطالَبة بأنْ تصير عالمية. أقصد، ما المقصود بالكلمة نفسها: توزيع الفيلم عالمياً، أم الفوز بجوائز في مهرجانات دولية؟ المطلوب من السينما أنْ تكون صادقة. هذه مهمّتها التي ستحقّق الشرطين معاً: شرط التباري عالمياً، وشرط المُشاهدة على نطاق واسع. لأنّ العالمية، بمقاسها الهوليوودي، شيءٌ لا يتحقّق في أي سينما أخرى غير السينما الأميركية، التي يغلب عليها الطابع التجاري.
4- النقد يفتقد مرجعيات نقدية بفعل السياق الثقافي المتبدّل سريعاً، حيث السرعة في التعليق والقول والكتابة، بينما على النقد أنْ يسير بحذر، مُستمداً تحليله من مرجعيات أساسية. لكن العيب أنْ تطغى المرجعيات على التحليل، ويصبح النقد ذريعة لاستحضار مرجعيات غير مطلوبة.
5- على مستوى الحضور، فَقَدت الكتابة حضورها، لفائدة المادة البصرية والمسموعة. ليس صدفةً أنّ الأقلام الجيدة لا تزال محتمية بالكتابة وأسسها، لأنّ التحوّل إلى وسيط آخر يعني القبول بشروط تجارية محضة، كالثقافة الطاغية اليوم، التبسيط والمزيد من التبسيط، وركوب كلّ مُستجدّ من أجل الانتشار، والخضوع لشروط التطبيقات التي تهدف إلى تنميط الناس. هذه المتغيرات لا تناسب النقد ولا الكتابة، لكنْ يمكن المرور إليها عبر تفاوض بين ما نريده وما تريده هذه الوسائط.
6- السينما، ودعونا لا نقول عربية، لأنّه يمكن الحديث عن سينمات تنتمي إلى الجغرافيا العربية، لكنها مختلفة في تفاصيل إنتاج وتعبير. السينما المصرية مختلفة عن السينما المغربية، والتونسية مختلفة عن الجزائرية، وكلّها مختلفة عن تجارب السينما في بلدان الخليج. مع هذا الاختلاف، تُعالج تجارب سينمائية أسئلةً حارقة يعيشها الإنسان في الفضاء العربي، كالقهر والظلم والتيه والغربة. أسئلة تنجح أفلامٌ كثيرة في التعبير عنها، من دون التنازل عن جانب فني رفيع، وبعضها يسقط في فخّ المضمون الحارق، الذي لا يعفي من الجانب الفني.