"ذئاب الليل" تعوي أوهاماً

06 ابريل 2023
يُظهر العمل الحاكم كرجل من الأخيار محاط بالفاسدين (فيسبوك)
+ الخط -

عاشت مسلسلات الفانتازيا التاريخية السورية عصرها الذهبي في التسعينيات. حينذاك، أنتج عديد منها، وظل بعضها حاضراً في ذاكرة الجمهور السوري والعربي، كمسلسل "الجوارح" و"الموت القادم إلى الشرق" و"الفوارس" وغيرها. لكن موجة الفانتازيا التاريخية انحسرت مع بداية الألفية الجديدة، بعدما ملّ الجمهور من الحكايات الفقيرة التي تدور أحداثها خارج إطار التاريخ والجغرافيا، ومن الرسائل الرمزية المتشابهة التي كانت ترسلها؛ فالكاتب هاني السعدي والمخرج نجدت إسماعيل أنزور سخّرا الفانتازيا التاريخية التي حملا لواءها لصياغة رواية رمزية عن الصراع بين الشرق والغرب. الأخير يمثل الشر المطلق بشخصياته ذات الوشوم القبيحة والطقوس الغريبة والعنيفة، التي تتآمر دائماً على الشرق الذي يمثل الخير المطلق بشخصياته النظيفة والنقية. فمسلسل "الموت القادم إلى الشرق"، على سبيل المثال، كان حكاية فانتازيا ترمز للعلاقة بين حضارة العرب التي نخر فيها الكيان الصهيوني كالسوس، وتنتهي الحكاية بانتصار رمزي للخير على الشر، وبأمنيات بعودة الشمس إلى الحضارة الشرقية؛ الشمس التي غطتها غيوم الكيانات الغربية السوداء.
في السنوات الأخيرة، عندما أصيبت الدراما السورية بمرض النوستالجيا، عادت الفانتازيا بأعمال محدودة، أبرزها: "وحدن" الذي عرض عام 2018، للمخرج نجدة أنزور، الذي تعاون مع الكاتبة ديانا جبور، ومسلسل "ذئاب الليل – فرسان الظلام" للكاتب هاني السعدي والمخرج سامي جنادي.

هذه المسلسلات تبدو ظاهرياً استنساخاً لفانتازيا في التسعينيات، خصوصاً المسلسل الجديد "ذئاب الليل"، ففيه يتم الاعتماد على النوعية ذاتها من الأزياء والإكسسوارات الغريبة والفاقعة، لتمتلئ أجساد ووجوه الأشرار بالوشوم، والجميع يتحدث باللغة العربية الفصحى الركيكة والخالية من الشعرية، التي يكتب بها هاني السعدي، ولا تزال المشاهد غير متقنة الصنعة للمعارك والمبارزات تشكل الركيزة الأساسية في المسلسل. لكن الصورة باتت أكثر فجاجةً وإثارةً للسخرية عندما استخدمت كاميرات HD، وصححت الألوان، إذ يبدو وكأن التقنيات البدائية المستخدمة في الدراما السورية في التسعينيات كانت تغطي على الكثير من العيوب والقباحة.
أما على صعيد الحكاية والأبعاد والرسائل الرمزية التي نقرأها بين السطور، فإن الأمر اختلف كلياً؛ إذ يتم تحميل الفانتازيا التاريخية اليوم رسائل تناسب إيديولوجيا النظام السوري في مرحلة ما بعد الثورة. ولم تعد شخصيات الأشرار تنتمي للكيانات الفطرية السامة والعصابات التي زرعها العالم الغربي بين القبائل والمدن العربية التي تمثل الخير المطلق، بل باتت الشخصيات الشريرة جزءاً من المجتمع، تشارك بالمؤامرة على الحاكم الذي يمثل الخير المطلق.
الرسالة الأساسية التي أراد صنّاع مسلسل "وحدن" إيصالها تتلخص بالدعوة لخدمة الجيش، وأن الرجال الهاربين من الحرب هم ليسوا رجالاً، وأن النتيجة التي قد نصل إليها إذا ما رحل الرجال هو مجتمع نسائي ضعيف، تواجه فيه النساء وحدهن كل الأخطاء المحيطة بنا. في المقابل، يتبنى مسلسل "فرسان الظلام – ذئاب الليل" إيديولوجيا إعلام النظام السوري اليوم القائمة على تخوين الجميع؛ ففيه نجد حاكماً صالحاً محاطاً بالكثير من الفاسدين، يحكم شعباً منقسماً بين مجموعة محدودة من الناس الأخيار المظلومين، وبين مجموعات من اللصوص والانتهازيين الذين نهبوا خيرات البلاد وأفقروها.

سينما ودراما
التحديثات الحية

الدلالات واضحة جداً، فمجموعات اللصوص التي تسيطر بالظلام على المدينة هم التجار المجهولون، الذين لا ينكفئ إعلام النظام عن تحميلهم مسؤولية الفقر والجوع والمآسي التي يعيشها السوريون. ومجموعات اللصوص تدعمها وتوجهها يد خفية، تتجسد بالشخصية الغامضة التي يؤديها سلوم حداد، ذو الوشوم القبيحة وصاحب المرآة السحرية التي تعرض مشاهد للحاضر والمستقبل؛ فهو يدعم اللصوص ويجند رجالا فاسدين حول الحاكم الصالح، وله النصيب الأكبر من الثروات المنهوبة والإتاوى المفروضة على الناس. دلالات المسلسل ورسائله تزيده قباحةً وفجاجة، وأسوأ ما في الأمر أن ما نشاهده الآن ليس سوى الجزء الأول من سلسلة "فرسان الظلام"، الجزء الذي يحمل اسماً فرعياً "ذئاب الليل"؛ فهذا يعني أن الفانتازيا التاريخية ستبعث من موتها بهذه الطريقة. والطريف بالأمر هو كيف تم التسويق للمسلسل باعتباره النسخة السورية من مسلسل Game of thrones.

المساهمون