استمع إلى الملخص
- **البداية والإلهام:** استلهم تشيس شخصية أم توني من والدته السامّة، وبدأت مغامرة المسلسل بوجود توني في عيادة طبيبته النفسية، جنيفر ميلفي. كان النص في البداية فيلماً قبل تحويله إلى مسلسل.
- **اختيار الأبطال والإنتاج:** واجه تشيس صعوبة في العثور على شركة إنتاج حتى وافقت "إتش بي أو". اختير جيمس غاندولفيني لدور توني سوبرانو، وحقق الموسم الأول نجاحاً كبيراً، مما دفع تشيس لمواصلة كتابة المواسم التالية.
لم يُجِب المخرج والكاتب الأميركي ديفيد تشيس (David Chase)، حتى الآن، عن تساؤلات النقاد والجمهور حول نهاية مسلسله الأهم والأشهر "ذا سوبرانوز" (The Sopranos) الذي اختُتم عام 2007 بحلقة تحمل عنوان Made in America، أخرجها تشيس نفسه. وجد الجمهور نفسه، في نهاية الحلقة، أمام شاشة سوادء. لم توضِّح مصير توني سوبرانو (جيمس غاندولفيني) وعائلته. ومن توقّع أن تُجيب الحلقتان الوثائقيتان (أو مقابلة طويلة مقسومة على جزأين) اللتان صدرتا أخيراً تحت عنوان Wise Guy: David Chase and The Sopranos عمّا حدث، فلن يجد إجابةً. بل إنّ الحلقة الثانية من المقابلة مع ديفيد تشيس انتهت بالطريقة نفسها التي انتهى بها "ذا سوبرانوز".
تنطلق مغامرة "ذا سوبرانوز" بوجود توني في عيادة طبيبته النفسية، جنيفر ميلفي (لورين براكو). وفي استوديو اتّخذ شكل العيادة نفسها بالضبط، أُجريت المقابلة مع ديفيد تشيس. يجلس الأخير على المقعد الذي كان يجلس عليه توني، ويقابله المذيع على مقعد الطبيبة. هكذا، يبدو الأمر للوهلة وكأنّ تشيس في زيارة إلى مُعالج نفسي. وفعلاً، يزيد من هذا الشعور لدى المُشاهد ما يدور من حديث بينه وبين المذيع. تبدأ المقابلة بالأسباب الأساسية التي دفعت تشيس إلى إنجاز "ذا سوبرانوز"، أو بالأحرى السبب الأساسي؛ وهو أمّه، التي استلهم منها شخصية أم توني، ليفيا (نانسي مارشاند).
يخبرنا تشيس أنه بدأ بكتابة فيلم عن زعيم للمافيا الإيطالية، يعاني من أزمات عدّة، شخصية و"مهنية". الشخصية، تتمثّل أساساً بمشكلته مع أمّه التي تآمرت مع عمّه عليه واقترحت قتل ابنها. كان يفترض أن ينتهي الفيلم بأن يقتل زعيم المافيا والدته. حين أنجز تشيس هذا النص، وأعاد قراءته، فكّر قليلاً، وقرّر أن هذا النص يصلح لأن يكون مسلسلاً وليس فيلماً.
يبدو تشيس مُنفتحاً بالحديث عن شخصية والدته السامّة، لم يخجل أبداً ولم يتردّد، كان جريئاً في الحديث عنها كما لو أنّها مجرّد امرأة تعرّف إليها ولا تربطه بها أي صلة. هذه المرأة التي ربّما لولاها لما كان "ذا سوبرانوز" موجوداً. يشير تشيس إلى أنّ كثيرين ممن يعرفونه وشاهدوا المسلسل فوراً قالوا له إنّ أم توني سوبرانو تذكرهم بأم تشيس نفسه، وقد وجد هذا الأمر مضحكاً، رغم ما ينطوي عليه من ألم.
وهنا، بدأت مغامرة البحث عمّن يُنتج هذا العمل. حاول مع شركات إنتاج كثيرة، ولكنّ أحداً لم يقبل به. لم تكن فكرة مسلسل طويل عن بطل مضادّ يترأس عصابة مُنظّمة لتلقى قبولاً لدى أصحاب الأموال في هوليوود. إلا أن "إتش بي أو" وجدت في النّص ما هو مختلف عن السائد، لتوافق على إنتاج "ذا سوبرانوز"، وتبدأ رحلة تشيس مع مسلسل دائماً ما يوصف بأنّه غيّر شكل الدراما في الولايات المتحدة الأميركية. حتى إن براين كرانستون، بطل مسلسل "بريكنغ باد"، قال في إحدى المقابلات: "من دون توني سوبرانو لم يكن والتر وايت"، مشيراً إلى أنه لولا وجود مسلسل "ذا سوبرانوز" لما كان "بريكنغ باد" موجوداً.
حسناً، وافقت "إتش بي أو" على إنتاج المسلسل، ليبدأ تشيس وبعض الفنيين بحثهم عن أبطال العمل. نُشاهد في Wise Guy كواليس لم نرها من قبل، أبرزها اختبارات الأداء. نرى المتنافسين على دور كريس مولتيسانتي الذي فاز بدوره الممثل مايكل إمبريولي. نرى دريا دي ماتيو التي أدت دور أدريانا. لم تنجح في الدور الذي تقدّمت له؛ عشيقة توني، لكنّها أعجبت تشيس، ومنحها دوراً آخر بعد أن نجحت في اختبار أدائه.
هكذا، إلى أن بدؤوا البحث عمّن يلعب دور توني سوبرانو. اتصل تشيس بمغني الروك آند رول سيتفن فان زانت. اعتقد الأخير أن تشيس يريد منه تأليف موسيقى تصويرية للعمل، لكنه اكتشف أن المؤلّف يريده ممثلاً. ذهب إلى اختبار الأداء، لكن لعبه لدور توني لم يكن مقنعاً، إلا أن تشيس أُعجب بطريقة زانت أيضاً، وكتب له دوراً لم يكن موجوداً في العمل: سيلفيو دانتي، إحدى الشخصيات المهمّة في "ذا سوبرانوز"، ولم يتوقّع أحد أنها لم يكن مُخطّطاً لها مُسبقاً. وبهذا، حصل زانت على أول دور تمثيلي له بعد أن قال إنه ليس ممثلاً، وردّ عليه تشيس: "بلى، أنت كذلك، لكنك لا تعرف بعد".
من سيلعب دور توني سوبرانو إذن؟ هنا، وقع الاختيار على جيمس غاندولفيني (1961 - 2013). يقول تشيس إنه أثناء اختبار الأداء، لم يكن غاندولفيني راضياً عن نفسه؛ فقرّر المغادرة والتخلّي عن الدور. لكن تشيس رأى أنّه وجد من سيؤدّي الدور المطلوب، وهكذا كان.
عام 2013، رحل الممثل الأميركي جيمس غاندولفيني بنوبة قلبية أصابته حين كان في إجازة مع ابنه مايكل في روما. لم يكن عمر غاندولفيني قد جاوز الـ51 وقت رحيله المفاجئ. تذكّر زملاؤه في Wise Guy: David Chase and The Sopranos بحبّ ومودّة، وكثير من الألم. تحدّثوا عن منحه كلّ أفراد العمل 30 ألف دولار لأنه شعر أن "إتش بي أو" ليست منصفة في أجورها. تحدّثوا عن تغيّبه عن التصوير أحياناً، وعن غضبه كذلك.
عام 1999، عُرض الموسم الأول من "ذا سوبرانوز"، وحقّق نجاحاً مدوياً، ولاقى احتفاء النقّاد في معظم الصحف الأميركية. نجاح لم يتوقّعه أحد، حتى تشيس و"إتش بي أو". عند التحضير للموسم الثاني، فُتح الباب من جديد لاختبارات الأداء. طابور طويل وفوضى كبيرة خارج المبنى الذي يفترض أن تُجرى فيه هذه الاختبارات، لدرجة أن الشّرطة تدخلت وطلبت من الجميع المغادرة، مُهدّدة باعتقال من لن يفعل.
مضى ديفيد تشيس بكتابة مواسم مسلسله، وكان حاضراً دائماً أثناء التصوير كما لو أنّه مُخرج. ارتجل بعض الممثلين مشاهد، أعجبته وتركها كما هي من دون أن يقطع التصوير. خلافات كثيرة دارت وراء الكاميرا، بين تشيس والكتّاب، أو تشيس وبعض الممثلين، وبين تشيس و"إتش بي أو" نفسها التي كانت بخيلةً مع الممثلين. وهنا يقول تشيس إن الموسم الأخير من المسلسل جاء من 21 حلقة بدلاً من 13، كالمواسم السابقة، لأن "إتش بي أو" لا تريد أن تدفع علاوات للممثلين مقابل موسم جديد، فدمجت موسمين في واحد انتهى، كما أشرنا، نهايةً غامضة، ما زالت تقترح على الجمهور أن يعيد مشاهدة المسلسل مراراً.