- الدعم الألماني لإسرائيل يمتد من السياسة الخارجية إلى الإعلام عبر "دويتشه فيله"، مع تمويل القناة من الضرائب الألمانية وفصل صحافيين بتهمة "معاداة السامية".
- استطلاعات الرأي والاحتجاجات في ألمانيا تُظهر تعاطفاً مع الفلسطينيين وانتقاداً للحرب على غزة، مع تساؤلات حتى من المستشار الألماني حول مبررات الحرب الإسرائيلية.
لا تخفي قناة "دويتشه فيله"، المؤسسة الإعلامية الدولية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، بنسختها العربية، انحيازها لإسرائيل، رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على حرب الإبادة في قطاع غزة.
أمثلة عن انحياز دويتشه فيله
لا يحتاج القارئ للتعمق في محتوى موقع دويتشه فيله عربية ليرى بسهولة الانحياز الواضح للسردية الإسرائيلية. فكل مقال حول الحرب على غزة ترد فيه العبارات التالية تفسيراً من القناة لسياق الأحداث: "اندلعت الحرب بعد هجوم إرهابي غير مسبوق لحركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول على جنوب إسرائيل، أسفر عن مقتل أكثر من 1170 شخصاً، معظمهم مدنيون، حسب تعداد لفرانس برس يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية"، وتقول في الفقرة التالية: "ويذكر أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى منظمةً إرهابيةً". في المقابل، تصف القناة حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة بـ"النزاع"، في محاولة للمساواة بين قوة احتلال واستعمار تملك أحدث الأسلحة، وبين الفلسطينيين في القطاع.
وفي مقال بعنوان "فض اعتصامين لمحتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعتين ألمانيتين"، يكتب موقع القناة: "ويحتج الطلاب على العملية العسكرية التي تشنها إسرائيل في غزة والتي تقول السلطات الصحية في القطاع إنها أودت بحياة أكثر من 34 ألف شخص. وجاءت الحملة العسكرية الإسرائيلية عقب هجوم على إسرائيل (في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023) تشير إحصاءات إسرائيلية إلى تسببه في مقتل 1200 شخص وشنته حركة حماس، المجموعة المسلحة الفلسطينية الإسلاموية التي تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى منظمةً إرهابيةً".
هكذا أعادت القناة تكرار الخطاب نفسه، لكن هذه المرة مع استخدام تعبير "عملية عسكرية" بالرغم من كون المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز قالت، في مارس/آذار، إنها تعتقد أن الحرب الإسرائيلية "ترقى إلى حد الإبادة الجماعية"، ودعت الدول إلى فرض عقوبات وحظر أسلحة على الفور.
وفي المقال نفسه، يغيب الصوت الفلسطيني أو صوت الطلاب المحتجين بشكل كامل، فيستند إلى تصريح من الشرطة الألمانية، ثم إدانة وزير العلوم في ولاية سكسونيا احتلال القاعة، ثم تصريحات عن "مؤتمر اتحاد طلاب" المعارض لتحرك الطلاب، وسبق أن اتهم المحتجين بمعاداة السامية.
حكومة منحازة، إعلام منحاز
"دويتشه فيله" مملوكة للدولة الألمانية وممولة من ميزانية الضرائب الفيدرالية الألمانية. علماً أن ألمانيا هي ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، ودولة يشعر فيها المزيد من منتقدي الاحتلال الإسرائيلي بالتضييق الرسمي من قِبل حكومة أولاف شولتز. وأصبح هذا التضييق يأخذ شكل إلغاء وفضّ اجتماعات بقوة الشرطة، مع التعرّض للإلغاء باسم مكافحة "معاداة السامية"، سواء ضد الأكاديميين أو الفنانين أو العاملين في مختلف القطاعات. كل هذا بذريعة الخوف من تحول الأنشطة المتعلقة بدعم فلسطين إلى شرعنة لخطاب معاداة السامية، بالرغم من أن المستهدفين بهذه القيود هم أيضاً من الناشطين اليهود الذين يرفضون الصهيونية.
ينعكس ذلك على "دويتشه فيله"، التي سبق أن أعلنت فصل عدد من الصحافيين العرب، في فبراير/ شباط 2022، بتهمة التعبير عن "آراء معادية للسامية" استناداً إلى تغريدات ومقالات قديمة للصحافيين تنتقد الاحتلال الإسرائيلي. كما سبق أن أعلن الصحافي اللبناني ربيع بركات أن ثلاثة منشورات على حسابه الخاص في "فيسبوك"، بينها صورة لغرافيتي يُظهر ليلى خالد على جدار الفصل العنصري، سبّبت إحجام إدارة أكاديمية "دويتشه فيله" عن التعاقد معه، بحجة "معاداة الساميّة" و"التحريض على العنف".
وبالرغم من القيود على التعبير عن التضامن مع الفلسطينين، تُظهر استطلاعات الرأي أنّ ما يقرب من 70 في المائة من الألمان يشعرون بأنّ استمرار الحرب على قطاع غزة غير مبرَّر. ولا تزال الاحتجاجات والتظاهرات تعمّ عدداً من الولايات الألمانية للتنديد بالإبادة الجماعية، فضلاً عن انتشار رسائل مقاطعة الشركات الألمانية الداعمة لإسرائيل في الشوارع وعلى الجدران.
وعلى المستوى الرسمي، سبق للمستشار الألماني أولاف شولتز أن صرّح بأن "ألمانيا ليس لها إلا مكان واحد فقط، هو إلى جانب إسرائيل"، لكنه تساءل في مارس/آذار الماضي: "بغض النظر عن مدى أهمية هدف الحرب الإسرائيلية، فهل يمكن أن نبرّر مثل هذه التكاليف الباهظة للغاية؟"، وفي نفس الشهر، تحدّثت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن "بدء فقدان ألمانيا صبرها" تجاه العدوان معتبرةً أن دعم إسرائيل لم يعد "شيكاً على بياض لنتنياهو".