بحصوله على جائزة نوبل للسلام، أصبح رئيس تحرير صحيفة "نوفايا غازيتا" ذات التوجهات الليبرالية المعارضة، دميتري موراتوف (59 عاما)، أول مواطن روسي ما بعد السوفييتية ينال هذه الجائزة العالمية العريقة في مجال جهود نشر السلام، وثالث شخصية روسية تنالها بعد مخترع القنبلة الهيدروجينية، أندريه ساخاروف، وآخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، اللذين حصلا عليها في الحقبة السوفييتية.
موراتوف من مواليد مدينة كويبيشيف (اسمها الحالي سامارا) عام 1961، وعمل في الصحافة السوفييتية ثم الروسية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وقام بالتغطية الميدانية لأحداث الحرب الشيشانية الأولى في منتصف التسعينيات. ومنذ عام 1995، تولى موراتوف رئاسة تحرير "نوفايا غازيتا"، كما أنه شريك في شركة "إنفورم بيورو" المالكة للصحيفة.
وعلى الصعيد السياسي، كان موراتوف من بين مؤسسي "لجنة 2008: الاختيار الحر" المنتقدة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومحيطه، كما أنه حائز على عدد من الجوائز العريقة، بما فيها الجائزة الدولية لحرية الصحافة لعام 2007.
وجاء منح جائزة نوبل للسلام لموارتوف بعد ترشيح "نوفايا غازيتا" لهذه الجائزة لست سنوات متتالية، وسط بقائها واحدة من الصحف الروسية المستقلة التي لا يتعدى عددها أصابع اليد، وتتناول، في نسختيها الورقية والإلكترونية، قضايا سياسية شائكة، مثل أعمال الشركات العسكرية الخاصة الروسية في مناطق النزاعات، ومزاعم التزوير والانتهاكات بالانتخابات الروسية، وتنشر تحقيقات استقصائية تسلط الضوء على قضايا اجتماعية ملحّة في روسيا.
وفي الوقت الذي حصل فيه موراتوف على جائزة نوبل بالمناصفة مع الصحافية الفيليبينية ماريا ريسا، زاد هذا الاعتراف الدولي بمكانته من تفاؤل الأوساط الليبرالية الروسية بلفت الأنظار، داخليا وخارجيا، إلى أوضاع الصحافة المستقلة الروسية التي تكافح من أجل الوجود.
واعتبر مدير برنامج "المؤسسات السياسية والسياسة الداخلية الروسية" في مركز "كارنيغي" في موسكو، أندريه كوليسنيكوف، أن قرار لجنة نوبل منح الجائزة لموراتوف يعود إلى إدراكها ضرورة دعم حرية التعبير في روسيا. وفي مقال بعنوان "ربطة عنق دميتري موراتوف. لماذا حصل رئيس تحرير "نوفايا غازيتا" على نوبل عن جدارة؟" نشر في موقع المركز، وصف كوليسنيكوف موراتوف بأنه "تجسيد حي للصحافة الوطنية السوفييتية المتأخرة وما بعد السوفييتية وفي زمن تشديد النظام السياسي"، معتبرا الجائزة التي حصل عليها بمثابة جائزة لـ"قطاع الصحافة المعني طوال السنوات ما بعد السوفييتية بالنشاط الحقوقي، وبالدرجة الأولى بالدفاع عن حرية التعبير". ولفت إلى أنه رغم توجيهها انتقادات لاذعة إلى السلطة الروسية، إلا أن "نوفايا غازيتا" لم يتم تصنيفها "عميلا للخارج" حتى الآن، مرجعا ذلك إلى المكانة السياسية لموراتوف بشخصه، والذي يحظى باحترام السلطة نفسها واستعداد كبار المسؤولين للحوار معه وأخذ رأيه بعين الاعتبار.
وفي الوقت الذي هنأ فيه الكرملين على لسان الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، موراتوف بحصوله على جائزة نوبل، مشيداً بانحيازه لمُثله وموهبته وشجاعته، أثار قرار لجنة نوبل حفيظة الإعلاميين الموالين. واعتبر الإعلامي الموالي للكرملين، دميتري كيسيليوف، أن "مثل هذه القرارات تقلل من مكانة الجائزة في حد ذاتها".
هذا فيما وجّه أنصار المعارض الروسي المعتقل، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، أليكسي نافالني، انتقادات لمنح الجائزة لموراتوف، معتبرين أنه كان من الأفضل "دعم الشخص الذي نجا من محاولة اغتيال ويحتجزه القتلة رهينة الآن"، في إشارة إلى تسميم نافالني في صيف 2020 بغاز أعصاب يشتبه أنه ينتمي إلى مجموعة "نوفيتشوك" سوفييتية المنشأ.
ومن اللافت أن الإعلان عن منح جائزة نوبل للسلام لموارتوف تزامن مع حلول الذكرى الـ15 لاغتيال الصحافية في "نوفايا غازيتا"، آنا بوليتكوفسكايا، التي قُتلت بأربع طلقات في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2006، وتم العثور على جثتها في مصعد منزلها وسط موسكو. وبعد سقوط قضية بوليتكوفسكايا بالتقادم من دون الوصول إلى المحرض مع معاقبة المنفذين والمدبرين فقط، تعتزم "نوفايا غازيتا" المطالبة باستئناف التحقيق لكشف ملابسات الجريمة كاملة.
وفي تعليق منه على حصوله على جائزة نوبل، اعتبر موراتوف أنها مُنحت لفريق الصحيفة كاملاً، بمن فيهم ستة زملاء مغتالين، مؤكدًا أنه يعتزم تخصيص القيمة المالية للجائزة لدعم صناديق خيرية ووسائل إعلام مستقلة، كما رأى موراتوف أن نافالني جدير بهذه الجائزة.