خديعة GameStop والبيع المكشوف

06 أكتوبر 2022
يحاجج عمالقة السوق بعمليات البيع والشراء التي يجب أن تستند إلى أبحاث (جون سميث/ Getty)
+ الخط -

بثت منصة نتفليكس، أخيراً، المسلسل الوثائقي Eat The Rich: The GameStop Saga، الذي يحيل القسم الأول من عنوانه إلى الشعار الذي رُفع زمن الثورة الفرنسية، "لنلتهم الأغنياء". أما القسم الثاني، أي Gamestop، فهو اسم سلسلة محلاتٍ لبيع ألعاب الفيديو، اقتربت من الإفلاس، ثم ما لبثت أن تضاعف ثمن سهمها إلى ما يقارب الـ1500 مرة العام الماضي، ليهبط بعدها بصورة خياليّة، خالقاً الرعب في وول ستريت والبورصة الأميركية التي أوشكت على الانهيار، لولا أمر غامض سنشير إليه لاحقاً.
يكشف لنا الوثائقي، بداية، عن عملية البيع المكشوف، أو الـ Short stock، التي تعني ببساطة أن نراهن علناً على إفلاس شركة ما، الأمر الذي يقوم به عادة مديرو صناديق التقاعد، والثروات الكبرى، ضامنين ربحاً سريعاً، بسبب انهيار سعر السهم. وعادة ما يمتلك خبراء "السوق" معلومات عن هذه الشركات، إثر بحث مكثف ومراقبة نشاط الشركة، أو نصائح تتداول وراء الكواليس، لا يمكن الإفصاح عنها كون تبادلها أمراً غير قانوني.
ما حصل أن شركة Gamestop، كانت على وشك على الإفلاس. في الوقت ذاته، بدأ تطبيق Robin Hood بالانتشار، وميزته أنه يتيح للمستثمرين الصغار، أي الناس العاديين وليسوا أصحاب الثروات، بيع وشراء الأسهم بثوان. حرك ذلك نشاط المستثمرين الصغار وأحلامهم. وللمصادفة، كانت مجموعة من هؤلاء تتابع على منصة ريديت شخصاً يُدعى Deep F******Value . كان الأخير ينشر معلومات مالية من دون أي مقابل، مركزاً على انهيار سعر أسهم شركة Gamestop.
في الوقت ذاته، هناك شخص آخر يُدعى Roaring kitty (تبين لاحقاً أن الاثنين هما الشخص ذاته، واسمه كيث غيل) ينشر فيديوهات على يوتيوب، يشرح فيها أننا أمام فرصة سانحة للربح في حال المشاركة، وليس بالبيع المكشوف، بل الاستثمار في الشركة، ما يرفع سعر السهم، ويدفع من يبيعون على المكشوف (أي المستثمرين الكبار) إلى الإفلاس.
يمكن القول إن المستثمرين الصغار لبوا الدعوى. وبسبب عملية شراء الأسهم التي تشبه ضغطة أعجبني على فيسبوك، بدأ سعر السهم يرتفع، بل بدأ المستثمرون الكبار ينتبهون للموضوع، كـ أيلون ماسك الذي ضاعف ثمن سعر السهم بمجرد نشره تغريدة عن الموضوع. ثم امتدت العدوى للمؤثرين، وهكذا انعكست عملية البيع المكشوف، من سيخسر ليس الشركة، بل المستثمرون الكبار.
وجد عمالقة المال أنفسهم مهددين بشكل جدي من قبل صغار المستثمرين، أولئك الذين يستغني الواحد منهم عن بضعة آلاف في السوق في سبيل الربح. وهذا ما كان سيحدث، "الشعب" قد ينتصر ولو لمرة على سلطة المال. لكن، قررت شركة روبن هود فجأة إيقاف الشراء. بصورة أدق، منعت ملّاك الأسهم من شراء الأسهم عبر تطبيقها، وسمحت لهم بالبيع فقط، ما شل السعر، ودفع الجميع للبيع في اللحظة ذاتها. ما يعني تمكين الأغنياء من استعادة الربح الذي قد يخسرونه بسبب البيع المكشوف، على حساب الخسائر التي يتحمّلها ملايين المستثمرين الصغار الذين حالف بعضهم الحظ وباعوا حصصهم قبل انهيار سهر السهم.


لن نخوض في التفاصيل الاقتصادية، ولا جلسة الكونغرس التي خضع لها جميع المتورطين، أي شركة روبن هود والشركة الممولة لها، وكيث غيل المتهم بالترويج لمعلومات خاطئة عن السوق. ما يهمنا هو الحجة التي ساقها خبراء السوق وكبار المستثمرين. هذه الحجة مفادها أن عمليات البيع والشراء يجب أن تستند إلى أبحاث، ليس مجرد إعجابات وفوضى عارمة. لا بد من وجود ما يمكن تسميته بـ"الحقيقة الاقتصادية"؛ أي تلك المتغيرات الماديّة والحسابيّة التي تحرك سعر السهم، وليس مجرد دعوات على صفحات التواصل الاجتماعي.

وهنا المخيف: مَن نصدّق إن أردنا الاستثمار، ما تقوله نشرات الأخبار الاقتصادية باختصار؟ خبراء الأموال الذين يحتكرون المعلومات؟ أم الهواة وأصحاب الآراء؟
مفهوم الحقيقة الاقتصادية لا يرتبط بتعقيد المعاملات وصعوبة وغلاء ثمن الحصول على المعلومات الدقيقة حول التداولات، بل بسلطة ما، أوقفت عملية الشراء، ضمن مبرر اقتصادي بحت، يتمثّل بعدم امتلاك شركة روبن هود ما يكفي من رأس المال لضمان عملية البيع. لكن، لا أحد ممن خسروا صدق الأمر. وهنا المثير للاهتمام، فهذه القوانين والحقائق التي تضبط حركة رأس المال، لا تنطبق إلا على "الصغار". بكلمات أخرى، للمال إن تحوّل إلى ثروة، قوانينه الخاصة، وأعرافه وحقائقه، تلك التي لا يمكن كسرها عبر حملة مناصرة أو إغاظة.

المساهمون