خالد الخاني... رحلة الفنان السوري بحثاً عن "جزّار حماة"

29 ديسمبر 2024
خالد الخاني خلال معرض لأعماله في ألمانيا، 2013 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- خالد الخاني، الفنان التشكيلي السوري، يروي تفاصيل مجزرة حماة 1982 التي شهدت مقتل والده وتهجير عائلته، ويؤكد أن تحوله إلى ثائر كان من أجل القصاص العادل وليس بدافع الانتقام الشخصي.
- بعد وصوله إلى باريس عام 2011، واجه الخاني تحديات قانونية لمقاضاة رفعت الأسد، وتمكن من استصدار مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة الجنائية السويسرية عام 2022، مما أدى إلى هروب الأسد من فرنسا.
- يواصل الخاني سعيه لتحقيق العدالة رغم التحديات، ويؤكد عزمه على المطالبة بحقوق الضحايا كاملة، مشدداً على ضرورة محاكمة القتلة وتحقيق القصاص العادل.

"ما عدت أريد التواري وسوف أذهب إلى كل التظاهرات، لم أعد أستطيع أن أخفي هويتي أنا الفنان الذي تحوّل إلى ثائر... وتحولي هذا ليس له علاقة بذاكرتي البعيدة في حماة عن مقتل أبي ومقتل مدينة طفولتي واغتصاب نسائنا وسجننا وقصفنا وقهرنا وتهجير من بقي منا إلى الريف ليتسنى لهم تغطية جرائمهم، أقسم بالله أنني لست حاقداً أو طالباً للثأر ولكني مع القصاص العادل"، هكذا بدأ الفنان التشكيلي السوري خالد الخاني نصه المعنون "عشت لأروي لكم طفولتي"، موثقاً فيها تفاصيل مجزرة حماة التي ارتكبها رفعت الأسد عام 1982 لتصفية معارضي شقيقه حافظ، وبررها نظام الأسد خلال عقود خلت على أنها كانت "قتال جماعة الإخوان المسلمين".

وصل خالد الخاني إلى باريس عام 2011 هارباً من سطوة مخابرات بشار الأسد بسبب جملة مواقفه المعارضة للنظام منذ بداية الثورة السورية، ليسكن في شارع قريب من مكان إقامة رفعت الأسد في باريس، الذي يعرف بلقب "جزار حماة"، وتعود صور الذاكرة الأليمة للطفل الذي كان عمره ست سنوات عند مقتل أبيه.

في حديث مع "العربي الجديد"، يقول الخاني "لا يمكن تخيل الشعور الإنساني الذي ينتابك حين تكون قريباً من قاتل أبيك وأربعين ألف إنسان آخر لم يكن لهم ذنب سوى أن القاتل أراد تثبيت أركان حكم شقيقه، في مجزرة لا يوجد ما يثبتها إلا شهادات الناجين منها، إذ لا يوجد أي أدلة مادية ملموسة حتى الآن عن تلك الجريمة، وهذا ما جعل ملاحقة رفعت الأسد قضائياً مسألة صعبة، لكنني قررت خوضها بوصفها جزءاً من المسؤوليات التي أحسها تجاه ضحايا المجزرة وليس بدافع الانتقام الشخصي لمقتل والدي".

في بداية رحلة البحث عن العدالة، كان خالد الخاني يحمل الجنسية السورية، الأمر الذي وقف عائقاً في محاولة رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الفرنسية ضد رفعت الأسد، فالقانون الفرنسي لا يسمح للأجانب أن يقيموا دعاوى في جرائم مضى عليها عشر سنوات، إذ يعتبرها تسقط بالتقادم، في حين أنه يمنح الحق للمواطن الفرنسي بالمطالبة بالعدالة أياً كان وقت الجريمة، ونتيجة لذلك يقول الخاني، إن خيارات المحامين وبحثهم في القوانين الأوروبية وجدت ثغرة في القانون السويسري، تمكنه من رفع الدعوى ضد رفعت الأسد لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وبعدما كان لمدة عامين المدعي الوحيد، انضم إليه اثنان من الناجين من مجزرة حماة، "لكني لست مخولاً بالكشف عن هويتيهما حالياً، وقد نجحنا في استصدار مذكرات اعتقال عدة من القضاء السويسري، لكن وزارة العدل في جنيف كانت ترفضها لأسباب سياسية. وفي النهاية تمكنا من استصدار مذكرة اعتقال بحق رفعت الأسد من المحكمة الجنائية الاتحادية في سويسرا في 20 يوليو/تموز من العام 2022، وهذه المذكرة هي السبب الحقيقي في هروبه من الأراضي الفرنسية في ذات اليوم وقبل صدور المذكرة بساعات، فالقضايا التي كانت مرفوعة ضده في فرنسا بتبيض الأموال وما شابه كانت ستنتهي لصالحه لعدم وجود أي شركات أو أصول مسجلة باسمه في فرنسا".

يشرح الخاني: "كان هناك محاولات عدة لإصدار مذكرة اعتقال من المحامين الذي يعملون لصالحنا أمام القضاء السويسري، إلا أن الأخير كان غير متجاوب لأسباب عدة، منها استحالة تقديم أدلة مادية والاعتماد فقط على شهاداتنا، لكن بعد ثماني سنوات من النضال أمام المحاكم تمكنا من استصدار مذكرة الاعتقال عبر الإنتربول الدولي ضمن أراضي الاتحاد الأوروبي فقط، وحالياً نعمل على استصدار مذكرة ثانية تخولنا من البحث عن رفعت الأسد لمعرفة مكان وجوده. إذ تشير التقارير الطبية الورقية الصادرة من سورية وقدمها محاموه أمام القضاء السويسري إلى أنه كان موجوداً في سورية حتى لحظة سقوط نظام بشار الأسد، ونأمل أن نعثر عليه لتقديمه للعدالة".

لكن تفاؤل الخاني يقابله تصريح نقلته وكالة رويترز عن المتحدثة باسم المحكمة الجنائية الاتحادية، قالت فيه "بوسعي تأكيد أنه نظراً للحالة الصحية للمتهم، الذي لن يكون قادراً جسدياً على السفر إلى سويسرا وغير قادر نفسياً على المشاركة في المناقشات، دعا المسؤولون عن المحاكمة الأطراف لاتخاذ قرار بشأن إغلاق القضية"، الأمر الذي يستغربه الخاني، إذ يقول إنه في اليوم الذي صدر فيه هذا التصريح كانت المحكمة الجنائية السويسرية قد منحت المحامين الذين يمثلونه وبقية المدعين أذناً بالبحث عن أي معلومات تدل على المكان الحالي لرفعت الأسد، على أن تعمل لاحقاً على استصدار مذكرة اعتقال توجّه إلى الانتربول الدولي وبالتالي إلزام السلطات في كل الدول بتسليم الأسد، ومحاكمته، وهو الإجراء الذي يتضارب من وجهة نظر الخاني مع تصريح المتحدثة باسم المحكمة.

يختم خالد الخاني الجزء الخامس من نصه "عشت لأروي لكم طفولتي"، بالحديث عن اقتلاع عين والده الأولى في المعتقل بعد مكيدة من ضباط النظام السابق ليعترف بأنه طبيب، إذ كان المطلوب آنذاك تصفية كل المثقفين في حماة، ويشرح كيف فارق والده الحياة بعد تعذيب شديد من عناصر النظام في ساحة المعتقل، ثم نقل جثمانه ليرمى أمام باب المستشفى الوطني، وقبل تثبيت بطاقته الشخصية على ثيابه، اقتلعوا عينه الثانية. ويقول في ختام هذا الجزء: "أقسم أنني‮ ‬لن اتوقف عن المطالبة بحقوقنا كاملة،‮ ‬وأن‮ ‬ينال القتلة القصاص العادل، ‬ولم ولن أهدأ حتى تعيدوا لي‮ ‬عينَي أبي‮ ‬لأدفنهما ‬هناك حيث‮ ‬دُفن هو".

المساهمون